درع الجارة الكبيرة يحطم اقتصاد الجزيرة الصغيرة

2011-05-31 - 11:56 ص


مرآة البحرين (خاص):
جسد مريض، هكذا يمكننا وصف الاقتصاد البحريني الآن بعد أن أنهكته السياسات الأمنية الفاشلة. السياسات التي تشبه سلوك مريض عنيد يجهل الطرق الصحية للوقاية، صارت آثار المرض واضحة الآن. الاقتصاد الذي كان يعول عليه في تأسيس اقتصاد لا يعتمد فيه على النفط فقط، وقد جاءت رؤية 2030 الاقتصادية لتحقيق  هذا الهدف، إلا ان المراقب للوضع الداخلي في البحرين يشعر بأن السياسة الأمنية المفرطة في استخدام القوة، قادت إلى معادلات عكسية وبددت أهم ما جاء في رؤية 2030 التي كانت ترسم مستقبلا اقتصاديا زاهرا للبحرين.

لقد لوت سياسة ذراع الجزيرة، أذرع جسد اقتصادنا الحي،  لقد غادر كثير من المستثمرين والبقية تلوح وأخرى تبطن هذا التوجه، لم يوجع درع الجزيرة المعارضين، بقدر ما أوجع عشر سنوات من النمو الاقتصادي، دمر في شهر ما نما في عشر سنوات.

تلقى الجسد الفتي للاقتصاد المحلي بقطاعيه الخاص والعام ضربة قاصمة جراء قمع الثورة المطلبية السلمية وجعل الجزيرة الصغيرة أشبه بساحة مجنزرات بدل من أن تكون سوق إقليمية واعدة تستقطب ثلة من الاستثمارات، ضاهت دبي في العديد منها،  إنها قصمة بالفعل للاقتصاد البحريني فلتك الأزمة استطاعت ان تستنزف من ميزانيته المترنحة وترفع مستوى المديونية في الدولة الملكومة، وبدل ان نرى مجد الإصلاح والمصالحة والبناء كان معول الهدم بديلا "عنتريا" قضى على كل أمل في عودة الحياة إلى طبيعتها في البحرين، وزاد الأمر حين بدأت مرحلة الانتقام التي أدت ولا تزال إلى توالي الخسائر الجسام وأبرزها الاستغناء عن الخبرات.

يتساءل الكثير من المراقبين عن هذه التخبطات التي قادتها السياسة البحرينية وأفضت في نهايتها إلى انهيار حاد في مؤشرات الاقتصاد البحريني بشكل لا هوادة فيه، إذ وسط كل هذا الانهيار الذي كان ممكن تداركه ساعتها، لم تلجأ الدولة إلى رأب الصدأ الحاصل بل إلى تعميق الفجوة التي أحدثها زلزال العنف ضد المسيرات السلمية، الأمر الذي انعكس إلى حالة أشبه بالزلزال على الاقتصاد الفتي.

قبل وقت قريب صرح الرئيس التنفيذي لشركة طيران الخليج، بأن قرارات الحكومة تسببت للشركة بخسائر في إشارة إلى منع السفر إلى كل من إيران ولبنان والعراق، والتي تعد من أكثر الجهات طلبا، وهذا التصريح يكشف الكثير من المسكوت عنه لدى جهات الدولة العليا والتي تسعى في سياستها القمعية الرامية إلى الانتقام من الشعب لتكبيد الاقتصاد المزيد والمزيد من الخسائر التي ستنعكس في نهاية لمطاف على الشعب ايضا.

وبحسب بيان صادر من غرفة تجارة وصناعة البحرين فإنها تحصي في عجالة وأرقام تقريبية خسائرها أبان الأزمة إذ تقول ونقتبس من بيانها "أدت الأزمة إلى اختفاء السلع الغذائية الرئيسية من الأسواق والمحال التجارية، وخسرت البورصة البحرينية 100 مليون دينار من قيمتها السوقية وتراجع مؤشر المعاملات في البورصة إلى 1.6%، وتدنت أرباح شركات قطاع الخدمات المدرجة في بورصة البحرين بنسبة 29% لتصل إلى 25 مليون دينار تقريباً في الربع الأول من العام الحالي 2011 مقارنة مع 35.5 مليون دينار في ذات الفترة من العام الماضي".

ونزيد عليها، لقد انخفضت البورصة التي بدأت في النمو مع توسع السوق وارتفاع معدل نشاطاته، أثر موجة الاستثمارات وسياسة الباب المفتوح والاقتصاد الحر التي عملت عليها الدولة طيلة عشر سنوات،  إلى أدنى مستوياتها خلال شهرين، فقد انخفضت نسبة النمو من ( 6.2 %) والتي تم تسجيلها في الفصل الأول من العام الماضي 2010 إلى ( 0.7- % ) خلال الفصل الأول من العام  الجاري حسب إحصائيات المصرف المركزي، وسط مخاوف من استنزاف هذا الانخفاض إلى حد لا يمكن السيطرة عليه.

إلى ذلك يمكننا ان نعرف مدى الخطورة التي يمكن للاقتصاد البحريني أن يصل إليه، وهو الأمر الذي انعكس مع توجهات هيئات عالمية كوكالة التصنيف ستاندرد آند بورز التي عمدت إلى نشر المخاوف بقوة بين المؤسسات المالية والتجارية في السوق المحلية بعد أن قامت بعمليتي خفض تصنيف الديون السيادية الطويلة الأجل والقصيرة الأجل بالعملة المحلية والأجنبية للبحرين الأول من A+ إلى A- والثاني إلى (BBB) خلال فترة وجيزة، وارتفاع التأمين على ديونها السيادية.

ولا تزال الوكالة تتوعد البحرين بالمزيد بعد ان أعلنت ان حال السوق قيد المراقبة لاحتمال خفضه مجددا. وقالت المؤسسة أن الاحتجاجات العنيفة المستمرة أدت إلى تردي المناخ السياسي والاقتصادي في البلاد. وبرر المحلل لدى ستاندرد اند بورز مايك نون هذا الفعل قائلا "خفض تصنيف الديون السيادية طويلة الأجل للبحرين يعكس رأينا بأن المناخ السياسي والاقتصادي هناك بات أكثر صعوبة بسبب أحداث الأسابيع الثلاثة الأخيرة".

لم تكتف الوكالة بذلك بل قامت بخفض تصنيفها للبنك المركزي البحريني وشركة ممتلكات القابضة وهي صندوق الثروة السيادية للبحرين إلى 2 من 1  ووضعتهما قيد المراقبة مع توقعات سلبية أيضا.  وقالت في بيان لها "إن تغيير التصنيف يعود إلى إعادة تقييمنا للمخاطر السياسية في البحرين. نتوقع استمرار المظاهرات رغم استخدام الحكومة للقوة".   
كما خفضت مؤسسة فيتش هي الأخرى التصنيف الائتماني للبحرين درجتين، وقالت إن من المحتمل خفضه مجددا، ولا تزال مؤسسة موديز تصنف ديون البحرين بالتصنيف 3، لكنها وضعته قيد المراجعة لاحتمال خفضه.

يذكر ان تكلفة التأمين على الديون السيادية المتخلفة عن السداد للبحرين تواصل الارتفاع، مقتربة من أعلى مستوياتها بعد أن أعلنت حالة الطوارئ في البلاد، مع دخول الجيش السعودي الأرض البحرينية وممارسة العنف ضد الأهالي.

وبالطبع فأن هذا الجسد المنهك المريض، والذي لايزال رغم ضعفه مستباح،  بحاجة إلى انعاش طارئ وإلا فإن الموت سيتخطفه، وهذا ما يخشاه المراقبون الاقتصاديون، إن هذه الممارسات تؤدي إلى تراجع كبير على الاقتصاد والاستثمارات، كما تمس بسمعة البحرين وصورتها غير المستقرة في العالم. ستكون هذه الجزيرة بعيده عن أعين المستثمرين، فرأس المال جبان كما يعرف الجميع، وقد تناقلت العديد من وكالات الأنباء أخبارا عن هروب رؤوس الأموال الجبانة إلى الخارج، فهل هناك مؤشر مقلق أكثر من ذلك.


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus