الحوار بين المعارضة المفردة الأكثر رواجاً وغموضاً

2011-06-04 - 5:30 م



مرآة البحرين (خاص):
الحوارُ بين النّظام والمعارضة في البحرين ليست وحدها المشكلة، ولكن الحوار داخل المعارضة نفسها مشكلة أيضاً. جزءٌ من تبعات المشكلة الأولى، يمكن الإمساك بها في تعثّرات الأخرى. هذه خُلاصة العقود الماضية.      

حديثاً، عبّرت العريضة الدّستوريّة عام 1994م عن واحدةٍ من التوافقات الحواريّة بين المعارضة. حينها، تخلّى الأطرافُ عن بعض الرّاديكاليّة الأيديولوجيّة، وقدّموا بعضاً من التنازلات، وكانت النتيجة: لجنة العريضة الدّستوريّة التي مثّلت تلاوين مختلفة، حزبياً ومذهبياً. رغم التّحديات التي أفرزتها الانتفاضة التّسعينيّة، إلا أن اللجنة استطاعت الحفاظ على قدر واضح من التّماسك.      

بعد الإنفراج الأمني عام 2001م، والقبول بالميثاق، أعلن بيانٌ باسم اللجنة تحفّظها على التصويت الإيجابي للميثاق، مع تأكيدها على خيارات الشّعب. كان ذلك آخر مواقفها المعلنة، ليتمّ حلّها بشكل تلقائي. في السّنة الأولى للميثاق، بدأت الجماعات السياسية تُبرز نفسها عبر جمعيات سياسية مرخّصة. اعتبر مراقبون ذلك بدء تحدٍّ جديد للمعارضة. لاحقاً، تبيّن أنّ أطرافاً كانت تجدُ صعوبة في تجاوز رواسب الماضي. لم يتخلّص المعارضون تماماً من التشكيل الضاغط للطائفة وللأيديولوجيا. بعضُ المتابعين يُفضّل اعتبار ذلك "الخللَ البنيوي الذي بدأ به المعارضون مرحلتهم الجديدة"، وهو الخطأ الذي "استفادت منه السّلطة لاحقاً، ولازالت تستعمله في سياستها الرّامية لتذويب المعارضة أو تأليبها".     

بدورها، كانت المعارضة على بيّنة من المشكلة الجديدة. عبّرَ جهدُها المتواصل لرصّ الصفوف، والاتفاق على بياناتٍ مشتركة، والدّخول في تحالفات، ولقاءات تنسيقيّة. عن الوعي بما يجب فعله. لكنها لم تفلح كثيراً في "القيام بما يجب فعله"، كما يُعلق ناشطٌ سياسي عايشَ عدداً من مشاريع التواصل بين المعارضة. حسب النّاشط، فإنّ التعثّر يعود لأسبابٍ كثيرة، أبرزها "أن المعارضة كانت تلتئم وقت الأزمات فقط، ولم تبحث مشاكلها إلا حين تكون عالقة في خلاف مع السّلطة". تسبّبَ ذلك في إعطاء اللّقاءات "طابعاً ظرفيّاً، وجعلها مصلحة مرتبطة بالخلاف السياسي فقط"، فكانت الحوارات الجارية في هذا الإطار "جزءاً من المشكلة، وليس حلاًّ لها".      من بين التحالفات التي جمعت قِوى المعارضة؛ كان المؤتمر الدّستوري (2004-2005) أنضجَ منجزات المعارضة، والتي وفّرت أفقاً حيّاً للحوار الدّاخلي، والحوار مع السّلطة أيضاً. استطاع المؤتمر الدّستوري أن يخلق ظلالاً أوسع للمعارضة، ويُعيد إليها الوضوح في شعارها المطلبي. وفضلاً عن ذلك، أعطى المؤتمر إمكانات مفتوحة لحركة المعارضة، ومنحها فرصة واسعة للتخلّص من الجمود السياسي المفروض.     

إذا كانت المشاركة في البرلمان عام 2006م سبباً في إنهاء المؤتمر الدستوري، فإنّ المشاركة نفسها كانت سبباً في دفْع المعارضين للبحث عن الحوار الدّاخلي وتطويق الخلافات. في ذلك الوقت، تسبّب الخلاف في حدوث انشقاقات علنيّة، وصعود خُطى الانقسامات الحادة، ورَافقَ ذلك خطابٌ غاضب لم يخلُ من الاتهامات المتبادلة وما يُشبه التّخوين.     

مع اشتداد تلك الظّروف، حاول القيادي المعتقل عبد الوهاب حسين أن يرمي من جديد بخيوط الحوار بين المعارضة. ينقلُ أحد المقرّبين من حسين، أنّه أجرى مرْوحة من الاتصالات واللقاءات مع شخصيات المعارضة، واستطاع الحصول على تأييد من الشّيخ عيسى قاسم للدّفع بحوار يجمع أطياف المعارضة المتخاصمين.        ينقل أحد العاملين في سكرتاريّة تلك المبادرة الأجواء قائلاً: "كانت ملفات المعارضة في حال من التشرذم، وظهرَ وكأنّ مُنجزاتها في مهبّ الضّياع، في هذا الظّرف أعلن عبد الوهاب حسين عن لقاء شامل يجمع رموز المعارضة على طاولةٍ واحدة لتدارس الأوضاع والخروج بائتلاف سياسي جديد".      عندما عُقد اللّقاء الأوّل يوم الأحد 16 سبتمبر 2007م؛ لوحظ أنّ استجابة "الوفاق"  كانت حذرة، بخلاف بقية الأطياف. كان حذراً طبيعياً، وترجمه النقدُ الحاد الذي أُعيد فتحه على طاولة اللّقاء الأول بشأن المشاركة في البرلمان. تولّى المحامي محمد أحمد هذه المناقشة بشيءٍ من المكاشفة الصّريحة. استمرّ اللّقاء التّمهيدي لأكثر من جولة، وعُقدت جلسات في أوقات وأماكن متفرّقة، إلى أنْ جُمّدت المبادرة فجأة، وحمّل كلّ طرف الآخرَ المسئولية عن ذلك.    

فيما بعد، لم تنقطعُ اللقاءات، وبعض التحالفات، لكنها كانت أقل من درجة "حوار"، وأكثرها مجرّد "تنسيق" لمنع الخلاف وإيقاف التّصادم في الشّارع. استمرّ كل فريق منفرداً، ومحاولاً إثبات أنّ منهجه في العمل السياسي هو الأصوب. في هذه الأجواء، كانت السّمة الغالبة على خطاب المعارضين هو التصيّد، والتأسيس على أخطاء الآخرين، مع تضخيم غير واقعي للنّجاحات والنّقاط المكتسبة. استمرّت هذه الحال حتّى يوم 14 فبراير 2011م.     

مع ذلك اليّوم، وما تلاه، فُتِحت تجارب أكثر جدّية في اللقاء والحوار الدّاخلي بين المعارضين. شجّع الاعتصام في دوّار اللؤلؤة على إعطاء هذه الحوارات حضوراً فعلياً بين النّاس، كما أنّ الاعتصام رفَد الحوار بنكهةٍ جديدة من الحِجاج السياسي المفتوح بين المعارضين. في هذا الفضاء، جرت اتفاقات، وأُمْضيت لقاءات تنسيقيّة، والتقى المعارضون وتعانقوا، وقاربوا اختلافاتهم وتبياناتهم في المطالب والشّعارات المرفوعة. كان مشهداً غير مسبوق في تاريخ المعارضة.      

مازال الوقتُ مبكّراً للحديث المفصّل عن هذه التّجربة، والحكم عليها واستخلاص العِبر كافة. فالأحداث مُتسارعة، وكثيرٌ من الفصول لازالت مفتوحة على المجهول، والحوارُ في كلّ ذلك هو المفردة الأكثر رواجاً، وغموضاً في آن.          

التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus