افتتاحية مرآة البحرين: جلال الجليلة ويدا رولا

2011-08-22 - 12:57 م



هناك شخصيات أكبر من مهنتها، تمنح المهنة معنى من خلال سيرتها. رولا الصفار وجليلة السلمان من هذه الشخصيات، وقد شاء قدر مهنة التمريض ومهنة التعليم، أن يصنع لهما تاريخ جديد من زنزانة واحدة، هي زنزانة مركز المنطقى الوسطى التي كانت مكانا لتاريخ زمالة وطنية من نوع خاص لجليلة ورولا. ستغدو سيرتهما جزءا من تاريخ التمريض وتاريخ التعليم في هذه الجزيرة الصغيرة.

الشخصيات الاستثنائية لاتصير جزءا من تاريخ البلد السياسي فقط، بل تتحول إلى فصل من فصول تاريخ الحقل العلمي الذي الذي تشتغل فيه. لنا في سيرة الممرضة (فلورنس ناتنجيل) شاهدة على ذلك. وقد ولدت عام 1820م  في إيطاليا من أبوين إنجليزيين. وهبت نفسها لمهنتها، وصارت جزءا من تاريخ هذه المهنة، في 1854 تلقت نايتينجل ومعها 38 سيدة من المتطوعين من النساء والممرضات التدريب اللازم، وتم إرسالهم لتركيا، لمعالجة جرحى حرب القرم، وهي حرب قامت بين الإمبراطورية الروسية والدولة العثمانية.

وقد تأسست منظمة الصليب الأحمر الدولي عقب حرب القرم عام 1863، وقد خرجت هذه المنظمة من وحي ما قامت به (فلورنس نايتينجيل) من أعمال إنسانية خلال هذه الحرب كمتطوعة لتضميد جراح الأسرى والمصابين من المقاتلين. للدور الاستثنائي الذي قامت به (نايتينجل) قامت لجنة الصليب الأحمر الدولية عام 1912 بتأسيس جائزة "نايتينجل" والتي تقدم كل عامين للممرضات المتميزات، وتعد هذه الجائزة أعلى تكريم في التمرض الدولي.

سيحمل يوماً تاريخ التعليم جائزة باسم (جليلة السلمان) وسيكون هناك حتماً مشروعاً يحمل اسم (رولا الصفار). ستكون جائزة (جليلة) شاهداً ضد مكارثية وزير التربية والتعليم، الذي حوّل التربية من مهنة جليلة، إلى مهنة تمنح جوائزها للنمامين والفتانين والمهوسين بأمراض الطائفية. ليس أجل من (جليلة) عنواناً ضد هذه المكارثية البغيضة.

ستكون (رولا) أجمل قصة لشرح أخلاق التمريض، قصتها التي قضت منها17 عاما تدرس وتعمل في أمريكا، ولم تنس لحظة أنها ابنة عالم يحتاج إلى خبراتها وحبها، وفي هذه القصة  سيرة حب عمرها27عاما، توّج بزواج أنقص فرحته مرض السرطان الذي أخذ من (رولا) إمكان الإنجاب، ومنحها إرادة التحدي وإرادة الحب. أحبت رولا مرضاها، وطلابها وزملاءها ورفيقات سجنها ولؤلؤة الدوار.تأملوا يدي (رولا) في كل صورها، صورها في غرف الطوارئ وهي تحضن الممرضات والطبيبات المذهولات، وصورها وهي تحضن مهنئيها بالإفراج أمس. كانت قوة الحب كلها في يدها الحاضنة، أظنها جمعت كل هذا الحب في يدها من مرضاها الذين كانت تقدم لهم يدها ليطيبوا.

 لقد تركت لنا (نايتينجل) خمس وصايا للممرضات مشتقة من سيرتها"يجب أن تبتعد عن الأقاويل والإشاعات، يجب ألا تتحدث عن مرضاها أو أسرارهم، أن تكون أمينة على مرضاها، لا تتأخر على المرضى عند تنفيذ طلباتهم حيث أنهم يضعون حياتهم بين أيديها،أن تكون دقيقة الملاحظة رقيقة المعاملة حساسة لشعور الغير"
ستضيف سيرة (رولا) لهذه الوصايا، وصية الحب في اليدين: اجعلي قوة الحب في يديك لتمنحي الحياة لمن هم بين يديك.

أطلق على (نايتنجيل) لقب "سيدة المصباح" أو السيدة حاملة المصباح نظراً لكونها كانت تحمل مصباحها ليلاً وتنطلق في ميادين القتال بحثاً عن الجرحى والمصابين لإسعافهم وتطيب جروحهم. لا ندري ما الذي سيطلقه التاريخ على (رولا). هل سيشتق من يديها المحبتين لقباً، أم سيشتق من إرادتها الصلبة تسمية، أم سيشتق من سيرتها الدرامية عنواناً أم سيشتق لها من خيمة (رفيدة بنت سعد الأنصارية) ما يليق بخيمتها في دوار اللؤلؤة.

التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus