افتتاحية مرآة البحرين: فضيلة النعيمي السياسية

2011-09-03 - 8:47 ص





"لقد رفضنا وقطعنا على أنفسنا أن نرفض كل امتياز  يقدمه الحُكم من غير قانون"
عبد الرحمن النعيمي


ما الذي يمكن أن يبقى من النعيمي؟
سيبقى حسه الأخلاقي. كيف لرجل سياسة أن يكون نموذجاً لهذا الحس؟ أليست السياسة ضد الأخلاق؟ هذه القدرة على جمع نقيضين أو إصلاح خصومتهما، هي سرّ ما سيبقى من النعيمي.تعيدنا سيرته في العمل السياسي إلى ما كانت تسميه الفلسفة اليونانية (الفضيلة) وهي ليست شيئاً آخر غير التربية السياسية، تربية المواطن وفق سياسة المدينة.

مدرسة عبدالرحمن النعيمي، كانت تعلّم هذه الفضيلة السياسية، وهب أبوأمل حياته كلها لهذه الفضيلة، مع ذلك لم يكن مفكراً أخلاقياً، ولا شيخ دين متخلقاً كما أراد له أبوه، كان سياسياً، ومعركته تبدأ في هذا الحقل، كيف تُولّدُ الفضيلة في حقل مليء بالرذيلة؟ ليس هناك حل لهذه المعضلة أكثر إقناعاً، من أن تجعل سيرتك جواباً. لقد بالغ النعيمي في الجواب، فجعل سيرته وسيرة عائلته مختبراً لتقديم أخصب جواب مقنع. لذلك كان بيته من فولاذ، يرمي أعشاش فساد الدكتاتوريات، ولا تجرؤ هي أن ترمي بيته الحصين.

نعم، ما سيبقى من النعيمي، هو هذه الفضيلة، وهي ثابتة من ثوابته، وأهم ثوابتها تغيير الرؤية وثبات الموقف، ظل النعيمي ثابتاً في موقفه المبدئي في الإنحياز للإنسان وكرامته وما يحقق له العدل والمساواة، وظل ثابتاً في قدرته على تكييف رؤيته مع مستجدات الأفكار السياسية وتياراتها وتجاربها، لم ينغلق في قوميته ولا يساريته ولا ثوريته ولا عروبته ولا ناصريته، كوّن اعتدالاً بين كل هذه المكونات، والفضيلة هي توسط بين طرفين، كما الشجاعة توسط بين التهور والجبن.في هذا التوسط وجد مساحة نضاله من أجل حقوق الإنسان والمواطنة والدولة المدنية والدستور العقدي والبرلمان المنتخب والحيز العام.

ظل بيانه واضح دوماً حين يتكلم وحين يكتب وحين يقف، لم يدخل في مساومات سياسية، ولا صفقات مشبوهة، وتعالى على صغائر السياسيين، ولم تكسر عينه مكارم بيت الحكم. وفي تحديه لتراجعات الحكم عن تحقيق الدولة المدنية، قال النعيمي ببيان واضح"لن نتخلى عن الثوابت التي عملنا أربعين عاماً من أجلها" كانت دولة (أمة المواطنين) هي ما توّج به النعيمي عمله طوال العقود الأربعة التي امتدت بين مدينة المحرق وظفار وعدن ودمشق وبيروت. في كل مدينة ترك درساً في الفضيلة، وفي المنامة ترك لنا وعده.

في توسط هذه الفضيلة ناضل النعيمي من أجل دولة مدنية، لا يحكمها طرف شخص ولا طرف قبيلة ولا طرف طائفة.هذا النضال هو ما سيبقى من النعيمي، وستكون مدنية دولتنا، مدينة لسيرته وفضيلتها.
 
سنجد كل ذلك ملخصاً، في رسالة إبرهيم شريف التي نقلتها رفيقته المناضلة فريدة غلام قبل يومين "كنت أفكر في مدرسة أبوأمل وما تعلمته منه" لم يكن إبراهيم شريف في مدرسة ظفار ولا عدن ولا دمشق ولا بيروت، فكيف تعلم درس (أبوأمل) بهذا العمق وهذا الوفاء وهذه البراعة الاستثنائية التي أظهرها في محنته؟!!، ذلك لأن الدرس ليس في الجغرافيا، الدرس في التاريخ، والتاريخ الذي سيبقى من (أبوأمل) هو تاريخ فضيلته.  
 

التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus