سوق اللطميات

2014-10-31 - 10:40 م

مرآة البحرين (خاص):

واشنطن -عباس الشافعي

خلف أشرطة العزاء التي ينتجها الرواديد وتنتشر في السوق سريعاً حكايا غير مكتوبة في الأغلب، بها أوهام، وأتعاب، وأرباح، وتقلبات تترنح على أطرافها معادلة الإنتاج، فبعد الخروج من عالم الكاسيت والدخول إلى موجة الأقراص الممغنطة، أعادت جماعات النسخ الرخيص ترتيب أوضاعها، فيما انشغل الرواديد في تطوير تقنيات التسجيل، تضاءلت الكلفة على الطرف الأول، وتضاعفت عند الطرف الثاني، فكلاهما مرة أخرى يتأرجحان على ميزان السوق.

بالأمس كانت عملية إنتاج الشريط الواحد من الكاسيت ذات كلفة باهضة إذا ما قيست بالأقراص الممغنطة، كلفة تتراوح بين قيمة أجهزة النسخ وصيانتها، والوقت الطويل الذي تستغرقه عملية النسخ، وفوارق الجودة التي تلحق بالنسخ المكرورة قياساً بالنسخة الأصل من الكاسيت، مضافاً إليها تكاليف إيصال الإصدارات إلى داخل السعودية، حيث لا تسمح القنوات الرسمية بدخولها فضلا عن التصريح لها، ما يدفع المنتجين إلى تهريب تلك الإصدارات، أو استئجار من يقوم بتلك المهمة بالنيابة عنهم، وبكميات محدودة، بالقدر الذي تسمح به الجيوب المخبأة للسيارات.

محرم الحرام هو بمثابة ذروة التسويق لهذه التسجيلات، حتى إن كثيرا من الرواديد مازال يختار هذا الوقت من العام موعدا لتمرير إصداراته الجديدة، ثمة فسحة للربح لأولئك الذين يفترشون الزوايا وأطراف المآتم لبيع هذه البضاعة الدينية، وقد روي أنه في أحد المواسم بلغ صافي الأرباح من مبيعات واحد من إصدارات باسم الكربلائي في بسطة صغيرة بمدينة سيهات أكثر من 10 آلاف دولار، وهو صافي ربح معقول لو كان رقم النسخ المباعة ما بين الثمانية إلى الاثني عشر ألف نسخة.
لم تكن إصدارات الاستوديو هي بداية تجارة التسجيلات، ففي فترة التسعينيات، شيدت بيوت وعمرت بمداخيل تسجيلات المواكب، والتي تكلفتها أقل بكثير من تكلفة إصدارات الأستوديو، نعم أصبحت تلك التجارة أكثر تنظيماً مع حقبة الاستوديوهات، التنظيم الذي طال العملية الإنتاجية برمتها، من لحظة التلحين إلى التوزيع الموسيقى فالمونتاج، وقد وفرت مداخيل مغرية في بعض التجارب، والوسط العزائي قد يتذكر قصة الرادود الذي اشترى سيارة يفوق سعرها 30 ألف دولار من أرباح اصدار واحد.

كانت الكويت ولا زالت الرائدة في حركة إنتاج الصوتيات الشيعية، استوديوهات وكوادر هندسة صوتية ومرئية، قنوات اعلامية، حسينيات ورعاة، كل ذلك جعلها المركز الأبرز للإعلام الشيعي إلى جانب القادم الجديد، العراق، فيها خيارات وكوادر عديدة يزيد عمرها الفني عن 16 سنة، أسماء عديدة ساهمت في تطوير الحركة الفنية للأعمال الدينية المسموعة، لعل من أبرزها المهندس المصري حسام يسري ، والمهندس السوري عاصم البني ، وهما من أوائل من أضاف المؤثرات (البشرية) للتعويض بها عن الآلات الموسيقية، استفرد كل منهما بأسلوب مميز، فعاصم ركز على تسجيل الصوت البشري ، يعزفه ليصبح حاله حال أي آلة موسيقية أخرى يتم معالجتها، بينما حسام تميز باستخدام الأصوات الجماعية لملأ الفراغ، أصوات احترفت الغناء، لكنها لم تستوعب ضوابط الأعمال الدينية الشيعية في بداية التجربة.

عاصم وحسام اسمان من خارج الدائرة الشيعية، لكليهما تجربة مثيرة، فكل منهما بدأ مع الأعمال الغنائية العاطفية، ليستقر على الأعمال الدينية، اختار حسام المضي مع الأعمال الشيعية، بينما توجه عاصم للأعمال السنية في بداية المطاف، لم تكن هناك أي مشكلة لأن يكتب اسم عاصم البني على الإصدارات الشيعية، ولكن بعدها، بدأ عاصم بالاشتراط على الرواديد عدم وضع اسمه على جديد الإصدارات الشيعية، مخافة وصول الخبر للوسط السني، وهو ما انكشف أمره لاحقا، فتجد أحدهم يتساءل مستنكرا: عاصم البني ... أيهما أجمل؟ التسجيل للسنة أم التسجيل للشيعة؟ موضوع بلغ الثلاث عشرة صفحة من المعارضة والاستنكار، وأفضل ما التمس لعاصم من عذر، أنه تاب عن هندسة الأعمال (الشركية)!.

كان التنويه على أن المؤثرات المستخدمة (بشرية) من الضرورات في فترة البدايات، تنويه التزم به الرواديد وموزعو الموسيقى ومنتجو العمل، لكن بعدها تم إسقاط التنويه، وتم خرق ذلك الحظر من قبل الجميع، فما يفترض اليوم أن مصدره بشري، ليس بالضرورة صحيح وصادق، فما يفوق على الـ 90٪ من القصائد المسجلة بالاستوديو اليوم تحتوي على آلات موسيقية صريحة، بعلم أو بغير علم الرواديد، وما يعرض اليوم على القنوات الفضائية التي يتعبد قائموها على حرمة الموسيقى، يحوي آلات موسيقية صريحة.


اليوم يستخدم موزعو الصوت آلات موسيقية بحتة ، كالـ:
Pads
Synths
Arpeggiator

وهذه تصنف على أنها أصوات موسيقية الكترونية، وصولا إلى آلات كالقيثارة والبيانو. من أهم الآلات المستخدمة هي آلة (البيز) وهي نوع من أنواع الجيتار، وتستخدم في الأغلب الأعم في قصائد العزاء والمواليد والإنشاد، هذه الآلة المنخفضة الذبذبات من مهامها الأساسية التعويض عن الطبول والإيقاعات، والمفارقة أن الطبول التي كانت غائبة في زمن من الأزمان، هي حاضرة اليوم بتشكيلة وحضور أكبر، المدرسة الشيرازية على سبيل المثال تعطي استثناءات لاستخدام بعض الطبول من باب أنه تعارف على استخدامها في المواكب، لكن نرى أنه هناك أنواعا جديدة من الطبول تم إضافتها ويتم التعارف عليها على أنها عرف صوتي جديد، هذا العرف الفني المتبنى كان مصدره قريحة الفنان المصري حسام يسري، الفنان الذي غير العرف الشيعي في التعاطي مع القصيدة المسموعة.

ورغم كل هذا التطور في إنتاج الصوتيات الشيعية، والانفتاح على معطيات الموسيقى، إلا أنها تضررت كثيرا منذ بداية قرصنة الانترنت، لم تفلح شارات التنبيه على (حرمة نسخ الاصدار) من ايقاف تداول المنسوخ ، وتجفيف منابع التوزيع غير المشروع، فهنالك بعض المواقع والمنتديات الصوتية التي انبنت شهرتها على سرعة تحميل الإصدارات الحديثة على سيرفراتها، ما دفع أسماء من الرواديد الكبار إلى التواصل شخصيا مع بعض المواقع، فتوصل البعض منهم إلى هدنة تتوقف على إثرها بعض إدارة المنتديات بمنع رفع الإصدارات الحديثة في الأسابيع الأولى من طرحها، ليسمح بعدها الرفع والتحميل.

عباس الشافعي - الولايات المتحدة الأمريكية
مهندس صوتي، وملحن وموزع موسيقي


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus