عاشوراء في الذاكرة الوطنية .. حقبة السبعينيات

2014-11-01 - 7:51 م

مرآة البحرين (خاص): ظلّت مواكب عاشوراء تجمع على الدوام بين ثورة الحسين ومصيبته من جهة، وبين تطلعات ورغبات وآمال الشعب البحريني وربطها بتجسيد الواقع المعاش، سياسيًا واجتماعيًا لاحتجاج الناس ضد الظلم والطغيان والدكتاتورية، وحتى اللطم والبكاء يبدو مقصودًا للتنفيس عن واقع مزرٍ لحاضر لا يطاق بالنسبة لمآسيهم، وعليه استثمر مناضلو الحركة الوطنية ورواديد المآتم الحسينية، ومن ضمنهم يساريون، على الدوام، مناسبة استشهاد الإمام الحسين، أبا الأحرار (ع) للاحتجاج على الاستبداد والظلم رافعين الرايات والشعارات وخط البنرات وتوزيع المنشورات من أجل الوحدة الوطنية وتلاحمها.

وفي منتصف ستينيات القرن الماضي، خرج موكب "الحساوية" بالقرب من بيت أبو دريس في العاشر من محرم بشيلة ثورية تؤكد استمرارية ثورة الحسين ضد الظلم ويقول مطلعها: "شيب وشباب اجتمعت/اتردد مبادئ ثورتك...كلها يبن الزكية!".

ويقول مناضل نقابي يساري، وهو أحد مؤسسي مأتم "أنصار الهدى"، لـ"مرآة البحرين" إنه في العام 1966، فكّرنا بالقيام بشيء مختلف لإحياء ذكرى استشهاد الحسين، من خلال كتابة يافطات في مقدمة العزاء مستوحاة من آيات قرآنية لها انعكاسات على الواقع، ولها بعد اجتماعي وسياسي لمقاومة الظلم ومن بينها: "لا تركنوا للّذين ظلموا فتَمسكم النار!" وكذلك، "إذا حكمتم بين الناس فاحكموا بالعدل!" ومقولة الحسين (ع) الشهيرة:"ما خرجت أشراً ولا بطرًا، وإنما خرجت للإصلاح في أمة جدي!".

ويضيف المناضل اليساري أنّه "كان هدفنا ربط ثورة الحسين (ع) بواقعنا وتحريض المعزين وجماهيرهم الغفيرة من خلال هذه البنرات التي نخطها على قماش، والشيلات الثورية ضد المستعمر البريطاني والحكام الظالمين.. "

ويضيف أنّه "احتج كثيرون علينا تحت ذريعة أن هذه الجمل الثورية "من أقوال الشيوعيين!" إلى أن أقنعناهم أن هذه آيات من الذكر الحكيم وأقوال أبي الأحرار، وكان لنا ما كان."

وفي تاريخ مواكب العزاء البحرانية الكثير من الشذرات المرتبطة منذ القدم بتطورات وديمومة أهداف ثورة الحسين (ع) وانعكاساتها على الواقع وكان للعزاء دورٌ مهم في نصرة القضايا الوطنية ورفع شعارات الحرية والتضحية والفداء من أجلها، ما يسبب قلقًا دائمًا لسلطة الاستبداد، التي سعت وتسعى لاحتوائه أو فصله عن الواقع والأزمات التي تعصف بالبلاد عن طريق "عدم خلطه بالسياسة"، وفق عبارة تكررها الحكومة في إطار مقاسات للعقيدة.

وفي سبعينيات القرن الماضي، شهدت المواكب الحسينية اندفاع جميع أطياف المجتمع بدون استثناء، عرب وعجم، سنة وشيعة ونشطاء سياسيون وطنيون كانوا يتقدمون العزاء بجماهير غفيرة تصدح بشيلات مثل: "الشيعي والسني سوا/عباس حامل اللوا، هذي نتائج ثورته...هذا الشعب ما تنداس كرامته"، و"مجلس أساسي...كله كراسي، والغلاء الغلاء...من أين جاء الغلاء، ويالله يداح الباب عجل بالنتصر....جبهة التحرير لازم تنتصر!!"، وغير ذلك من الردّات التّي تعكس هموم الناس وآمالهم وتطلعاتهم ومحاكاة واقعهم وتجسيد مواقفهم ونظرتهم إلى واقعهم بإظهار مظلومية الشعب وقواه الوطنية الفاعلة في ظل العمل السياسي السري المحظور آنذاك.

وكان موكب عزاء رأس الرمان يزخر بالردات الثورية والسياسية، وقد عانى الرواديد وكتّاب القصائد والنّشطاء السّياسيين من الكثير من ظلم النظام واستبداده سواء في شهر محرم أو بعد انتهائه، وكذلك كان حال الكثيرين في المآتم الحسينية في المنامة والقرى وخاصة مأتم بن خميس في السنابس، حيث يحشد اليساريون أنصارهم للعزاء هناك.

ويتذكر كثيرون موضوع إسقاط عضوية الدكتور عبد الهادي خلف لتكون مادة وطنية دسمة للعزاء في مأتم رأس الرمان ومآتم المنامة، وكيف تم تدارك أصحابه اليساريين واستبدال كلمة "فاز بالكرسي عميل"، إلى "فاز بالكرسي بديل" وتصحيح الخطأ في اتهام منافسه الخياط بالعمالة"، لتصبح الردة وإن جاءت متأخرة هكذا: "مال ميزان العدالة وفاز بالكرسي بديل/من بعد سحب الثقة أصح الكرسي هزيل".

وبقي شطر الردة على حاله: "أول رسول للحسين بني أمية اغتالته/ وأول رسول للشعب العمالة شالته"، في إشارة لأبي رسول (عبد الهادي خلف، الناطق الرسمي لكتلة الشعب اليسارية الذي أُسقِطت عضويته من المجلس الوطني في بداية العام 1975).

وكذلك الحال عندما قاطعت القوى الوطنية، المجلس التأسيسي 1972، وصارت المقاطعة مادة للعزاء أيضًا في صرخات المعزين: "مجلس أساسي كله كراسي!".

وفي العدد رقم 569 لصحيفة "الوسط" ـ28 مارس 2004، عبّر الدكتور عبد الرحمن خليفة عن استيائه في مقال بعنوان "جبهة التحرير الوطني البحرانية وذكرى عاشوراء" لما جاء في بيان صادر عن جهة مجهولة، استكثرت فيه على المنبر التقدمي استصدار بيان مكرس لذكرى عاشوراء وثورة الإمام الحسين (ع) ضد الظلم والطغيان، حيث اتُّهمت هذه الجهة المجهولة الهوية "التقدمي" بأنه "يميط اللثام عن وجهه القبيح"، في إشارة إلى أن هؤلاء اليساريين لا علاقة لهم بالحسين (ع) وثورته (...).

وأضاف خليفة أنّ "بيان ذكرى عاشوراء كان يزين الصفحة الرئيسية من نشرة «الجماهير»، لسان حال جبهة التحرير، في العاشر من محرم من كل عام، عنوانًا لبطولة جماهيرنا الكادحة وكفاحها ضد الممثل الاجنبي وقوى الظلم والطغيان"

 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus