اللطمية البحرانية في شارع المقاومة: "أنتم شركاؤنا في النصر"

2014-11-03 - 2:31 ص

مرآة البحرين (خاص):

بيروت - إسراء الفاس

"أنتم شركاؤنا في النصر" يوماً ما سمع أبرز الرواديد البحارنة هذه العبارة من لسان أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله مباشرة. وإن سمعها وتلقاها الرادود بعينه، إلا أن سيد النصر حتماً عنى بها البحرين بكل ما فيها من طيبة وحب صادق ومواقف مخلصة تجاه المقاومة وشارعها، تمثلوا في اللطمية البحرانية التي فرضت نفسها بقوة على هذا الشارع منذ التسعينيات.

قبل 12 عاماً، تحديداً في صيف العام 2003، زار الرادود البحراني صالح الدرازي ضاحية بيروت الجنوبية، اذكر يومها أني كنت أمضي إجازتي الصيفية في قريتي الجنوبية إلا أن علمي بزيارة القادم من جزيرة، كانت تتضح معاناتها شيئاً فشيئاً أمامي بفضل لطميات صالح الدرازي وأخيه جعفر والشيخ حسين الأكرف وغيرهم، دفعني لأن أضغط على العائلة لكي أقطع الإجازة وأعود إلى مقر إقامتنا الدائم في الضاحية علني أحظى بفرصة استماعي للرادود الدرازي مباشرة!

لم أكن وحدي من قطع إجازته الصيفية للقدوم إلى مسجد القائم ولاحقاً لمنطقة "حي ماضي"، اذ كان الكثير من الشباب قد احتشد قبل ساعات منتظراً القادم من البحرين.

في زيارته للبنان كان يرافق الدرازي الشيخ حسين الحداد، الذي كان صلة الوصل بين مجموعة من الشباب اللبنانيين المعجبين بصوت الدرازي وبين صالح الدرازي نفسه. يتحدث الحداد عن الزيارة التي أتت في أجواء استشهاد السيدة الزهراء. كانت الدعوة موجهة للدرازي وللحداد لإحياء المناسبة في بلدة الغسانية الجنوبية، أتت بعدها مشاركاتهما في مسجد القائم وحي ماضي، ولاحقاً لبى الدرازي والحداد دعوة للمشاركة في مقام السيدة خولة في بعلبك بحضور رئيس الهيئة الشرعية في حزب الله الشيخ محمد يزبك. يتحدث الحداد عن حفاوة الاستقبال وعن الحشود الشبابية التي فاجأ حضورها وتفاعلها الدرازي نفسه.

يذكر الحداد أنه كان لافتاً تفاعل الشباب في حي ماضي، إذ بدا تشبع الأذن الموسيقية لهؤلاء بإيقاع اللطمية البحرانية "كانوا يلطمون اللطم البحراني، وقد ساعدهم في ذلك استماعهم القوي للطميات البحرانية وتعلقهم بها".

"كانت الأجواد روحية، وكان صالح فرح جداً بالأجواء... وكان يعبر عن ذلك في جلساتنا الخاصة"،والكلام هنا للحداد.

قبل عام تحديداً من زيارة الدرازي إلى لبنان، بدأت قصتي مع اللطمية البحرانية. كانت تعج غرفتي بإصدارات للدرازي وللشيخ حسين الأكرف وبعضها كان يعود لجعفر الدرازي، كما أنها اخترقت بتسجيلات أمنتها من خارج لبنان لرواديد بحارنة آخرين أمثال: مهدي سهوان وأباذر الحلواجي.

في تلك الفترة، كانت اللطمية البحرانية تدخل كل بيت في الضاحية والجنوب والبقاع عن طريق شبكات تلفزيونية داخلية في هذه المناطق كانت تبث الأدعية والآيات القرآنية إضافة إلى اللطميات الحسينية على مدار اليوم، حيث كانت تطغى عليها اللطميات البحرانية.

الاحتشاد الجماهيري تكرر ولكن بتفاعل أكبر، مع مشاركة الشيخ حسين الأكرف في إحياء ذكرى الأربعين عامي 2006 م و2007 م في المجلس المركزي الذي ينظّمه حزب الله في مجمع سيد الشهداء في الضاحية الجنوبية، ولاحقاً مع إحياء العشر الأوائل من محرم في العام 2009 ومشاركته في المسيرة المركزية لحزب الله في العاشر من محرم الحرام... ويُنقل أن الشهيد القائد عماد مغنية (الحاج رضوان) كان وراء اختيار الشيخ حسين الأكرف للمشاركة في مجلس حزب الله المركزي، وكان يُعرف عنه بأنه ممن يستمع للطميات الأكرف، الذي لم تحضر لطمياته وحدها في الشارع اللبناني بل كانت انشوداته حاضرة في أصعب الظروف وأدقها.. كإصدار "الوعد الصادق" في حرب تموز 2006.

في أول ذكرى لأربعينية الإمام الحسين (ع) بعد حرب تموز 2006، وصل الأكرف متأخراً من سورية لإحياء المناسبة في مجمع سيد الشهداء، كانت لحظة ارتباك مواجهة جمهور المقاومة، قد ضاعفتها لحظة ارتباك تاريخية أشد، سيد المقاومة وجها لوجه مع الأكرف، أشواق حارة وحضن دافئ ودموع غزيرة "حبيت استقبل ضيفي قبل الآخرين".

لم يقتصر إقبال الناس على الحضور مباشرة في المناسبات التي أحياها الأكرف، بل انه انعكس زيادة في الطلب على الإصدارات التي خُصصت لمشاركاته في لبنان. يقول علي دقماق المسؤول في مؤسسة بنت الهدى للصوتيات والمرئيات، وهي المؤسسة الأولى والأهم في لبنان، إن هذه الإصدارات ما زالت مطلوبة اليوم، وهو يفسر ذلك بأن اللبنانيين يشعرون أن في زيارة الأكرف ومشاركته في لبنان تخصيص للجمهور اللبناني، وهم يبادلون هذا الاحترام باهتمام وحب، يظهر في الإقبال على إصداراته.

ويعلل دقماق حضور اللطمية البحرانية بقوة في الشارع اللبناني، نظراً لسلاستها وسهولة فهمها بالنسبة للمستمع اللبناني، إضافة إلى كونها تغوص في الواقع السياسي الحالي وهو ما تتجنبه المدارس العزائية الأخرى التي تحرص على اقتصار القصيدة على تناول المناسبة الدينية. ويرى أن ذلك يبرر إقبال اللبنانيين على إصدارات رادود بحريني آخر كـجعفر القشعمي مثلاً.

تزاوج اللطمية البحرانية بين الحاضر والماضي. تأخذ القصيدة البحرانية مستمعها إلى التاريخ الذي يحيله بدوره إلى الحاضر. تحرك اللطمية البحرانية الإنسان فيه لا من أجل اراقة الدمع واستثارة العاطفة فقط، بل من أجل أن توظيف العاطفة في قضايا الحاضر التي تتلاقى مع عاشوراء لناحية رفض الظلم.

في اللطمية البحرانية يحضر الحدث السياسي بقوة: الواقع المأزوم للبحرين، ومعاناة الشعب المُرة مع سياسات الاضطهاد والتمييز وتزوير تاريخ البلد.. كما تحضر الأحداث التى يُعني بها الشارع البحريني انطلاقاً مع انتمائه الديني والعربي. ستجد أن للقضية الفلسطينية والمقاومة وانتصاراتها والثورة الإسلامية الحضور القوي في هذه القصائد.

"آمال الأم تهاوت في زيتون الطرقـات

تحمل في الكف شهيدا تغسله بالدمعــات

أحلام الطفل بحيفا ماتت بين الخربات

مذ كف الجرح ووزع حلواك على الشمعات

...

في قلبنا آيات منها الأسى تستحضر فليندحر شارون والعالم المستكبر"

صالح الدرازي - يا شعب حيدر

"يا شعب حيدر".. تماماً كما "موكب العقيلة"(ليلة الوحشة) للدرازي.. و"سكني روع النفوس" و"متهم بحب علي" إضافة إلى "الاسم الأعظم" للشيخ الأكرف، قصائد منها ما يتجاوز عمره خمسة عشر عاماً إلا أن مؤسسة بنت الهدى لازالت تنسخها بأعداد ضخمة سنوياً نظراً لإقبال الشارع اللبناني عليها.

يقول علي دقماق إن الظروف السياسية الصعبة في البحرين التي دفعت بالأكرف والدرازي لترك البحرين أثرت بشكل واضح على الإنتاجية، سيّما إنتاجية الأخير، الذي لم يلغِ ذلك من وجوده على الساحة اللبنانية.

ويوضح دقماق أن الحضور القوي للأكرف والدرازي لا يلغي حقيقة أن لعشرات الرواديد البحارنة جمهورهم على الساحة اللبنانية من أمثال: مهدي سهوان، جعفر القشعمي، سيد هاني الوداعي، علي حمادي... الذين لم تغب المقاومة عن لطمياتهم.

ولقصائد اللطمية البحرانية قصص ترتبط بالعديد من شهداء المقاومة في لبنان.

"أما تدروني، أنا قانوني، على القانونِ

غداً أتيكم، غداً أفريكم ، بلا سِكينِ

فيا بُشراكم .. و يا صبراكم .. على تمكيني

و يا شقوا من .. يُناوي حُكمي .. و من يعصيني

أنا الإرهاب، يا قومي، أنا شماعة ُ الحُكمِ

فعيشوا اليوم أحرارا ً.. تموتونَ غداً باسمي

أنا القمع ُ و قانوني سيطويكم بلا جُرمِ

باسمي ســـوفَ تلويكم عُروشُ البغي و الظـُلمِ

كـَذابُ يا قانونُ كـَذاب .. ليس لنا ألاك إرهاب

يا من على رأس ِ الرعايا .. تفتح ُ للإجرامي أبواب"

حسين الأكرف - الاسم الاعظم

للطمية "الاسم الأعظم" مع "خليل" (25 عاماً) قصة بعمر انضمامه إلى صفوف المقاومة عام 2007. في أول مهمة جهادية كُلف بها، تعرّف "خليل" على الشيخ الأكرف من خلال هذه اللطمية، سمع منها نصف ساعة اثناء انتقاله من نقطة لأخرى، فتعلق بها فرافقته على مدار 45 يوماً، كان يرددها وكأنه ينقشها في قلبه، ظلت طوال سنتين في مسجل سيارته، يكاد لا يدير غيرها، كانت بوابته إلى عالم اللطميات البحرانية، وبوابة لكثيرين مروا عبر كاسيت سيارته.

ارتبطت اللطميات البحرانية إلى حد كبير بشهداء حرب تموز 2006 وشهداء "الدفاع المقدس" في سورية. "ليلة الوحشة" رافقت الشهيد مصطفى عساف إلى مثواه الأخير.أما الشهيد علي قدورة كان يجيب، عند سؤاله عن عمله، مازحاً: "أكنس وأمسح وأحفظ صالح". والشهيد محمد رباعي، الذي أوصى بأن لا يشيّد قبره كاملاً أسوة بقبور أئمة البقيع، فكان له علاقة خاصة بلطميتي "حلم الأنبياء" للدرازي و"خط الفقهاء" للأكرف.

أنا من همٍ لهم أتراما

و الجوا كان الى صدري اماما

لستُ أدري يقتل الحرُّ على ما

نسي الليل .. ان لي بدرا .. ليس يخفيه

و صروفٌ لي .. منه قد لاحت .. نحن في فيه

كن على كل الملمّات قويّا

و اذا رمت احتجاجا كن أبيّا

عش عزيزاً أو مراراً رافضيّا

قلما يحلو .. لفمي عيشٌ .. و يهنيني

طالما يهوي .. سيفهم فوقي .. و يغذيني

بصوت يختلط بالغصة كان (هادي) يردد هذه المقاطع من لطمية "يا أبا الزهراء خذنا"، للرادود صالح الدرازي، وهو جالس قرب جسد صديق عمره "أبو صالح" الذي كان يلفظ انفاسه الأخيرة، بعد إصابته في إحدى معارك المقاومة. بصوته المخنوق أحب صديق العمر أن يُسمع الشهيد إحدى اللطميات المفضلة التي اعتاد على تردادها... قالها (هادي): يا أبا الزهراء خذنا.. لحظات ابتسم "أبو صالح" ولبّى نداء ربه ومضى!

هي الحقيقة.. لم تكن اللطميات البحرانية تصدح في البيوت والحسينيات وشوارع المقاومة فقط بل كانت ترافق المقاومين في جبهاتهم. يرددون عباراتها، يشحذون الهمم ويرمون عدوهم رمية الله.باختصار، كانت اللطمية البحرانية تفتح قلوبهم، وعلى إيقاعها يقتحمون المستحيل، مستحيل الموت والانتصار.

اليوم يتحدث "هادي" عن اللطميات التي نشأ عليها جيل المقاومة: "يا شعب حيدر"، "سامح الله الجدار"، "يا زهراء عن نهجك والله شبرًا لا نحيد"، "يا أبا الزهراء خذنا"، و"ليلة الوحشة" للدرازي، ولا يغفل عن ذكر لطمية الشيخ حسين الأكرف الشهيرة التي عشقها اللبنانيون "صلاة الليل" أو حتى "حراس العقيلة" التي حفظها حراس عقيلة بني هاشم من أبناء المقاومة، كان اللسان يردد والعين ترمق القبة الشريفة واليد على الزناد، فكانت هذه اللطميات تشارك المقاومين انتصاراتهم ودفاعهم عن المقدسات.

 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus