انتفاضة البحرين المسحوقة... كيف ولّدت الطّائفية في الشّرق الأوسط؟

جستن غينغلر - صحيفة الواشنطن بوست - 2016-02-22 - 7:36 م

ترجمة مرآة البحرين

الانتفاضة البحرينية في فبراير/شباط 2011، المنسية غالبًا، شكلت نقطة التّحول في ما دُعِي بالرّبيع العربي. وهذه هي الحقيقة، سواء من حيث التّظاهرات الحاشدة، التي قُمِعَت بنجاح من قبل حكومة محاصرة، وأيضًا لأن البحرين شهدت بداية، وأيضًا  وفرت، بعدة طرق، قوة الدّفع، للانزلاق القَدَري بعيدًا عن الحركات المعارضة الأساسية إلى الصّراعات الطّائفية وغيرها بين الفئات، التي تسرّبت من الخليج لتستهلك الجزء الأكبر من الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا. 

الاحتجاجات التي قادها الشّيعة والعلمانيون بدأت في البحرين في 14 فبراير/شباط 2011، والتّعبئة المضادة التي تبعتها من قبل أنصار الدولة، وأغلبيتهم من السّنة، تنبأت بالطّائفية التي قد تقضم جزءًا كبيرًا من المنطقة في السّنوات التّالية.

هذه الطّائفية دفعها التّنظيم السّياسي للانقسامات الاجتماعية الكامنة في الجماعات، والتّدخل العسكري الأجنبي، والتّشابك غير المقصود من قبل القوى المحلية في التّنافس الإقليمي، الأوسع نطاقًا، على النّفوذ بين السّعودية وإيران. ولذلك تُلحَظ البحرين كالثّورة الفاشلة الأولى بين الانتفاضات العربية، ومع ذلك، فالأمر الأكثر أهمية هو السّبب وراء الاحتجاجات، وأي دروس يمكن استخلاصها من التّجربة البحرينية.

السّياسات الدّائمة المثيرة للجدل في البحرين، وهي مملكة وجزيرة صغيرة في المياه الهادئة عمومًا للخليج، يتم تجاهل اختلافها غالبًا وبالتّالي لا تقدم إلا قليل من النّظرة الأوسع. على الرّغم من ذلك، لا يجب اعتبار إبعاد البحرين هذا عن الرّواية الأوسع للانتفاضات العربية على أنه قيمة ظاهرية. ولكن، وراء قلة أهمية الحالة الاستثنائية للبحرين، تكمن معركة خطابية ذات أهمية سياسية كبرى، بين أولئك الذين يرون في البحرين قضية مهمة لاحتجاج المواطنين في منطقة غير مشهورة بالمعارضة السّياسية، وأولئك الذين قد ينكرون الشّرعية والشّعبية الحقيقية لانتفاضة فبراير/شباط 2011 في البلاد.

هناك، بطبيعة الحال، جوانب مميزة في التّجربة البحرينية. بعيدًا عن سوريا، يقدم البلد الأقلية العرقية الحاكمة الوحيدة في وجه أغلبية مسلمة شيعية. البحرين هي مُصَدّر للنفط اسميًا، إذ نفد نفطها منذ زمن طويل. ونظامها هو أيضًا نتيجة لاحتلال قوة أجنبية -أسرة آل خليفة الحاكمة وحلفاؤها من القبائل السّنية- بدلًا من التّوحيد السّياسي الداخلي الذي يبرز في الدّول الخليجية الأخرى.

وبالتّالي، تقدم البحرين نموذج دولة ريعية مختلف عن الممالك الخليجية الأخرى. البحرين هي دولة رفاه تعتمد على النّفط، غير أنها لا تمتلك عائدات نفطية كافية لتأمين الرّفاه لكل مواطنيها، سنة وشيعة، وليس لديها مصلحة سياسية أو معيارية خاصة للقيام بذلك. وبدلًا من محاولة شراء دعم سياسي عالمي من خلال الرّعاية المالية، لجأت البحرين إلى استراتيجية حكم اقتصادية أكثر (وسياسية نفعية)، لتمديد حصص غير متناسبة من ثروة الدّولة إلى قاعدة الدّعم القبلية السّنية، التي يمتلك أعضاؤها حصة سياسية واقتصادية في الدّفاع ضد التّحديات التي تواجه النّظام.

في الفترتين السّابقة والتّالية للانتفاضة، كان البحرينيون الشّيعة أقل حظًا من السّنة في الحصول على وظائف في القطاع العام، كما أنّه تم استثناؤهم على نحو شبه كامل من الشّرطة والخدمة العسكرية. وعلاوة على ذلك، أولئك الشّيعة في الوظائف الحكومية يشغلون وظائف أقل مرتبة إلى نظرائهم على مستوى الكفاءة من السّنة. الخدمات العامة في الأحياء والقرى التي يُمَيّز بينها بشكل كبير حيث تعيش أغلبية من الشّيعة، تميل إلى أن تكون أقل مستوى من تلك في المناطق التي يُهَيمِن عليها السّنة. وأخيرًا، فإن المواطنين الشّيعة أقل تمثيلًا في مجلس النّواب المُنتَخَب بسبب  التّوزيع الملتوي للدّوائر الانتخابية. في الانتخابات الأخيرة التي شارك فيها الجميع في العام 2010 على سبيل المثال، بلغ معدل تمثيل الأغلبية الشّيعية حوالي  9500 ناخب، وبلغ معدل تمثيل السّنة حوالي 6000 ناخب.

ليس مفاجئًا أن هذا التّفاوت الصّارخ في توزيع الموارد الاقتصادية والسّياسية غذى استياء واسع النّطاق برز في التّمرد الصّريح بين مواطني  الدّرجة الثّانية هؤلاء الذين تُرِكوا خارج الصّفقة الضّمنية للحكم في البحرين. ويشمل هذا، على نحو هام، عددًا من السّنة غير القبليين، الذين يعانون من ذات المظالم المُعَبّر عنها من قبل التّيار الرّئيسي في المعارضة الشّيعية: نقص المساكن الشّعبية والأراضي ذات الأسعار المقبولة، واستشراء الفساد، والتّقليل من الهُوية والجنسية البحرينية من خلال برنامج طويل الأمد، مُتَبع من قبل الحكومة، لتجنيس الأجانب السّنة للخدمة في الشّرطة والجيش.

وبالتّالي، المهمة الحاسمة لحكام البحرين هي ضمان أن هاتين الدّائرتين -أي الشّيعة المهمشين وكذلك السّنة المظلومين مثلهم ولكن عادة غير سياسيين- لا تنضمان معًا في حركة شاملة اجتماعيًا للسّعي إلى إصلاح جوهري. ولحسن حظ آل خليفة ولكن للأسف الشّديد في المنطقة، اعتمدت البحرين من أجل تحقيق هذ الغاية على أداة فعالة: غرس الخوف وعدم الثّقة، وحتى الكراهية بين المجموعتين الطّائفيتين. وحتى قبل فبراير/شباط 2011، اعتُبِرت معارضة الحكومة مرادفة لمشروع مدعوم من إيران للسّيطرة على البلاد بطريقة مشابهة لما قبل العام 2003 في العراق. وخوفًا من أن يتم تحويلهم إلى بيادق في مؤامرة شيعية أكبر، كان السّنة العاديون كارهين لضم أصواتهم المعارضة، وأولئك الذين تجرأوا على فعل ذلك استهدفوا بانتقام خاص.

وراء التّراجع العام في النّسيج الاجتماعي في البحرين، كان لهذا المخطط الطّائفي ذات التّأثير الكارثي على تصدير الصّراع السّياسي الدّاخلي في البلاد إلى الخارج. الوسم السّريع لانتفاضة 14 فبراير/شباط بأنها محاولة انقلاب مدعومة من إيران، يتبعها تدخل عسكري حاسم من قبل السّعودية لإنهاء الاحتجاجات الجماهيرية، حولا الحدث المحلي إلى حرب إقليمية باردة جديدة. وبتحريض من قبل الحكومات للمشاركة في القتال ضد العدو الشّيعي، قبل عدد مامن السّنة الخليجيين في نهاية المطاف بالتّحدي في أماكن كسوريا والعراق ومؤخرًا اليمن، بمن في ذلك عدد من المواطنين البحرينيين الذين يتولون مناصب مهمة في جماعة الدّولة الإسلامية.

مع ذلك، بدلُا من إثارة الضّغوط من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا وحلفاء آخرين لديهم مصلحة في حل النزّاع الدّاخلي في البحرين، فإن نقل الصّراع إلى مستوى إقليمي أطلق يد البحرين، للمفارقة، بشكل أكثر حرية، للتّحرك داخليًا. حتى الوقت الحالي، احتاج الغرب إلى دعم الدّول الخليجية لمحاربة القوات الإرهابية جدًا التي كانت قد ساعدت على إنشائها، والثّمن هو، بالإضافة إلى المعدات العسكرية الجديدة المشتهاة، كان أيضًا عدم التّدخل في السّياسات المحلية. عندها، وبعد خمس سنوات على الانتفاضة، يقبع كل زعماء المعارضة البحرينية في السّجن، وما تزال الجمعيات المعارضة خارج البرلمان، وليس هناك من حوار سياسي -ناهيك عن إصلاح سياسي- يتم على الإطلاق.

مع ذلك، هناك إشارات على أن ضغطًا خارجيًا من نوع مختلف قد يتطلب قريبًا تسويات من قبل الحكام البحرينيين.

وحيث راوغ المجتمع الدّولي، فقد توصل سوق النّفط العالمي إلى الدّعوة من دون اكتراث إلى التّوافق السّياسي. وكونها عانت من عجز مالي كل عام منذ العام 2011 وتواجه نقصًا مُحتَمَلًا يبلغ أكثر من 13 مليار دولار -أي تقريبًا حوالي ثلث النّاتج المحلي الإجمالي- في العامين 2015 و2016 وحدهما، وقد حذت البحرين حذو الدّول الاخرى في مجلس التّعاون الخليجي في البدء بتضييق نطاق الإعانات الاقتصادية المُرهِقة التي يفيد منها المواطنون في مختلف المواد، من اللّحوم والأسماك إلى البنزين والكهرباء. في الوقت ذاته، أعلنت الحكومات في دول مجلس التّعاون الخليجي عن خطط لزيادة مصادر جديدة للموارد غير النّفطية من خلال زيادة الضّرائب التي لم يمكن تصورها سابقًا وضرائب القيمة المُضافة. وردة الفعل من قبل البرلمان "ذي المعارضة الأقل" في البحرين كانت أي شيء عدا ذلك.

في 11يناير/كانون الثّاني، أعلن مجلس الوزراء البحريني عن زيادة بين 40 إلى 60 بالمائة على أسعار البنزين سيتم تطبيقها في غضون ساعات. في الأيام التّالية، أثار المُشَرعون احتجاجًا في البرلمان، وقد هدد بعضهم بالاستقالة. تم عقد جلسة طارئة بعد أسبوع، وانتهت بفوضى مماثلة، مع رفض كتلة من النّواب عقد جلسات عادية قبل مثول وزراء الطّاقة والمالية أمام المجلس للاستجواب. ووفقًا لرئيس اللّجنة البرلمانية المُكَلفة بمساءلة الوزراء، فإن "النّواب يريدون أن تدرك الحكومة أنهم ليسوا دمى ويجب أن يكون لهم رأي في ما يجب فعله لمواجهة الأزمة المالية".

وبالتأكيد، فإنه إن كان هناك مشكلة في القدرة على تحفيز البحرينيين على الرّغم من الحواجز الطّائفية التي برزت على مدى السّنوات الخمس الماضية، فهي تكمن في الإدراج الدّوري للضّرائب من قبل الدّولة، والسّحب المتزامن لمنافع الدّولة التي اعتاد المواطنون توقعها والاعتماد عليها منذ بدء مرحلة النّفط، والتي يؤثر سحبها على الأفراد بغض النّظر عن الطّائفة أو القبيلة. في البحرين وأماكن أخرى، يبدو زعماء الخليج واثقين بأن إعادة النّظر هذه في العقد الاجتماعي الطّويل الأمد بين المواطنين والحكام يمكن تنفيذها من دون تغيير موازٍ في بنية السّلطة السّياسية. ويتساءل المرء عن مدى موافقة المواطنين العاديين على ذلك.

*جستن غينغلر هو مدير برنامج البحوث في معهد المسح الاقتصادي والاجتماعي في جامعة قطر، حيث يترأس وحدة المسح الاقتصادي والاجتماعي. آخر كُتُبه هو "صراع الجماعات والتّعبئة السّياسية في البحرين والخليج"، وقد صدر بالإنكليزية عن مطبوعات جامعة إنديانا، وبالعربية عن مركز أوال للتّوثيق والدّراسات.

التّاريخ: 13 فبراير/شباط 2016

النّص الأصلي


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus