جستين غينغلر : "الصحوة السنية" في المملكة

2012-02-21 - 12:32 م




جستين غينغلر*،  أبحاث الشرق الأوسط

ترجمة: مرآة البحرين


نوبة البحرين في الاضطراب السياسي تقترب من ذكراها السنوية الأولى. رغم أن هناك أطرافا متعددة لهذا الصراع الطويل الأمد، فإن المحللين مستمرون في التركيز بشكل حصري تقريبا على ثنائية واحدة وهي السنة مقابل الشيعة. بالنسبة للبعض فان التعبئة المستمرة  للبحرينيين الشيعة منذ 14 فبراير 2011 هو استمرار لعقود من الكفاح من أجل الإصلاحات الاجتماعية الأساسية. وبالنسبة للبعض الاخر، هي محاولة انتهازية للسيطرة بشكل كامل على البلد وهم مدعومون معنويا إن لم نقل فعليا من المتعاطفين الأجانب. على أي من هذه القراءات، فإن جوهر الموضوع هو الصراع القائم بين الحكومة السنية والمعارضة التي يقودها الشيعة. ولكن يرى كثيرون أن الثورة في هذه الجزيرة الصغيرة ما هي إلا صورة مصغرة للتنافس بين الملكيات العربية في الخليج وإيران وداعميهم من القوى العظمى للهيمنة الإقليمية.

 
اضغط للتكبير
بالتأكيد، كان ينبغي أن تكون انتفاضة 14 فبراير دعوة إلى دراسة موسعة لنضال الأغلبية الشيعية المحرومة من حقوقها ضد الدولة التي يسيطر عليها السنة. من أصل 21 سجينا سياسيا لارتباطهم بالتظاهرات الحاشدة في شباط/فبراير وآذار/مارس هناك سجين واحد سني المذهب. الوفاق، وهي أكبر الأحزاب وأكثرها تنظيما في البحرين، يقودها أمين عام معمم، وروحياً يقودها أبرز رجل دين على الجزيرة. الحركة الميدانية الشبابية، والتي تنأى بنفسها عن المعارضة الرسمية، والتي تفضل المعارك الليلية مع شرطة مكافحة الشغب، تتألف من سكان القرى الشيعية البعيدة عن العاصمة المنامة.

الدولة، من ناحية اخرى، تسيطر عليها قبيلة آل خليفة، وبنطاق أضيق بكثير، من قبل مجموعة من العائلات المتحالفة معها. معظم هؤلاء قاموا بمساعدة آل خليفة بالاستيلاء على البحرين عام 1783. و بالتالي النظام هو نظام قبلي، رغم أن معظم المنحدرين منه هم من السنة. فهم يبرزون بشكل خاص في كيانات الحكومة المسؤولة عن حماية الدولة ومنها الشرطة وقوات الأمن. في دراسة استقصائية قمت بإجرائها عام 2009، أظهرت أن ضمن 13% من الأسر السنية واحد على الأقل يعمل في الشرطة أو الجيش، مقابل صفر من الشباب الشيعة الذين قدموا بياناتهم المهنية – الاستطلاع شمل 127 شخصا.

إذن، رواية الثائر الشيعي مقابل الدولة السنية  ليست من دون فحوى.إلا أن استخدامها كإطار لتحليل السياسة البحرينية، بما في ذلك المأزق الحالي، يحجب العناصر الأخرى المهمة في القصة ويحجب شخصيات مهمة. فالقصة السائدة تخبرنا القليل، فمثلا السنة العاديون الذين يشكلون أكثر من ثلث عدد السكان هم أيضا بقدر ما منبوذون من الحكم مثل الشيعة. هؤلاء البحرينيون قد لا يقلون حسما عن الشيعة أو الدولة في تشكيل المسار السياسي للبلاد خلال العام الماضي. لقد لعب السنة الموالون اسميا للحكومة دوراً، ربما عن غير قصد وكأنهم قاعدة لملكية لآل خليفة، جمهور أسير الإثنية- الدينية بدل أن ينهض بأجندة سياسية مستقلة تم تطويعه لمكافحة المسيرة المتصورة للطموح الشيعي الجماعي.

الآن هناك مؤشرات على أن القوى الاجتماعية التي أطلقتها الانتفاضة، والصحوة العربية الواسعة، جعلت البحرينيين السنة أكثر إدراكا لمكانتهم الدائمة كثقل سياسي --- وأشد مقاومة لها. نفس الحركات الشعبية التي نهضت للدفاع عن النظام في شباط/فبراير وآذار/مارس لديها اليوم الجرأة في التعبير عن مطالبها الإصلاحية. وإن لم يكن  لديها حتى الآن هدف متماسك. منذ أيام الثورة الإيرانية التي هددت بإغراق الخليج العربي بالشعوبية الإسلامية، رفع حكام البحرين ذلك الشبح لكسب التأييد الانعكاسي للسنة العاديين، ولنزع فتيل ضغوط المواطن من اجل الانفتاح السياسي. ويا للسخرية، ربما يكون دماراً أثاره شيعة البحرين ليعجل من هذا الترتيب.

 أردودة الخليج السياسة

 
اضغط للتكبير
التفسير السائد للسياسة في منطقة الخليج العربي -ما يسمى نموذج الدولة الريعية - يذهب الى أن الانظمة تستطيع شراء الإذعان السياسي للمواطنين من خلال التوزيع الحكيم لعائدات النفط. والآن حكام البحرين عرفوا، ومثل زملائهم من الأسر المالكة، أن الكثير من الناس لا يتم إرضاؤهم بسهولة عن طريق وعود الثروة أو غيرها من المزايا. تعلموا كذلك  أنهم لا يملكون إسكات هؤلاء المواطنين، ما داموا يملكون الحد الأدنى من الأنصار. من منظور الحكومة البحرينية، من الأفضل أن تنفق الموارد المحدودة  في سبيل إرضاء جمهور الناخبين الأساسيين حيث إن ولاءهم المستمر يحافظ على بقاء الحكومة في السلطة. فالدولة تعتقد أن الكثير من الشيعة لن يكونوا راضين عن حكم آل خليفة، وسوف تذهب شكاواهم سدى طالما بقى معظم السنة موالين وخصوصاً ذوي الزي العسكري.

إن الأحداث الحرجة التي جرت في الشهرين الأولين من الانتفاضة يبدو أنها تحتمل تماما هذا المنطق. ولأن الاحتجاجات المتصاعدة على ما يبدو تشكل تهديدا وجوديا للوضع الراهن، نظم السنة تعبئة جماهرية معروفة باسم تجمع الوحدة الوطنية. وبما يتماشى مع الطبيعة الشعبية للجماعة، فان رجل دين أستاذاً جامعياً تحول إلى ناشط يقود هذا التنظيم وليس شخصية سياسية معترفاً بها قانونيا. مظاهرات كبيرة مؤيدة للحكومة إلى جانب حملات العنف المسلح ضد المتظاهرين الشيعة الرامية إلى إبطاء زخم الانتفاضة. وبحلول منتصف آذار/مارس، كان هناك ثورة مضادة مكتملة والتي كان يمكن أن تؤدي إلى فتح اشتباكات طائفية. رئيس الوزراء البحريني خليفة بن سلمان آل خليفة، في وقت لاحق كرم هؤلاء "المواطنين المخلصين" لـ"تعبئتهم الشريفة ضد المؤامرات الشريرة" و"لوقوفهم متحدين كالحصن للدفاع عن بلدهم ضد المؤامرات التخريبية".

 
 
 
اضغط للتكبير
حتى ما قبل الثورة البحرينية كان من الواضح أن سياسة الجزيرة لم تكن تعمل وفق الفرضيات الريعية القياسية. في أوائل عام 2009، أجريت مسحاً سياسياً شاملاً، الأول من نوعه، للمواطنين البحرينيين العاديين كجزء من الدراسة في الصراع الطائفي والتعبئة السياسية في منطقة الخليج العربي. وكانت عينة تمثيلية وطنية مؤلفة من 435 أسرة، تحديدا تهدف إلى تقييم الأهمية النسبية للرخاء والهوية المذهبية في تحديد التوجهات السياسية. أظهرت النتائج، في جملة أمور، أن الآراء السياسية وسلوكيات الشيعة البحرينيين  لم تتأثر تاثرا كبيرا  بمستوى رضاهم الاقتصادي، بعكس المواطنين السنة. التباين في تقديم الدعم لحكومة البحرين لدى المواطنين الشيعة ليس لها علاقة بالرفاه المادي، في حين أن الاعتبارات الاقتصادية لدى السنة  مهمة جدا في تشكيل مواقفهم السياسية.

انظر، على سبيل المثال، في مسألة المشاركة في المظاهرات السياسية. سئل المشاركون في الاستطلاع عما إذا شاركوا في مظاهرة في السنوات الثلاثة الماضية. وفقا لبيانات المسح، السنة الذين قالوا إن اقتصادهم الأسري "جيد جدا" فقط 7 في المئة منهم من المرجح أنها شاركت، كل شيء هنا يجري على قدم المساواة، في حين أن السنة الذين قالوا إن ظروفهم "جيدة"  16 في المئة  منهم على الأرجح، أما "الفقراء" 29 في المئة على الأرجح و الـ "سيئة جدا" 45 في المئة. في المقابل، أفراد العينة الشيعية، فعلى النقيض من ذلك. فإن الاحتمالات التقديرية للتظاهر ارتفعت من 48% للذين قالوا إن وضعهم الاقتصادي"جيدجدا" الى 51% للذين وضعهم "سيء جدا"، إحصائيا نسبة الارتفاع تنحدر نحو الصفر. فاعتبارا من مطلع عام 2009.  الشيعة الأكثر فقرا في البحرين ليسوا أكثر عرضة للاحتجاج من الشيعة الآخرين. ولكن السنة الأكثر فقرا ميالون لذلك أكثر.
في اثنين فقط من ستة نماذج إحصائية حققت في هذه الدراسة والتي أظهرت أن اقتصاد الأسرة مؤشر كبير في المشاركة السياسية المباشرة أو غير المباشرة – موجودة  فقط لدى السنة دون الشيعة.
احتجاج المواطنين الشيعة، وتوقيعهم للعرائض، وحضورهم التحقيقات العامة والتصويت في الانتخابات هي من حيث المبدأ لا لأنهم يسعون للتعويض عن المظالم الاقتصادية،.بل إن توجهاتهم السياسية تنبع من عدم الرضا عن النظام ككل، فالمكانة الاجتماعية الشيعية وإمكانية الوصول إلى السلطة السياسية محدودة على أساس الانتماء الطائفي. فقط في أوساط السنة يوجد دليل على أن نموذج الريعية يعمل، والتبعات الأخرى هي  أن حكام البحرين لا يحصلون على قبول من المواطنين السنة على حساب الطائفة فحسب. فالمواطنون العاديون من السنة على دعمهم اللامحدود تقريبا، ولما قدموه من مساعدة في حفظ الحكومة من أشد المنتقدين في الخليج، يتوقعون شيئا في المقابل.

ثورة بحرينية أخرى

لسوء حظ النظام، الاختبار الذي مر به البلد على مدى 11 شهرا، التي اتسعت فيها الاحتجاجات وحملة القمع الشاملة والجهود الصورية في تحقيق المصالحة والإصلاح، أدت الى تفاقم المشكلة الأساسية في ظل استراتيجية طائفية للحكم. المشكلة الأولى هي في الاستمرار بسرد الرواية الطائفية والتي تخبئ خلفها الإحجام العام لأهل الطائفة السنية فإما أن ينضموا لحركة الإصلاح القائمة في البحرين وإما أن يدفعوا ببرنامج خاص بهم. ولكن بعد تشويه الحكومة الناجح لصورة المعارضة قد لا تكون المشكلة ظاهرة اليوم. فمثلا، صحيفة الوطن المتشددة وصفت منظمة الوفاق الإسلامي الشيعي بأنه"حزب الله البحرين " المدعوم من إيران. مع أنه في الوضع الذي مر به البلاد في شهري شباط/فبراير وآذار/مارس  لم تكن هذه الأقوال ضرورية.

في ذروة المظاهرات، استضاف دوار اللؤلؤة عدداً من الشخصيات السنية التي ناشدت إخوانها في الدين للانضمام الى حركة الاحتجاج. فإصرار هؤلاء السنة على الاحتجاج يصب في مصلحة الجميع وليس فقط الشيعة. ارتدى المتظاهرون ملصقات وشارات تحمل شعار "لا سنية، لا شيعية، بحرينية بحرينية". على الرغم من هذه المحاولات الساعية لردم الانقسام الطائفي السياسي فإنها لم تكتسب قوة الجذب، كان من المرجح اقتناع بعض السنة على أي حال، حتى وإن كانت الفرص الخارجية للتنسيق عبر الطائفة كافية لإثارة مساعي الحكومة الغاضبة لوسم الانتفاضة بالمؤامرة الايرانية   -- و لعزل ومعاقبة أي سني يتجرأ على الانضمام إليها.

 
 
اضغط للتكبير
فالاشخاص الذين يرتدون أدوات مكتوب عليه "فقط بحريني" فإن نقاط التفتيش تختصهم بالمضايقة. فقد تم اعتقال الضابط السابق في الجيش والسلفي محمد البو فلاسة بعد ساعات من خطبة له ألقاها في دوار اللؤلؤ وبعد عدة أشهر ظهر على التلفزيون الحكومي وليصدر اعتذارا وتراجعا قسريين. والأقل حظا منه إبراهيم شريف، الأمين العام للجمعية العلمانية ذات التوجه الاشتراكي جمعية العمل الديمقراطي. استغل شريف، الذي انتقد الحكومة لفترات طويلة، فرصة الانتفاضة ليدعو السنة للخروج من صف النظام. حكمت عليه المحكمة العسكرية  بالسجن  خمس سنوات مع 20 آخرين كلهم من الشخصيات الشيعية البارزة المعارضة.

ثم إن الحكومة نجحت نجاحا كبيرا في تنفير السنة العاديين من حركة الإصلاح القائمة. وفي إطار الجهود المبذولة لمنع السنة من الانضمام  لحركة المعارضة  دأب حكام البحرين على بث جو من الخوف وحتى العداء الشخصي اتجاه الشيعة "الخونة" الذين أيقظوا شريحة واسعة من المجتمع السني من غفوتها السياسية.  فالناس الذين كانوا سابقا راضين بترك صنع القرار السياسي للنخبة الحاكمة أصبحوا اليوم ممانعين للإذعان الى حكمتهم.. بما في ذلك الملك حمد نفسه.

تحذيرهم باستمرار من الخطر الشيعي، جعل الكثير من أهل السنة يرون تناقضا بين إنذارات الخطر هذه وعدم رغبة الحكومة في وقت ذاته للقضاء على التهديد نهائيا. وكنتيجة فإن الشعبية المؤيدة للمحافظين داخل الأسرة الحاكمة زادت بشكل ملحوظ على حساب تلك التي ينظر إليها على أنها تصالحية أكثر من اللازم بما في ذلك الملك وابنه ولي العهد. وبالفعل عندما يردد الشيعة شعار الثورة العربية: "الشعب يريد إسقاط النظام" السنة في المقابل تردد :" الشعب يريد خليفة بن سلمان" وهذا يعني أن رئيس الوزراء المتشدد (41 سنة رئيسا للوزراء)  قد تعامل بشكل أفضل مع مثيري الشغب من الملك حمد غير الحاسم.

 
والثانية: المشكلة الأكثر تعقيدا في النشاط السياسي المتوازن تكمن تحديدا في أن كلما نجحت الحكومة أكثر في إقناع "مواطنيها الموالين" إلى حاجة البحرين للدفاع عن نفسها ضد  مخططات الشيعة والإيرانيين - فتحت أبواب التهم على نفسها  بأنها لا تعمل بالجزم الكافي. فكل عمل متصور من العفو وكل إشاعة عن مفاوضات سرية مع الوفاق يوفر مناسبة أخرى عن ردة فعل عنيفة من السنة. لنأخذ مثالا واحدا: في 9 كانون الثاني/يناير انحنت الدولة أمام خزي العالم وأبطلت عقوبة الإعدام على اثنين من المتظاهرين الذين أدينا في أيار/مايو بقتل ضابطين من الشرطة. بعد يومين ظهرت افتتاحية غاضبة لجريدة الوطن تحذر فيها:اذا كانت الدولة تريد أن تتراجع وأن تنخرط في صفقات مشبوهة وتسمح للخونة أن يقطعوا رقبتها أو حتى رأسها فهذا شأنها. ولكن نحن السنة نرفض ان نكون مجرد متفرجين متزلفين ودمى لا نتمسك بقناعاتنا ونغير مزاجنا وحلفاءنا ومواقفنا بسرعة.

 
 
اضغط للتكبير
الكثير من السنة يشعرون أن الحكومة لا يمكن أن تمضي في كلتا الطريقتين. فإذا كان التهديد الشيعي خطيراً بما فيه الكفاية وهو يحتاج إلى الدعم المتواصل للنظام فبالمقابل يجب أن يكون خطيرا بما فيه الكفاية ليحول دون إقامة تسويات مع المعارضة أو الرضوخ للضغوط الدولية  في المسائل المتعلقة بالامن القومي.

لقد وصل الإحباط إلى درجة أن المواطنين بدأوا يتصرفون من أنفسهم. في شهر ديسمبر تعرض موكب ديني شيعي إلى هجوم من قبل عناصر من "المجتمع العسكري" الذي تأسس حديثا على يد عادل فليفل ضابط المخابرات الاستقطابي السابق الذي فصل عن منصبه عام 2002 بعد تهم التعذيب التي وجهت اليه. المشاركون في الموكب، كما قال فليفل في لقاء وبخه خلاله  وزير الداخلية، رفضوا أن يغيروا طريقهم حول الأحياء السنية وكانوا يرددون شعارات مناهضة للحكومة. فتدخلت جماعته وبكل بساطة في المكان الذي فشلت الدولة بالتصرف فيه.

فبقدر ما هذه التطورات مقلقة لحكام البحرين يبقى الشؤم الأكبر  للنتيجة النهائية لاستياء السنة  وآثارها على الجدوى الاستراتيجية للنظام. مع حكومة تصب كل اهتماماتها على إدارة الاستياء الشيعي، فإن الانطباع المتزايد بين السنة العاديين سيكون أنهم لا يكافأون بما يتناسب مع ولائهم المستمر، الذي جعلهم يقبلون أي رعاية وموارد خلفتها التهدئة الدائمة للمتذمرين الشيعة.على الرغم من أنهم موالون على نحو غير متناسب للعائلة الحاكمة في البحرين، العديد من السنة يلاحظون، أنهم في الوقت نفسه يخسرون الجزء الاكبر من منافعها.

مثل تجمع الوحدة الوطنية، فالتعبئة لهذه المشاعر جعلتها تتجنب المساحات الوراثية التقليدية للسياسة السنية في البحرين بما في ذلك الجمعيتان السياسيتان الراسختان، واحدة سلفية والأخرى تابعة للأخوان المسلمين والممثلة بالبرلمان منذ إعادة تأسيسه عام 2002. في العقد المنصرم، أي من هذه جمعيات (الاحزاب محظورة في البحرين)  لم تفعل شيئاً سوي المصادقة على المبادرات الحكومية. ومنذ أن أنهت الوفاق مقاطعتها الانتخابية عام 2006، أعاقت عمل المعارضة. وبالفعل، إن بعض مقاييس التوجه التمثيلي السني الرسمي في البرلمان ربما مستقاة من حقيقة أن البحرين هي الدولة العربية الوحيدة حيث إن الإخوان المسلمين تاريخيا كانوا مؤيديين للحكومة.

وبالتالي، جيل جديد من النشطاء السنة الذين يطالبون بدور أكثر فعالية في صنع القرار السياسي والحصول على نصيب أكبر من الإعانات الحكومية. والأكثر صخبا من بين الائتلافات الناشئة فصيل من تجمع الوحدة الوطنية ويسمى اتحاد شباب الفاتح والتي تحوي مسيراتهم أيام الجمعة الآلاف من أنصار السنة. عمود في صحيفة الوطن يصف الجماعة بأنها " جمع من الشباب الذي لا يريد أن يرتبط بأي اتجاه سياسي موجود". وتستمر في القول..

لقد سئموا من حقيقة أن هؤلاء الذين دعموا دائما الكيان البحريني، والعروبة، والسيادة، والعائلة الحاكمة يتم خداعهم لأن ولاءهم أمر مسلم به. وبالتالي تتم معاملتهم كقسم احتياطي. هذه أخطاء فادحة ولا ندري ما الذي ستؤدي إليه.

 
 
اضغط للتكبير
التصور بأن الحكومة تحاول جاهدة الفوز على خصومها أكثر من التفكير في مكافأة مناصريها، تلعب على الهواجس السنية  عن طريق التضييع الواضح لموارد الدولة بما في ذلك الفساد والبرنامج البحريني الذي استمر عقداً من الزمن في تجنيس السنة الأجانب وتوظيفهم في الشرطة والخدمة العسكرية. وعلى الرغم من الاقتصاد الهش المتعثر وعائدات النفط بنسبة الفرد أقل بكثير من تلك التي في دول الخليج الأخرى. وأسعار العقارات التي لا تزال مرتفعة جدا، والمساكن الخاصة البعيدة عن متناول الكثيرين، والعائلة الحاكمة التي تمتلك حصة غير متناسبة من أراضي الجزيرة (التي  تبلغ مساحتها فقط مرتين ونصف مساحة العاصمة واشنطن) وتقديم الهدايا النفيسة لحلفائها الكبار. في نفس الوقت الذي لا تقدر فيه البحرين على  استيعاب مواطنيها الحاليين فإنها تقوم بتجنيد أناس جدد من الخارج، سنة من اليمن، وسوريا، وباكستان وغيرها،  للمساعدة على زيادة أعداد الجيش الذي يحتل المرتبة 11 في العالم في الإنفاق كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي.
 ولأن الشيعة هم الذين يقودون الاحتجاجات حول هذه القضايا فإن الانتقادات السنية سكتت بسبب الخوف من الارتباط مع المعارضة. الآن بشكل سري السنة لا يزالون مضطربين لا سيما من خلال ما يعتبرونه تمييعاً للهويه الوطنية البحرينية عن طريق التجنيس السياسي.

مستقبل الانصياع السني في البحرين

بالطبع، احتمالات تحول بالجملة في التوجه السياسي السني في البحرين يواجه حواجز وهي أن الدولة ستكون متلهفة على تحصينها. فالسؤال الاول هو ما إذا كان يمكن للمواطنين النظر فيما وراء تكتيكات التخويف لدى الحكومة بأن تصرح قائلة "أنتم معنا أو مع الملالي في إيران" هذه الجملة فعالة بشكل مضاعف لأنها تثبط عزيمة أي مشاركة سياسية في حين تحمس أولئك الذين يصرون على ممارسة أنشطة ضد المعارضة. وبنفس القدر صعوبة مسألة تحقيق التعاون بين الأطياف السنية المختلفة والمجزأة سياسيا. إنه من غير المحتمل أن تغير القبائل المنحازة تاريخيا لآل خليفة  من ولائها وسوف تكون راضية للبقاء سياسيا. في حين أظهرت التجربة أنه حتى السلفيين والإخوان المسلمين في البرلمان وجدوا  صعوبة في التنسيق السياسي والانتخابي. الحركات الجديدة مثل تجمع الوحدة الوطنية تواجه أصلا شكوكا في محاولة الدولة لاستقطابها، وتأجيج الفتن الداخلية ودفع الجماعات، مثل اتحاد شباب الفاتح للانشقاق. وعلى الرغم من عقود من التنظيم والمزيد من وحدة الهدف، لم تستطع المعارضة الشيعية في البحرين التغلب على نزعتها نحو الانقسام، فما يأمله السنة إذن؟

 
اضغط للتكبير
حتى الآن، وبغض النظر عن النتيجة النهائية للصحوة السياسية السنية في البحرين هناك أمر واضح: وهو في هز هذه الدائرة من سباتها كلما تقدمت الانتفاضة. حكام البحرين حصلوا على أكثر مما كانوا يتمنون. مع أنصار تكيفوا على الخوف وحتى على كراهية المعارضة، فأي تسوية يرغب آل خليفة في وضعها لوضع حد للإنتفاضة ستكون نوعيا  أصعب تحقيقا. المحافظون داخل الأسرة الحاكمة استفادوا أو بمعنى آخر زرعوا هذه العراقيل الشعبية. وسمحوا للمجتمع المدني بأن يساعدهم في خوض المعارك الشخصية بعد ما كانت تقتصر فقط على البلاط الملكي.  ونتيجة لذلك، ولي العهد، وبدرجة أقل الملك نفسه، سقطا ضحيتين لتهمة الإرضاء، والافتقار للعزيمة والعبودية  لمستشاري السياسة الغربية.  إذا كانت البحرين، كما هو محتمل، غير قادرة على إيجاد مخرج سريع لأزمتها. القضية ستكون مدينة كثيرا للتوقعات السياسية الحديثة العهد للسنة العاديين وانهيار نشاط التوازن الطائفي للنظام كما هو الحال في أي عداء قديم بين الشيعة بقيادة المعارضة والحكومة التي يقودها السنة.








* جوستين  كينكيلر يكتب في صحيفة  أبحاث الشرق الأوسط
19 كانون الثاني 2012



التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus