الرسالة الثالثة إلى عباس ورفاقه..

طابور طويل من المعزين بالشهداء الثلاثة في السنابس
طابور طويل من المعزين بالشهداء الثلاثة في السنابس

2017-01-19 - 5:43 ص

مرآة البحرين (خاص): ها نحن ياعبّاس في اليوم الأخير من مجلس العزاء (الأربعاء 18 يناير) في طقس (كسار الفاتحة) كما يسميه شعبك البحراني. المعزّون في حضور مهيب يليق بمكانتك ورفيقيك، طوابير على مدّ البصر إلى خارج المأتم، إلى الأحياء التي كنت تلعب فيها صغيراً، إلى الساحات التي كنت تحتجّ فيها كبيراً والمتشحة الآن بالشموع والسواد، إلى قريتك السنابس التي لم تهدأ منذ خمسينيات القرن الماضي، ورشةً تطالب بالإصلاح، وتدوّي دوماً بالاحتجاج، وتقدّم قرابين الشهداء. على هذه البقعة من الوطن ما يستحقّ الاحتفاء. هذه الحشود المعزّية، لم يُحضرها دمك ودم رفيقيك علي وسامي فقط، لقد أحضرتها الحكاية التي صنعتموها معاً. لكأن هذه الحشود تتوّجكم على رأس كل الشهداء الذين مضيتم على دربهم.

نحن يا عباس بين مأتم السنابس وحسينية الحاج أحمد بن خميس، لا شكّ أنك حين كنت طفلاً درست في أحدها وحضرت مجالِسها، وتشرّبت قصة كربلاء، لقد صرت يا عبّاس أنت ورفاقك فصلاً من فصول كربلاء. كان مجلس العزاء يضج ضجيجاً كلّما أيقظ (الملا) مشهداً من مشاهدها ورآكم فيه.

تليق بكم ذاكرة هذه الحسينية الوطنية، فمن هنا كان أول تجمع وطني عابر للطوائف تأسس تحت عنوان هيئة الاتحاد الوطني. تماهياً مع هذه الذاكرة وضعت صوركم في صدر الحسينية، وشعار فقدكم صار (إعدام وطن).

اطمئن يا عبّاس كان وراء هذه الحشود أيضاً قلوب، لم تستطع الوصول إلى مقر العزاء، تضجّ بالبكاء عليكم وعلى الوطن، إنها قلوب أبناء أولئك الوطنيين الذين اجتمعوا معاً في هذه الحسينية من مختلف تلاوين الوطن. بعضهم لم يتمكن من حضور العزاء لكنه يحملكم وروداً في قلبه. لن نكون مبالغين حين نخبرك أن فاجعة شهادتكم جمعت قلوب أبناء هذا الوطن سنّة وشيعة، لا أحدثك عن أولئك المشحونين بالكراهية والغطرسة والحقد، بل أحدثك عن الذين جبلوا على فطرة هذه الأرض النقية الحانية. لقد ألغى كثير منهم فعاليات خاصة بهم كان مخططاً لها أن تقام في هذه الأيام، احتراماً لفاجعة دمكم المظلوم وحزناً.

يا عبّاس، كانت فخورة أمّك بك، لا تلفظ اسمك إلا مسبوقاً بالأستاذ، صرت أستاذها الذي يمنحها الفخر والاطمئنان. أما أمّك يا علي، فقد كانت مزهوّة باسمك تتلو على الحاضرين قصتك مذ كنت صورة في قرآنها حتى صرت شهيداً في سيرتها، حقّقت لها حلماً كانت قد رأته، لقد طهّرت بشهادتك ألمها، وقلقها وخوفها عليك. أمّا أمّك يا سامي، فقد صارت المقولة الخالدة (ما رأيت إلا جميلا) مقالتها، رأت بشهادتك الجميل الذي انتظرته.

اطمئنوا جميعكم، لقد كسرنا اليوم فاتحة البكاء، وفتحنا سجل الخلود، موقعاً بختم كل أولئك الناس الذين حضروا ليصوّتوا لكم «تيجان وطن». لقد كسرنا اليوم إعلام الطاغية الذي أرادكم في سجل إرهابه، وأردناكم في سجل رحابنا الوطني المفتوح على الشهادة والنضال والحلم، في وطن للجميع.     

 

 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus