النصّ الكامل لمرافعة النيابة العامة المقدّمة ضد الشيخ عيسى قاسم
2017-03-09 - 4:54 م
مرآة البحرين (خاص): نضع بين أيديكم هنا المرافعة التي قدّمتها النيابة العامة في 27 فبراير 2017 ضد آية الله الشيخ عيسى قاسم المرجع الديني الشيعي الأبرز في البحرين، نضعها بكل بذاءتها وابتذالها، بكل سوقيتها وانحطاطها، نضعها للتاريخ الذي سيوثّق كل هذا العار القضائي، كل هذا الاستبداد والاستهداف، كل هذه الغطرسة والتجبّر، كل من أوغل في الحقد والكراهية والعداء، كل من غرق في القذارة حتى خطّمت رأسه وعقله وما تبقى من إنسانيته، وسوف لن يمحو التاريخ ولن يغفر.
لقراءة تعليق مرآة البحرين على هذه المرافعة (اضغط على الوصلة)
مرافعة النيابة
في الجناية رقم 6615 / 2016
المقدمة بتاريخ 27/02/2017
سيدي الرئيس
حضرات السادة القضاة
عزيز علينا أن ندفع إلى ساحتكم المقدسة رجلا بلغ من الكبر عتيا. ولكن الحق أعز علينا وعليكم من المتهم الذي لم يتعلم في عمره وجها للصواب، وجافاه الرشد في تصرفه وغاب وارتضى لنفسه أن يحتكم لشريعة الغاب. فمن ادعاء مهابة زائفة تضعه في صف الأولياء إلى سياسي دعواه تثير الرثاء. تزيا بزي الواعظين وانتشى به حفيا، ونادى في القوم ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا صراطا سويا، وكلمات معسولات تدغدغ مشاعر البسطاء حقيقة مذاقها سميا تحدثهم عن عسل ولبن ورغد في العيش إن بايعوه وليا، لم يسألوا أحقا ما يقول أم أنه محض دعيا، عقدت ألسنتهم فلم يسألوا، وسُكرت أبصارهم فلم يرو، وغابت الحكمة فلم يتدبروا، تأكد المتهم أن القوم أسلموا له القياد، ولن يلقى بعد اليوم مقاومة منهم أو عناد، أن بوسعه الآن أن يحتنك مالهم تاركا لهم القتاد. ونسي الدعي ما كان بالأمس يدعو إليه، وعظهم ولكنه نسي نفسه فأبى أن ينال حظه من عظاته. فسلموا له أموالهم ظنا منهم أنها في يد تقيا، أنه خير من يقدمها تقربا إلى رب البرية، داوموا على دفع الصدقات لمن لا يقنع أو تمتلئ بطنه فيشبع، بل ظلت تطلب المزيد، نسى الرجل ما قطعه على نفسه من عهد ولم ينجز لهم أي وعد، بل تركهم ليدفعوا وحدهم ثمن ما وجههم إليه ودلهم عليه، وجههم إلى خرق القانون ومقتضياته والخروج عن الوطن وحرق مقدراته، تاركا لنفسه الغنيمة من أموالهم، ينفقها كيف يشاء في دنيا أرادها وأصابها، وراح ينعم بمال تبرعوا به للفقراء، لم يرتدع بحكم القانون وعن غيه يرجع. بل ظل يجمع المال بالمخالفة للقانون، وينفقه حيث شاء له أن يكون، أما أصحاب المال الذين جمع المال باسمهم، فقد ضاع لديهم حظهم، ولأن هذا المال محرم وجمعه مجرم فقد أضفى على جمعه قدسية زائفة، واعداً من يغدق عليه منه جنه عاليه، وما أن توقع في يده الأموال حتى ينشب أظافره فيها فلا يعرف أحدا لها مال، فلا يثبتها في أوراق أو يظهرها كمصروفات، بل يخفيها ويغير من طبيعتها أو يجري عليها عمليات تغسلها فتجعلها تشبه الأموال النظيفة، رغم أن مصدرها حرام ومالها حرام وعنوانها الإجرام، ولأنه يستحيل أن ينجز هذا وحده فقد استعان بغيره فأتى بالمتهمين الثاني والثالث ليحملا عنه بعضا من الأوزار التي ناء بحملها فقسم بينهم الأدوار وحثهم على كتم الأسرار حتى يظل النبع يتدفق منه المال كالماء، وتبتعد عنه الأنواء وليس لديه مانع أن يهبهم أو يهب غيرهم لقيمات مما يجمع، فبعضا من التضحية لا يضر فظل المال يتدفق عليه كالنهر، فاشترى ببعضه دارا بعد دار، نعم اشتراها لنفسه وسجلها باسمه، وكأنها ضيعة أورثها له أبواه، فلما زاد بين يديه المال وتبدل الحال، فطغى وتكبّر وتاقت نفسه إلى تحصيل مال أكثر فأوقف الإيداع في الحسابات واستولى على كل ما جمع، وأغدق بعضا منها حتى يجمع الأنصار ليستعين بهم على تخريب الديار ولم يقف بالجرم عند هذا الحد بل توسع وامتد، فمد بصره إلى خارج البلاد يدفع إليهم بالعطايا عساه أن يحتاجهم يوما مطايا، ثم نظر فرأى إجرام فئة ضالة استباحت الوطن وأجرمت في حقه، فطالها القانون وأحكامه فكان مآلهم السجون أو الهروب من سلطات إنفاذ القانون، وتكفل بهؤلاء المارقين فأنفق عليهم بعضا من هذه الأموال حتى يظلوا على إجرامهم سائرون، غير مبالين ما دامت الأموال إلى ذويهم تصل، فلما زاد عدد هؤلاء ازداد المتهم طغيانا وتكبر وادعى أنه خط أحمر، وكنا نأمل أن يعتبر الوحدة الوطنية للشعب البحريني هي الخط الأحمر الذي يحرص عليه ويتبناه لا أن تكون قسمة هذا الشعب إلى فسطاسين هي قبلة دعوته وغاية ما يتمناه، ألم يطرق سمعه أن اعتصموا بحبل الله ولا تفرقوا أمرا من الله في القرآن حفظه وتلاه، أينعم الشعب بالأمن والأمان إن بثت فيه الفرقة وخاصمه الاتحاد وجافاه، أيجدي البحرين نفعا أن ينعت نفسه خطاً أحمر حتى ولو وافقناه ، أم أن ما يجديها حقا لحمة مزيج شعبها وتعايشه بسلم واتحاده أن حض عليه في دعواه ، ولكن خاب الأمل وضاع الرجاء، أنسى أن سيف القانون بتار، فلا يدع من يجرم ينجو بإجرامه ضعيفا كان أو جبار، فتواترت حول إجرامه المعلومات وأصبحت نصب أعين السلطات يجمعوها ويحصوها عليه، حتى إذا تكاملت التحريات ووصلت غايتها وأسفرت على أن المتهم أمعن في الإجرام فجمع ما استطاع من المال الحرام، دون الحصول على ترخيص بجمعها حتى لا تحاسبه عليها وتراقب تصرفه فيها وظن أن بوسعه أن يخفي مصدرها وأنها متحصلة من جريمة فظل يوارى هذا المصدر بإجراء العديد من عمليات السحب والإيداع في عدة حسابات واشترى ببعض منه عقارات باسمه ووزع بعضا منه على الفارين من وجه العدالة أو أسر المساجين المرتكبين لحوادث إرهابية. وتبين لحراس الوطن أن مصدر هذه الأموال ومنبعها هو جمع المال بدون ترخيص.
هكذا ظهرت حقيقة المتهمين أنهم مارقين، خرقوا القانون واستباحوه ولم يقيموا له وزنا، واستغلوا الأموال كما شاءوا حتى وصل الإجرام مداه فمولوا المارقين والخارجين على القانون بل مولوا الإرهابيين حتى يظلوا على خطوهم المشئوم سائرون يقتلوا ويحرقوا ويدمروا مقدرات الوطن دون وازع من دين أو خلق قويم، ولأن حراس الوطن الساهرة أقسمت ألا تغفل ولا تنام أن تكون عند ظن أبناء الوطن فيهم بعد أن أقسموا أن يحملوا الأمانة التي أبت أن تحملها الجبال فتقدموا إلى النيابة لطلب الأذن بتفتيش مكتب البيان الذي أسسه قطب الجريمة وساندها الأكبر المتباكي دائما على حقوق الإنسان، والذي لم نره يوما يحرص على الالتزام بما يدعوه إليه ويحض عليه، بل رأيناه عبس وبسر ثم أدبر واستكبر وتعالي على القوم وتجبر، وأدعى أنه ليس كباقي البشر ، فظل في غيه يردد أنه خط أحمر، وأن سيف القانون أضعف من أن يصل إليه أو يرفع عليه، ولكن سرعان ما اكتشف أنه أخطأ وعاب واحتكم إلى شريعة الغاب، وتأكد له أن للقانون فك وأنياب.
وسرعان ما أنفذت الشرطة القانون الذي ما فتئ يخرقه ففتشت مكتبه فعثرت على العديد من المستندات التي تثبت أنه جمع أموالا طائلة دون ترخيص جاوز ما أمكن حصره منها مبلغ 5.313.414 دينار بحريني استغل جزءا منه في شراء عقارين سجلهما بإسمه بلغ ثمنهما 1.282.000 دينار بحريني لإخفاء مصدر الأموال ولإضفاء المشروعية عليها. كما أثبتت هذه المستندات أوجه أخرى للتصرف فيها أثبتت بما لا يدع مجالا للشك أنها تستخدم لدعم أسر المارقين الخارجين على القانون حتى لا تتأثر أسرهم بما آل إليه إجرام ذويهم فيقوي شكوتهم ضد الدولة ويرتكب ممن تداعبهم أحلام الخروج عن القانون جرائمهم وهم في مأمن من العوز والحاجة، وهكذا استغل المتهمين مال الله في الخروج على أمر الله بطاعته ورسوله ثم اُولى الأمر فأدعى المتهم أنه هو ولي الأمر وتصرف على هذا الأساس.
لقد كان الأمل والرجاء أن يثوب إلى رشده ويعرف أنه يعيش في دولة استنت قانون يلتزم الكافة باتباعه، فيطيعه ولا يخرج عليه، ولكن أنّا لمن طغى وتكبر وأدعى أنه خط أحمر أن يحترم القانون وينصاع لأحكامه ويتعامل على أنه مثل باقي البشر، أنّا لمن أدعى أنه منتسب إلى الدعوة إلى الله أن يفهم حقيقة الاقتداء بصاحب الخلق العظيم فيطبق منهجه ويعلم أن طاعة أولى الأمر بإتباع ما يسن من قوانين هو جزءا من طاعة الله سبحانه، أنّا لصاحب الخط الأحمر أن يتواضع وينصاع إلى القانون الذي لا يعترف ولا يرضى إلا بالمتبعين لأحكامه. أما الخارجين عليها فسوف يطاردهم إلى أن يخضعهم لأحكامه ويقتص منهم وينزل بهم عقابه، هذه الحقيقة التي عاينها المتهمين الآن وأدركوا حقيقتها بعد فوات الأوان. فما أن تواترت المعلومات عن إجرام المتهم الأول وبدأت الشرطة في إجراء التحريات حتى تبين مدى فداحة إجرام المتهمين وخرقهم للقانون وعدم الانصياع لأحكامه.
ولسنا نطلق هذه الاتهامات رجما بالغيب أو دون أدلة وإنما استقيناها من جماع التحقيقات التي أجريناها في الدعوى الماثلة والتي قطعت في يقيننا بصحة ما نسبناه إلى المتهمين وجئنا اليوم نطرح بساحتكم المقدسة تلك الأدلة واثقين أن حكمكم العادل سيشفي صدور قوم مؤمنين ويدفع عنا غائله أناس تدثروا بثياب الدين وأشاعوا أنهم أعلام الهدى فإذا بالقلوب على البلاد قاسية، اتشحت بالسواد وأدمت الأكباد وأوغلت في الجريمة فلم يبقوا لصدق أقوالهم من باقية، نعم لقد غاصوا في وحل الجريمة حتى الثمالة فتعروا أمام المجتمع إلا من إجرامهم ولم يتركوا لأحد من شك في حقيقة أمرهم ومشروعهم. نعم لقد تحققت لدينا ذلك وأكثر الأمر الذي يجعل الحليم حيران ويقف من وقع المفاجأة مذهولا غير مصدق يحدث نفسه أحقا هذا ما كان بالأمس إماما يُقتدى، ألهذا الحد تتهرأ الضمائر فتصبح نسيا، وتنحني قامات الرجال حتى تصبح على الاستقامة عصية، إلى من نأمن أذن، وإلى من نسمع إذا، ومن نصدق يا ترى. وسط هذه المبكيات، هيأ اللّه للأمة رجال اتسعت حدقات أعينهم ليرو كل ما يدمي الأمة فتتقدم إليه لتبتره في مهده، فلا يتسع ضره.
فتقدم الشاهد الأول الملازم أول أحمد إبراهيم الهاشل الضابط بإدارة مكافحة الجرائم الاقتصادية ليروي فصول هذه المأساة السوداء فيقول أنه وردت إليه معلومات سرية تفيد قيام المتهم الأول بجمع أموال دون الحصول على ترخيص من الجهات المختصة وأجرى عليه عمليات إيداع بمبالغ تقل عن الحد الواجب الإفصاح عن مصدره وأوردت هذه المعلومات أن هذه المبالغ تحصل عليها المتهم من مصادر مشبوهة فقام بإجراء تحرياته عن حقيقة تلك المعلومات فتوصلت تحرياته إلى أن المتهم الأول من خلال مكتب قام بافتتاحه أسماه البيان بجمع أموال الخمس دون ترخيص مستعينا في ذلك بالمتهمين الثاني والثالث، كما تبين أنه قام بفتح أربعة حسابات مصرفية ببنك المستقبل في غضون سنة 2009 وقام بإيداع المبالغ التي يتم جمعها مجزئة تقل قيمة كل منه عن الحد الذي يوجب الإفصاح عن مصدر هذه الأموال ثم يسحب من هذه الأموال ليمنحها إلى عدة جمعيات ومراكز وأشخاص في صورة مساعدات كما يقوم بإرسال بعضا من هذه الأموال إلى الخارج بطرق مختلفة إلى جهات في إيران والعراق مناهضة لوطنه البحرين وكذلك ينفق منها على المحكوم عليهم في جرائم إرهابية ليعين أسرهم على العيش بعد أن فقدوا عائلهم الإرهابي بدخوله السجن. كما دلت التحريات على أنه يحتفظ بجزء من هذه الأموال لنفسه وأنه قد استعمل جزءا من هذه الأموال في شراء عقارين مكون كل منهما من ثلاث طوابق لحسابه وسجلها باسمه وقد اشترى الأول بمبلغ خمسمائة ألف دينار والثاني بخمسمائة وثمانون ألف دينار سدد جزءا من هذه الأموال بشيكات إدارية والجزء الباقي سدده نقدا، وقد استهدف من هذه العمليات إخفاء مصدر الأموال ومن ثم إضفاء المشروعية عليها، وقد تأيدت هذه الشهادة بما شهد به الملازم أول سلمان عيسى الجودر الضابط بوزارة الداخلية والذي شهد بأنه على أثر ورود معلومات من مصادر سرية تفيد أن المتهم الأول يقود بإيداعات بنكية في عدة حسابات مصدرها مشبوه وقد تشكل فريق بحث بالإدارة لإجراء التحريات اللازمة وأنه كان ضمن الفريق المذكور وأسفرت التحريات على أن المتهم المذكور يقوم بجمع أموال دون الحصول على ترخيص من الجهة المختصة وذلك عن طريق مكتب أسسه ويتولى رئاسته اسمه البيان ويساعده في إدارته المتهمان الثاني والثالث وأنه قام بعمليات إيداع وسحب في عدة حسابات بنكية تم فتحها لهذا الغرض وأن الأموال المجموعة كان يودعها بمبالغ أقل من الحد الذي يوجب الإفصاح عن مصدر هذه الأموال وذلك لإخفاء مصدرها الحقيقي، وأنه بعد أن أكدت التحريات صحة هذه المعلومات استصدر أمرا من النيابة بالكشف عن الحسابات البنكية الخاصة بالمتهمين جميعا وتبين له أن المتهم الأول له أربعة حسابات نشيطة ببنك المستقبل، خصص ثلاثة منها لجمع الأموال وقد بلغت المبالغ المتبقية بالحساب منها 3.367.301 دينار بحريني وأن المتهم يحتفظ بجزء كبير مما يتم جمعه دون إيداع وأنهم قاموا بالعديد من عمليات السحب والإيداع بهذه الحسابات خلال الفترة من سنة 2011 وحتى سنة 2013 وبعد هذا التاريخ لم يقوموا بإيداع أي مبالغ في هذه الحسابات واحتفظوا بما يتم جمعه دون إيداع والتصرف فيها بعيدا عن عمليات السحب والإيداع وأن ذلك الامتناع عن الإيداع ومن ثم السحب تم بعد صدور قانون جمع الأموال. كما تأيدت هذه الشهادة بما شهد به الملازم أول محمد سمير الوزان الضابط بوزارة الداخلية من أنه يعمل ضابط بإدارة التحريات المالية بالإدارة العامة لمكافحة الفساد والجرائم الاقتصادية وأنه وردت إليهم معلومات تفيد قيام المتهم الأول عيسى قاسم بجمع أموال بدون ترخيص من خلال مكتبه واسمه البيان وأنه تم تكليفه بتنفيذ أذن النيابة العامة الصادر بتفتيش مقر مكتب البيان الكائن بمنطقة كرانة لضبط ما به من منقولات تتعلق بالواقعة وأنه تنفيذا لهذا الأذن قام بتفتيش المكتب المذكور وعثر به على أجهزة خاصة بعد النقود ومجموعة من أرصدة مبالغ نقدية مستلمة وطلبات مساعدة من جمعيات وأفراد وأرصدة إيداع مبالغ في حسابات المتهم الأول لدى بنك المستقبل وهواتف نقالة وجهاز حاسب آلي ومستندات أخرى فقام بضبطها وحرر بها محضرا وعرضه على النيابة العامة وأن هذه المستندات تثبت عمليات جمع أموال بمبالغ كبيرة وأن الإيصالات تدل على إيداعات قديمة رغم أن عملية جمع الأموال ما زالت مستمرة حتى ساعة الضبط. وأنه لاحظ أنه توجد عملية دخول إلى المكتب ومحاولة تنظيفه وإخفاء مجموعة من المستندات التي تثبت الجمع أو غيرها من العمليات ونقل النقود من المكتب.
وشهد محمد طاهر محمد صالح القطان مدير إدارة الشئون الدينية بوزارة العدل أنه يدخل في اختصاصه الوظيفي رئاسة مكتب جمع المال بوزارة العدل، وأنه طبقا لقانون جمع المال أنشأ بوزارة العدل مكتب جمع المال ويختص بإصدار تراخيص جمع المال لغرض ديني وآخر مماثل له بوزارة التنمية الاجتماعية إذا كان جمع المال لغرض إجتماعي. وأنه ترد إلى المكتب الذي يرأسه طلبات جمع المال لغرض ديني وأنه بالفعل وردت إلى المكتب العديد من هذه الطلبات وقد وافقوا على بعضا منها ممن استوفى الشروط وقام بمتابعة عملية الجمع حسب الترخيص الصادر إذ أن الهدف هو ضبط عملية جمع المال وضمان صرفها في الغرض الذي جمعت من أجله وطبقا للترخيص الصادر بجمعها، وأضاف أن جمع أموال الخمس تخضع لمكتبه ولا يجوز إجراء أي عملية جمع إلا بعد الحصول على ترخيص بذلك من المكتب. وأنه بالنسبة لقيام المتهمين بجمع مال الخمس فإنه بالرجوع إلى سجلات وقاعدة البيانات تبين أن مكتب البيان والمتهم عيسى أحمد قاسم لا يملكان أي ترخيص يخولهم جمع الأموال ولم يتقدموا بطلب لاستخراج مثل هذا الترخيص.
وما يؤكد هذه الأدلة ويقطع بصحتها ما شهد به صاحبي العقارين الذين ابتاعها المتهم الأول منهما في منطقة كرانة والثاني وبمنطقة ابو صيبع وتم تسجيلهما باسمه ولحسابه الخاص، فقد شهد على جعفر عبد الله المحيشي بأنه في سنة 2010 ابتاع منه المتهم الأول عيسى أحمد قاسم عقار مملوك له بمنطقة كرانة عن طريق أحد الدلالين وتم الاتفاق على أن ثمنه خمسمائة ألف دينار وقد تسلّم المبلغ بشيكين الأول بثلاثمائة ألف دينار والثاني بمائتين ألف دينار وسلم وكالة ببيع العقار يجيز له البيع لنفسه كما يجيز له تسجيله.
وشهد سلمان علي إبراهيم الصايغ أنه في سنة 2011 كان يملك عقار تحت الإنشاء بمنطقة أبو صيبع وقد حضر له المتهم الثاني وأحد الدلالين وطلبا منه شراء العقار المذكور لحساب المتهم الأول عيسى أحمد قاسم واتفقا على أن ثمنه خمسمائة وثمانون ألف دينار سلموه منها مائتي ألف دينار نقدا بمجلس العقد وثلاثمائة ألف دينار بتحويل بنكي في حساب زوجته ثم سددا له المبلغ الباقي وقدره ثمانون ألف دينار على دفعات وقد أبلغه المتهم الثاني أن مصدر هذه الأموال هي أموال الخمس، وقد ثبت بعقدي البيع المسجلين رقمي 2010007007، 2011025817 قيام المتهم الاول عيسى أحمد قاسم بشراء العقارين بمنطقة كرانة وأبو صيبع الأول بخمسمائة ألف دينار والثاني بمبلغ خمسمائة وثمانون ألف دينار بحريني.
وما يؤكد على صدق تلك الأدلة ما أقر به المتهمان الثاني والثالث بتحقيقات النيابة العامة والتي أكدت مضمون هذه الأدلة ووافقتها بما يقطع بارتكاب المتهمين للجريمة فقد قرار المتهم الثاني حسين يوسف حسن القصاب أن المتهم الأول عيسى أحمد قاسم قد اشترى العقارين المبينين بالعقدين المسجلين سالفي الذكر من أموال الخمس وأنه دأب على استلام أموال الخمس نقدا من المتهم الأول وأنه أودعها في حسابات المتهم كما أنه كان يسحب من تلك الأموال لحساب المتهم المذكور.
كما قرر المتهم الثالث ميرزا عبدالله حسن الدرازي باستلام أموال الخمس من المكلفين بدفعها وأن قيمة ما كان يجمعه من هذه الأموال تراوح بين خمسمائة إلى ألف دينار يوميا وأنه كان يسلمها في نهاية اليوم للمتهم الأول بمنزله وأن استلام هذه الأموال مستمر حتى الآن.
وما يؤكد تلك الأدلة ويقطع بصحتها أيضا ما أسفر عنه تفتيش مكتب البيان الخاص بالمتهم الأول والذي يعمل به المتهمان الثاني والثالث حيث تم ضبط العديد من الأرصدة التي تثبت أنهم يتسلموا أموال الخمس وأن ذلك ظل مستمرا في الفترة من سنة 2009 وحتى تاريخ الضبط كما ثبت من تفريغ الأجهزة الالكترونية المضبوطة بالمكتب المذكور احتوائها على صور إيصالات مما سبق.
وثبت من التحقيقات أن أجمالي المبالغ النقدية التي جمعها المتهمون بغير ترخيص حوالي 5.313.414 دينار بحريني. تلك هي أدلتنا التي جمعناها من خلال تحقيقات القضية وجئنا اليوم لنقدمها لحضراتكم لندلل بها على مدى ولوغ المتهمين في المال الحرام، نعم لقد ولغوا في المال الحرام وظلوا على هذه الحال سنوات عديدة، وتصرفوا فيها لحساب المتهم الأول وكأنها ضيعه أورثها له أبواها، لم يهتز ضميره لحظة ويتذكر أن هذه الاموال تدفع لله ولحساب الفقراء وأن دافعوها استأمنوه عليها ليوصلها لهؤلاء الفقراء ولكنه لم يفعل بل أخذها لحسابه بدلا منهم. وكانت النية مبيتة لأخذها، لأنها لو كانت صادقة أن تجمع لحساب هؤلاء الفقراء وتأكد العزم لديه على ذلك لاستخراج ترخيص بجمعها من وزارة العدل ينظم عملية الجمع بإلزامه بإعداد دورة مستندية متكاملة تضمن حصر ما يتم جمعه حتى يتمكن للجهة المانحة للترخيص مراقبة العملية كما هو جار عليه العمل. لكن المتهمين لم يفعلوا ذلك بل ظلوا يجمعوا المال على طريقتهم الشيطانية فلا يعلم أحد لها قدرا فيغترفوا منها ما شاءوا لأنفسهم ثم يتصرفوا في جزء آخر بالإنفاق منه على المارقين الخارجين على القانون والفارين من وجه العدالة مرتكبي الجرائم الإرهابية وكأن المتهمين أقسموا أن يكون عملهم كله لحساب الشيطان سواء في جمع المال أو صرفه، نعم أقسموا أن يكلل عملهم بالخزي والعار، ولم يقف نشاطهم عند دعم إرهابي الداخل بل امتد إلى إرهابي الخارج فأغدقوا عليهم من هذه المال ما شاء أما الفقراء الذين جُمع المال باسمهم فلا نصيب لهم فيه إلا ما ندر وبقوا كالأيتام على موائد اللئام يندبوا حظهم لأنه في الأصل مالهم سعوا إليه فلم يحصلوا عليه ثم شاهدوا نهر الأموال يسعى إلى غيرهم. وظل الحال كذلك يتوسع في الغي يوما بعد يوم حتى إذا بلغ مداه فافتضح أمره فبدأت المعلومات تترا لتمسك بها إدارة الجرائم الاقتصادية وتبدأ في البحث والتحري لمعرفة الحقيقة فكانت الحقيقة كما ظهرات في الأوراق وأدلى بها من أجروا التحريات وقد صدقت هذه المعلومات بما تم ضبطه من مستندات قطعت بصحة ما أسندناه للمتهمين لتصبح هذه الأدلة قاطعة الدلالة في ارتكاب المتهمين لجريمتهم على النحو الذي طرحناه بساحتكم المقدسة والتي لا يداخلنا الشك في أنكم أحط بها أكثر منا حين طالعتم هذه الأوراق.
سيدي الرئيس
حضرات السادة القضاة
بعد أن فرغنا من طرح أدلة الدعوى في عرضنا للجانب الواقعي فقد آن الأوان لتناول الجانب القانوني فيها، وحين نتحدث في هذا الجانب فمهمتنا أسهل لأننا نتحدث في القانون لأهله وسدنته ولا شك أنكم أعلم به منا وما حديثنا فيه إلا أداءاً للأمانة التي قبلنا حملها حتى تطمئن قلوبنا إلى إننا قمنا بأدائها كما تعملناها في رحابكم.
فالواقعة على نحو ما طرحناها تشكل في صحيح القانون جناية غسل الأموال المؤثمة بالمواد 64 مكرر و111 من قانون العقوبات، وبالمواد 1 و2 فقرة (2-1/ن) وفقرة (2-2) بنود (أ، ب، ج) و 3 فقرة 3-2 بند (ج) و 3-3 من المرسوم بقانون 4 لسنة 2001 بشأن حظر ومكافحة غسل الأموال والمعدل بالقانونين رقمي 54 لسنة 2006 و25 لسنة 2013، وبالمواد 1 و2 و14/ 4,2 من المرسوم بقانون رقم 21 لسنة 2013 بشأن تنظيم جمع المال للأغراض العامة، وبالمادتين رقم 1/2 و 2/1 من قانون التبرعات الخيرية لسنة 1956.
ويتعين التنبيه أنه وطبقا لقانون غسل الأموال رقم 4 لسنة 2001 وتعديلاته بشأن حظر ومكافحة غسل الأموال فقد حددت مواده المقصود بعائد الجريمة في "الأموال المتحصلة بطريق مباشر أو غير مباشر، كليا أو جزئيا من أي جريمة من الجرائم المنصوص عليها بالقانون ذاته أو أي جريمة وارده في قانون آخر" ومن ثم فإن المشرع البحريني يكون قد أفصح بما لا يدع مجالا للشك أنه قد أخذ بالاتجاه غير المقيد لعائد الجريمة ولم يشترط عائد متحصل من جريمة معينة بل أطلقه ليصلح أي عائد متحصل من أي جريمة ومن ثم فإن العائد المتحصل من جريمة جمع المال بدون ترخيص آنفة البيان يصلح أن يكون محلا لجريمة غسل المال (الركن الأول) أو ما يطلق عليه الشرط المفترض في جريمة غسل المال.
كما يتعين الإشارة إلى أن المشرع البحريني قد أجاز أن يتحد شخص الجاني في الجريمة الأولية أي التي ثم تحصيل المال الذي اتخذ موضوعا لجريمة غسل الأموال بعد ذلك، والجاني في جريمة غسل الأموال فقد نصت المادة الثانية في بندها الرابع من القانون رقم 4 لسنة 2001 سالف الذكر على أنه "يعاقب بعقوبة مستقلة على كل من جريمة غسل الأموال والجريمة التي يشكلها الفعل الأصلي الذي تحصلت منه الأموال موضوع جريمة غسل الأموال".
ومن ناقلة القول أن نذكر أن تقرير عقوبة مستقلة على كل من جريمة غسل الأموال والجريمة الأولية التي تحصلت منها الأموال إنما ينصرف إلى حالة اتحاد الجاني في الجريمتين. ويعني ذلك أن المشرع البحريني يجيز اتحاد الجاني في الجريمتين مقررا عقاب هذا الشخص بعقوبة مستقلة عن كل جريمة منهما.
كما يتعين الإشارة أيضا إلى أن المشرع البحريني لم يشترط إدانة المتهم في الجريمة الأولية أو الأصلية فنص في المادة الثانية في البند الثالث من المرسوم بقانون رقم 4 لسنة 2001 بشأن حظر ومكافحة غسل الأموال على أنه " يعاقب بعقوبة جريمة غسل الأموال الواردة في هذا القانون حتى ولو لم تثبت الإدانة في الفعل الإجرامي الأصلي ويقصد بالفعل الإجرامي الأصلي في هذا الخصوص كل نشاط إجرامي تحصلت منه بطريق مباشر أو غير مباشر الأموال موضوع جريمة غسل الأموال" من هذا النص يتضح أنه ليس بلازم إذا ثبوت إدانة الجاني في الجريمة الأولية المتحصلة منها الأموال محل الغسل.
وأما الركن المادي للجريمة فيتمثل في أحد الأفعال التي نصت عليها المادة الثانية من قانون غسل الأموال رقم 4 لسنة 2001 وتعديلاته وهي:
أ - إجراء أية عملية تتعلق بعائد جريمة مع العلم أو الاعتقاد أو ما يحمل على الاعتقاد بأنه متحصل من جريمة من الجرائم المنصوص عليها في الفقرة (2-1) أو من أي فعل يعد اشتراكا فيه.
ب - إخفاء طبيعة عائد جريمة أو مصدره أو مكانة أو طريقة التصرف فيه أو حركته أو ملكيته أو أي حق يتعلق به مع العلم أو الاعتقاد أو ما يحمل على الاعتقاد متحصل من جريمة من الجرائم المنصوص عليها في الفقرة (2-1) أو من فعل يعد اشتراكا فيه.
ج- اكتساب أو تلقي أو نقل عائد جريمة مع العلم أو الاعتقاد أو ما يحمل على الاعتقاد بأنه متحصل من جريمة من الجرائم المنصوص عليها في الفقرة (2-1) أو من أي فعل يعد اشتراكا فيه.
د- الاحتفاظ بعائد جريمة أو حيازته مع العلم أو الاعتقاد أو ما يحمل على الاعتقاد بأنه متحصل من جريمة من الجرائم المنصوص عليها في الفقرة (2-1) أو من أي فعل يعد اشتراكا فيه.
وأما المقصد الجنائي في الجريمة فإنه يتضح جليا أن المشرع البحريني اعتبر جريمة غسل الأموال من الجرائم العمدية ، بأن تطلب في جميع صور السلوك أو النشاط الإجرامي في غسل الأموال أن يقع الفعل مع العلم أو الاعتقاد أو ما يحمل على الاعتقاد بأن المال متحصل من نشاط إجرامي أو من أي فعل يعد اشتراكا فيه. ويقصد بالعلم في هذا الصدد هو الذي ينصرف إلى الجريمة الأصلية أو الأولية. وإذا كان العلم هو الاعتقاد الجازم المطابق للحقيقة فإن المشرع البحريني لم يشترط العلم بهذا المفهوم بل أنه لم يفرق بين العلم أو إمكانية العلم متى قامت أسباب قوية تدعو إلى أن المتهم كان يعلم أو كان يعتقد أو كان هناك ما يحمل على اعتقاده بوقوع الجريمة الأصلة أو الأولية تلك الجريمة التي تمثل الشرط المفترض لجريمة غسل الأموال والتي محلها أو موضوعها وجود فائدة أو منفعة أثمرتها الجريمة الأصلية وتحصل عليها مرتكب الجريمة (غسل الأموال).
تلك هي القواعد القانونية التي تحكم الجريمة التي نطالب عدالة المحكمة بإدانة المتهمين بها وإنزال العقاب المنصوص عليها في مواد التجريم إذ أنها ثابته يقينا في حق المتهمين بما لا يدع مجالا للشك في ذلك فبالنسبة للجريمة الأولية أو الأصلية التي تحصل منها المتهمين على المال محل جريمة غسل الأموال فقد ارتكبها المتهم عالما بأنها كانت محرمة منذ البداية في ظل قانون جمع التبرعات الخيرية في ظل المواد 1 و2 و14 /4,2 من المرسوم بقانون رقم 21 لسنة 2013 وقد قدمنا الدليل على أن المتهم ظل يجمع الأموال حتى تاريخ الضبط ومن ثم فإن جمع أموال الخمس دون الحصول على تصريح من الجهة المختصة يجعل الشرط المفترض في الجريمة أو ما يسمى بالجريمة الأصلية ثابتة يقينا. ومن نافلة القول أن نُذكر أن هذا العلم مفترض إذ أنه وقد تم تجريم هذا الجمع دون ترخيص بمقتضى المرسوم بقانون رقم 21 لسنة 2013 فلا يجوز الدفع بالعذر بالجهل بالقانون ومن ثم فإن علمه بالجريمة مفترض قانونا ولما كان المتهم وعلى ما سلف عالما بأن الأموال التي يتم جمعها مجرمة قانونا ومع ذلك فقد أجرى العديد من العمليات عليها بأن اشترى بجزء منها عقارين باسمه الشخصي وسجلهما باسمه، كما أنه عمد إلى توزيع جزء من هذه الأموال على أسر الإرهابيين المسجونين أو مرتكبي الجرائم الإرهابية الفارين من وجه العدالة وإرسال بعضها إلى الخارج إلى العراق وإيران وغيرها قاصدا من ذلك إخفاء مصدرها عالما بأن هذا المال متحصلا من جريمة وبأنه يجري على هذه الأموال عمليات رغم علمه بمصدرها وقد اتجهت إرادته إلى ارتكاب الفعل ونتيجة الأمر الذي يجعل الجريمة بأركانها متوافرة في الأوراق يقينا.
سيدي الرئيس
حضرات السادة القضاة
هذا ما كان من أمر المتهمين فصلنا القول فيهم وقدمنا الأدلة على ارتكابهم للجريمتين التي نطالب بإدانتهم بهما. وتأكد لحضراتكم أننا ما جاوزنا الحق والعدل فيما اتهمنا به بل وزنا عليهم أعمالهم بالقسطاس المستقيم وتبين الحكم مدى استباحتهم للقانون وضرب عرض الحائط بأحكامه بل وتحدوا بلدهم بتمويل الإرهابيين الذين ارتكبوا جرائم إرهابية وحكم بإدانتهم أو فروا من وجه العدالة بأن وفر لهم من هذه الأموال الدعم المالي لإعالة أسرهم حتى يستمروا في مشروعهم التخريبي، وجئنا اليوم نطلب قصاصا عادلا يتناسب مع ما ارتكبوه من جرم. وما حملوه من أوزار بإنفاق مال الله على من خربوا البلاد وأدموا العباد وإنفاق جزء آخر خارج البلاد على من يتبنوا مشاريع تناهض بلدهم وتعرقل مسيرتها المباركة، ومن ثم فقد حق للنيابة العامة أن تنزل بالمتهمين أشد عقوبة مقررة طبقا لأمر الإحالة.
لذلك
تطلب النيابة توقيع أقصى عقوبة مقررة بمواد الاتهام.
وفقكم الله ورعاكم وسدد على طريق الحق والعدل خطاكم
وكيل النائب العام