النيابة العامة في مرافعتها ضد الشيخ عيسى قاسم.. أنا داعش وأنت عدوّي الأكبر

2017-03-09 - 4:56 م

مرآة البحرين (خاص): أهي حقّاً مرافعة قانونية من نيابة عامة، أم خطبة رطناء يسوقها تكفيري على منبر كراهية؟

"عزيز علينا أن ندفع إلى ساحتكم المقدسة رجلا بلغ من الكبر عتيا. ولكن الحق أعز علينا وعليكم من المتهم الذي لم يتعلم في عمره وجها للصواب، وجافاه الرشد في تصرفه وغاب وارتضى لنفسه أن يحتكم لشريعة الغاب، فمن ادعاء مهابة زائفة تضعه في صف الأولياء إلى سياسي دعواه تثير الرثاء، تزيا بزي الواعظين وانتشى به حفيا، ونادى في القوم ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا صراطا، وكلمات معسولات تدغدغ مشاعر البسطاء حقيقة مذاقها سميا تحدثهم عن عسل ولبن ورغد في العيش إن بايعوه وليا، لم يسألوا أحقا ما يقول أم أنه محض دعياً" لقراءة المرافعة كاملة (اضغط على الوصلة).

إنها رطانة إنشائية تنضح كراهية، اعتاد البحرينيون سماع ما يشبهها من أئمة المنابر التكفيريين الذين تعينهم وزارة العدل على منابر الجمعة في البحرين، وتبسط لهم المكان والمكانة، ليسترسلوا في ضخ الكراهية ضد الطائفة الشيعية والنيل من رموزها الدينيين، نعم اعتاد البحرينيون ذلك، لكن أن تصاغ (مرافعة قانونية) يقدّمها جهاز قانوني رسمي بهذه بمثل هذه اللغة، فتلك فضيحة.

يبدو أن (كراهية) النيابة العامة قد غلبت (قانونيتها) حتى في صياغة مرافعتها، ونسيت أنه ينبغي عليها هنا أن تمثل دور الخصم القانوني، ولو شكلياً، لا أن تكشف وجه العدو العقائدي الذي طالما عملت على أن تخفيه. لكن يبدو أن الأمر اختلط عليها، أو أنه لم يعد يفرق لديها بأي وجه تظهر، طالما أن الدولة قد عرّت وجهها كاملاً أمام العالم، وضربت دونه كل الاعتبارات الحقوقية والإنسانية والأخلاقية.

لنقرأ سجع الكراهية في خطبتها:

"أكد المتهم أن القوم أسلموا له القياد، ولن يلقى بعد اليوم مقاومة منهم أو عناد"

"أنسى أن سيف القانون بتار، فلا يدع من يجرم ينجو بإجرامه ضعيفا كان أو جبار"

"وأغدق بعضا منها حتى يجمع الأنصار ليستعين بهم على تخريب الديار"

" يدفع إليهم بالعطايا عساه أن يحتاجهم يوما مطايا"

"بل رأيناه عبس وبسر ثم أدبر واستكبر وتعالي على القوم وتجبر، وأدعى أنه ليس كباقي البشر"

"ولكن سرعان ما اكتشف أنه أخطأ وعاب واحتكم إلى شريعة الغاب، وتأكد له أن للقانون فك وأنياب"

"لم يسألوا أحقا ما يقول أم أنه محض دعيا، عقدت ألسنتهم فلن يسألوا، وسُكرت أبصارهم فلم يرو، وغابت الحكمة فلم يتدبروا.."

السجع الذي هو أحد فنون الكتابة الأدبية في العصر القديم، وأحد علامات ما عُرف لاحقاً بعصور الانحطاط انقرض مع الكتابة الحديثة بشكل عام، إلا أنه ما يزال الصياغة الأثيرة لدى الكتابات السلفية والخطابات الداعشية وفي إصداراتها، وإن أتى سطحياً لا يفسح مجالاً لبلاغة رمز أو تأويل، في حين تكاد تخلو منها كل الخطابات الأخرى، حتى الدينية  والراديكالية منها.

لقد غصّت مرافعة النيابة العامة بالسجع، حتى لتجد نفسك أمام إنشاء محض. لكنه سجع لا جمال فيه ولا بلاغة، ولا خيال ولا ابتكار، سجع جلّه كراهية ونبذ. إنها صياغة تشي بخلفية كاتبها، وتوحي بتوجهه العقائدي الذي يحكم عقله ولغته وتفكيره وتصوره للآخر، إنه كاتب سلفي داعشي ينضح كراهية لفئة تنبذها عقيدته الدينية.

لقد استبدلت المرافعة الدلائل القانونية بالتركيبات اللفظية، تم تجييرها عاطفيا وشحنها ضد شأن عقائدي خاص. تدخّلت النيابة في شأن ديني خاص بطائفة، لم يشتك أي من أفرادها: لا دافع أموال فريضة الخمس (الناس)، ولا جامع الأموال والمتصرّف فيها (الوكيل الشرعي). إنه شأن داخلي بحت يخصّ بيت الطائفة الديني الذي هي خارجه. لا شأن لها به طالما أنه من الناس وإلى الناس وبرضا الناس. لكن السلطة تدخّلت وعينها على مصادرة هذه الأموال والاستيلاء عليها. الهدف هو المزيد من محاصرة الطائفة الشيعية والتضييق عليها مادياً ووجودياً. هذا كل ما في الأمر.

النيابة العامة في محاولة تجييرها لغرائز الحقد والكراهية، وقعت في تناقضات محرجة. ففي معرض تأليب الناس ضد الشيخ الذي ائتمنته على أخماسها، راحت تصفه بأنه:

"تاركاً لنفسه الغنيمة من أموالهم"

"داوموا على دفع الصدقات لمن لا يقنع أو تمتلئ بطنه فيشبع، بل ظلت تطلب المزيد"

"ما أن توقع في يده الأموال حتى ينشب أظافره فيها فلا يعرف أحدا لها مال"

"اشترى ببعضه دارا بعد دار، نعم اشتراها لنفسه وسجلها باسمه، وكأنها ضيعة أورثها له أبواه"

ثم في معرض ما أرادت أن تلفّق له من جنايات وجرائم راحت تقول:

"وأغدق بعضا منها حتى يجمع الأنصار ليستعين بهم على تخريب الديار ولم يقف بالجرم عند هذا الحد بل توسع وامتد"

"فمد بصره إلى خارج البلاد يدفع إليهم بالعطايا عساه أن يحتاجهم يوما مطايا"

"ثم نظر فرأى إجرام فئة ضالة استباحت الوطن وأجرمت في حقه، فطالها القانون وأحكامه فكان مآلهم السجون أو الهروب من سلطات إنفاذ القانون، وتكفل بهؤلاء المارقين فأنفق عليهم بعضا من هذه الأموال حتى يظلوا على إجرامهم سائرون"

"أثبتت هذه المستندات أوجه أخرى للتصرف فيها أثبتت بما لا يدع مجالا للشك أنها تستخدم لدعم أسر المارقين الخارجين على القانون حتى لا تتأثر أسرهم"

لم نعد نعرف، هل أنه يجمع الأموال لنفسه ولبطنه التي لا تمتلئ وفق ما زعم سجع النيابة العامة ابتداءً، أم أنه يجمعها لبعثرتها في عطايا الداخل والخارج، وإغداقها على أسر المحكومين وعوائلهم (وفق ما أثبتته مستندات النيابة) ؟ أي تناقض هذا؟!  

كما أننا لم نفهم، أي قانون يجرّم مساعدة الأسر التي حوكم عائلها، وصارت تحت وطأة الحاجة المادية، وكيف تصير مساعدتها المادية دعماً للإرهاب؟! وكأن النيابة العامة تقول إنه يجب معاقبة كامل العائلة بمحرّد أن يحاكم أحد أفرادها أو يُجرَّم، وأنه ينبغي على هذه الأسر أن تعيش الفقر والعوز المادي عقاباً على ما لم يقترفوه!

بقى أن نقول، إنه عندما يسقط كل اعتبار تأدبي في الحديث عن مرجع ديني في العقد السابع من عمره، معروف بتورّعه الشديد ورمزيته العالية لدى الطائفة الشيعية داخل البحرين وخارجها، وتستخدم للنيل منه عبارات ناقصة ومعيبة مثل (بلغ من الكبر عتياً)، (لم يتعلّم في عمره وجهاً للصواب)، (أنه محض دعيّاً)، (ونسي الدّعي)، (كأنها ضيعة أورثها لها أبوه)، (جمع ما استطاع من المال الحرام)، و(لا يقنع أو تمتلئ بطنه فيشبع) وغيرها، فإن ذلك يكشف مستوى الفجور في الخصومة، والانحدار الأخلاقي المشين الذي وصلت إليه الجهة التي تمثلها هذه المرافعة.

إنها بطاقة تعريف بالجهة التي تحاكم اليوم الشيخ والطائفة الشيعية في البحرين، هي ذاتها الوحش الذي سرق وجه البحرين السمح، وسَلَّط عليه أقبح مسوخات الشيطان.

 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus