"على حدود مملكة ظلمستان" - بقلم عبدالهادي الخواجة

2012-04-06 - 5:45 م



النص الانجليزي

مرآة البحرين (خاص):
في العام 1994 توفي جد داعية حقوق الإنسان البحريني عبد الهادي الخواجة بينما كان هو يقيم في منفاه بالدنمارك. قرر الخواجة بشكل مفاجئ أن يغادر بمفرده للبحرين ليحضر مراسم التشييع ومجلس العزاء، ووصل مطار البحرين فعلا.

منذ اليوم الأول، قررت السلطات ترحيل الخواجة إلى الجهة التي قدم منها، ودون أية مبررات قانونية! رفض الخواجة القرار، وحين جاءت الشرطة لحمله قسرا ووضعه في الطيارة رغما عنه، قبض بيديه على كراسي الانتظار متشبثا بها، بينما كانت الشرطة تحاول سحبه. عمت فوضى كبيرة في صالة المطار ما اضطر السلطات لتركه.

11 يوما بقي الخواجة في قاعة الترانزيت بمطار البحرين، رافضا المغادرة، كان يغسل ثيابه في الحمام ويعيد لبسها ثم يواصل اعتصامه على كراسي الانتظار.

أرسل للخواجة للتحقيق داخل المطار، كان ينتظره هناك المعذب المشهور عادل فليفل. وتحت وقع الشتائم والتهديد بالتعذيب، حاول فليفل أن يتحصّل على معلومات من الخواجة عن ناشطين آخرين، كان رد الخواجة واحدا "هيا عذبوا، لن أعطيكم أي معلومات عن أحد، أنا قادم للمشاركة في التشييع فقط". انتهى التحقيق بسحب جواز الخواجة، وتسليمه جوازا مؤقتا لينقل قسرا في طيارة إلى لبنان.

حين رجع الخواجة إلى الدنمارك كانت معنوياته عالية جدا، كان يحس بأنه عاش تجربة مقاومة فريدة، كما تصف زوجته السيدة خديجة الموسوي، لم يرجع يائسا أبدا،  بل كان متيقنا من أن التغيير قادم لا محالة، قال لزوجته "أعدك بأننا سنرجع في يوم من الأيام".

من وحي هذه الحادثة بكل تفاصيلها، كتب عبد الهادي الخواجة عام 1997 قصة قصيرة قدمها كمشروع تخرج من دورة تدريبية في الصحافة بإحدى جامعات بنلسفانيا بالولايات المتحدة الأمريكية، ليحصل منها على تقدير عال وإشادة كبيرة.

في هذه القصة بدا الخواجة كمن يتنبأ بقيام ثورة اللؤلؤة، كتب يصف أجداده البحارنة بأنهم كانوا "بأمسّ الحاجة لأن يبحثوا عن لآلئ أحلامهم". أدب الخواجة الرفيع عكس كيف كان يتطلع ويحلم بأن تتحول بلاده من دولة الظلم إلى دولة العدل، وكيف كان يترقب ذلك بألم وشوق.

سنرى في هذه القصة، كيف أن تاريخ الظلم والاستبداد لهذا النظام يعيد نفسه بذات البشاعة والمكر والخداع، وكيف كان الخواجة يحدوه الأمل بأن أيام التعذيب والانتهاكات ستولي دون رجعة. سنرى كذلك كيف يتحول اليأس والعذاب إلى رغبة في الانتقام، ثم كيف يدرك الإنسان المسالم بأن لا سعادة في الانتقام، ولا خير فيه، ليرجع إنسانا كما كان ومهما كانت الظروف.

من أهم أجزاء القصة، المشهد الذي عكس حادثة حقيقة شهدها الخواجة في المطار وظلت راسخة في ذاكرته وشعوره ليظل يهجس بها كثيرا أمام زوجته، لقد علق في آلام الخواجة وحسه الإنساني المرهف مشهد الخادمات المستوردات من الخارج وكيف كن مكدسات على بعضهن البعض في صالة الترانزيت بالمطار دون أدنى احترام لآدميتهم.



تنشر هذه القصة حصريا على مرآة البحرين

على حدود مملكة ظلمستان



بقلم عبدالهادي الخواجة

ترجمة: مرآة البحرين


لدى نزوله المطار كان حسن متشوقا لرؤية التغييرات التي حدثت في وطنه. بعد سبع عشرة سنة في منفاه في بلد في أقصى شمال الأرض. لم يكن حسن يظن يوماً أنه سوف يعود إلى ظلمستان لو لم يكن سمع عن تلك التغيرات.
 
قرأ حسن "أهلا بكم في مطار العدلية" كانت مكتوبة على لوحة معلقة على البناية الضخة ذات المنظر الحسن. لم تكن العدلية اسماً جديداً للجزيرة فحسب، وإنما إعلان عن أن البلاد قد دخلت طورا جديداً. إنها العدل والمساواة على العكس تماماً من اسمها القديم. عندما غادر حسن الطائرة كان يسمع دقات قلبه وكان بطنه يعتصر ألماً.

وصل إلى مبنى المطار، دون أن يحظى بأن تخط قدماه الأرض التي حملت آثار أقدامه طفلأ وشابا مندفعاً. الخرطوم الموصل للطائرة بالمبنى كان مصمما جيداً بحيث إنه لم يستطع أن يشعر بدفء شمس غسق ذلك اليوم من يناير، ولم يستطع أن يتنفس رطوبة الجو المنعشة والتي كان يظن أنها لا زالت تحمل تلك الرائحة المميزة لبيوت الطين قرب البحر، وروائح النخلات الممزوجة بأزهار البر الشتوية.

إنه الآن في مبنى المطار، مستهديا باللوحات الإرشادية، كان يمشى بانسياب وسط المسافرين، لقد كان مطمئناً. لقد تغير مزاجه بعد رؤية التصميم الحديث جداً، وألوان الديكور الزاهية، وهواء التكييف، والتي كانت كلها متناغمة مع الموسيقى الغربية الكلاسيكية الهادئة. لقد كان فخوراً بأن يرى مطار بلده يماثل مطارات أكثر المدن حداثة في العالم.

في المطار، لن تخطئه عين بأنه أحد سكان هذه الجزيرة. لقد ورث عن أسلافه البشرة السمراء الخفيفة، والشعر الأسود، والقوام النحيل، والعيون الواسعة إلى حد ما، ولمسة الحزن الخفيفة على وجهه ذي العظام البارزة. كان أجداده يبحرون أربعة أشهر كل سنة، بأجساد غير مغطاة تحت أشعة الشمس اللاهبة، كانوا يصطادون اللؤلؤ النادر الثمين. كانوا بأمس الحاجة لأن يبحثوا عن لآلئ أحلامهم، والتي كانت تحرسها أسماك القرش القاتلة في قاع البحر، بينما كان ينتظرهم على ظهر السفينة ربانها الجشع. باقي أيام السنة، كان الأجداد يكدحون حفاة الأقدام لزراعة تلك التربة القاحلة المالحة، خوفاً من المجاعة وتوفيراً لضربية العنق التى فرضها الغزاة الذين كانت بيدهم السلطة، والتي سلمها الآباء لأبنائهم لتصل إلى الحكام الحاليين.

حسناً، إنها لم تعد تلك الأيام الخوالي، هكذا كان يظن حسن. ولقد ولى الماضي القريب أيضاً، حين اعتقل مراراً وتعرض للتعذيب النفسي والجسدي عندما كان عضواً  في الحركة الطلابية المسيسة، والذى أدى إلى تركه البلد والخضوع لعلاج نفسي طويل الأمد. الآن، وبعد سبع عشرة سنة، لم يعد الحال على ما هو عليه، لكنه كان غير واثق إلى أي مدى سوف تؤثر جروح الماضي على مصيره؟

********

أخيراً، جاء دوره لدى مكتب ضابط الهجرة.
    •    "لقد انتهت صلاحية جوازك منذ فترة طويلة؟"
    •    "ذهبت إلى السفارة مرات كثيرة، ورفضوا تجديده، تعرفون كيف كانت الأمور في الماضي" قال ذلك حسن وهو ينظر إلى الضابط منتظرا رد فعله.
 تفحص الضابط في زيه الزيتوني الأخضر اسم حسن على الشاشة ونظر إليه بنظرة فاحصة، وقال بأدب:
    •    "آسف، عليك الانتظار لإكمال بعض الإجراءات" ثم أضاف: "سوف يرشدك شرطي إلى صالة الانتظار"

سار حسن خلف الشرطي بانصياع. ليس لأنه كان متوقعاً تحقيقا روتينيا فحسب، بل كان يحمل في لاشعوره جروحاً غائرة من الضرب والإذلال نتيجة لرفضه الخضوع لرجال يرتدون زياً مشابها.

في صالة الانتظار، كان مندهشاً من جمال وتفتح صف من النباتات الخضراء مغطية الجدار الزجاجي الصلب والذي كان يفصل الصالة عن باقي أجزاء مبنى القادمين. قال حسن لنفسه بأن الأشجار والنباتات في ظلمستان لم تكن بهذا الاخضرار. لكنه تساءل، ربما هذه النباتات قد حصلت على تربة أفضل وتمت حمايتها من شمس الجزيرة الحارقة.

الهواء العليل وصوت الموسيقى الكلاسيكية الخفيف أثرا على جسده وروحه. تمدد على صف من الكراسي عند زاوية وغط في النوم.

******

كان الوقت فجراً من اليوم اللاحق عندما تم إيقاظه.
    •    "جهز نفسك، سوف يقومون باستدعائك في دقائق" قال ذلك شرطي مسلح والذي أبقى نفسه على بعد مسافة منه.
    •    "الهجرة؟" استفسر حسن.
    •    "كلا، المخابرات" أجاب الشرطي بصوت أخفض.

صالة الانتظار كانت الآن مليئة بالناس. القادمون الجدد كانوا في الغالب شابات أتين من بلدان آسيوية فقيرة. كن يرتعشن من الهوء االبارد وهن مرتديات سواريهن التقليدية الخفيفة. لاحظ أن بعضهن صغيرات جداً، ربما كانت أعمارهن أربع أو خمس عشرة سنة. بعد حوار قصير مع أحد الحراس علم أنه يشهد صفقة تجارية كبيرة لأحد علية القوم.

"إنهم يجلبون هذه المخلوقات المسكينة لتعمل كإماء في منازل العائلات الثرية في ظلمستان، قبل أن تم جلبهن إلى هنا، السماسرة في بلدانهن يأخذون كل الأموال التي يمتلكنها ويعطونهن جوازات سفر تظهر أنهن فوق سن الثامنة عشرة، أحيانا يتم إرجاعهن إلى بلدانهن، بعد أن يبقين في هذه الصالة لأيام كثيرة بدون بطانيات أو طعام" قال ذلك الحارس بعدم رضا بلهجة تفصح عن أصوله الآسيوية.
 
الأشياء الجديدة التي سمعها حسن للتو عن بلده لم تكن كافية لتهيئته للمشهد اللاحق. رجل والذي بدا أنه آسيوي، في تلك التجارة، قام بتنظيم الخادمات الصغيرات في صف، ثم أحضر زبونا بعد آخر. الزبائن في أثوابهم البيضاء الطويلة التقليدية، كانوا يتفحصون أسنان تلك الصغيرات، وشعورهن، وأشكالهن الأنثوية، كل واحدة منهن كانت تتطلع أن تكون هي المختارة متجاهلة الطريقة التي التعامل بها معها، وأحيانا الاستهزاء بها.

دهش حسن، كان يظن أن تلك الأمور تجرى فقط للمواشي في السوق لأجل أن تساق للذبح حيث عمل في السنوات السابقة. حين أشاح بوجهه، لفت انتباهه النباتات الجميلة التي تغطي الجدار الزجاجي. "هل اعتادوا أن يغطوا على ما يجري هنا في الصالة؟" استغرب في خيبة أمل.

جاء رجل مسن إلى الصالة، وقام بإزالة الغبار عن الأوراق الخضراء. اقترب حسن منه سائلا: "نباتات جميلة، ما اسمها؟"
    •    "لا أعرف" أجاب الرجل العجوز دون النظر إلى حسن.
    •    "كم مرة تقوم بريها بالماء؟"
أدار الرجل وجهه إلى حسن كما لو كان يريد التأكد أن السؤال كان جاداً.
    •    "لماذا؟ إنها اصطناعية! ألا ترى؟" قال الرجل. "إنهم ينفقون أموالاً طائلة لجلبها من بلد آخر"، ثم واصل: "إن لدي حقلاً، لكنه ليس كافياً ليعيلني هذه الأيام، لذلك ليس لدى خيار سوى رعاية هذه النباتات التافهة؟"

مع أشعة الشمس الأولى، ومن خلال الزجاج الضخم المطل على مدرج المطار، رأى في البعيد مجموعة من البيوت البيضاء و أشجار النخيل بينها. لكن شيئا ما كان يمنعه من الاستمتاع بالمنظر الجميل! لقد لاحظ أن بعض تلك الأشجار كانت جذوعاً فقط بدون سعفات. تذكر ما قال له جده ذات مرة: "النخلة كالرجل الشهم، تحتاج منك القليل، لكنها تعطي الكثير من الأشياء المفيدة طيلة حياتها المديدة، إنها خلاف الأشجار الأخرى، لا تعيش لو دمر أعلاها أو تم بتره" لقد كان منظر أشجار النخيل فألاً سيئاً لحسن والذي كان الآن يمشي خلف شرطي إلى غرفة التحقيق.

    •    "لماذا أتيت؟" سأل أحد اثنين يرتديان الزي المدني، واللذين كانا يحققان مع حسن في غرفة صغيرة معتمة.
    •    "سمعت عن التغييرات. اعتقدت أنه حان الوقت لوضع الماضي خلفي وأن أبدأ حياة جديدة" أجاب حسن وهو يشعر أنه تلميذ مدرسة أمام ناظرها وهو يحمل عصا غليظة في يده.
    •    "حسنا، إن اعتقادك خاطئ " قال الرجل الآخر، بينما كان يحرك جسده الثقيل ببطء ليكون خلف الكرسي الذي كان حسن يجلس عليه.
    •    "حتى تثبت ولاءك" أضاف المحقق.
    •    "كنت دائما موالياً لبلدي" قال حسن في لهجة احتجاجية بدون النظر إلى الخلف.
    •    "لازلت تصر بأنك على صواب ونحن على خطأ! هل هي الحياة الجديدة التي تفكر فيها" سأل الرجل الذي يقف أمام حسن.

قبل أن يستطيع حسن أن يجد الكلمات المناسبة للجواب، تلقى صفعة مفاجئة على إذنه اليمنى والتي أطاحت به من على الكرسي ليصطدم بالجدار الصلب. كاد أن يغمى عليه عندما ارتطم جسمه بالأرض وهو يشعر بألم فظيع في إذنه وعنقه، وعندما حاول النهوض، المحقق البدين الذي صفعه، ضغط بحذائه الثقيل على أصابع يده اليمنى جاعلا حسن يركع أمامه.

    •    "إنك مجرد جبان قذر. لقد هربت من البلد كامرأة، معتقداً أننا لن نستطيع الوصول إليك. حسناً، لم نكترث، لأننا كنا علي يقين أنك فاشل، وأنك سوف تعود متوسلاً الرأفة" بصق على حسن قبل أن يرفع حذاءه عن أصابعه المكسورة.
    •    "يجب أن تفهم أنك ارتكبت جريمة بهروبك من البلاد واستقرارك في الخارج كل هذه السنين" قال المحقق الآخر بلهجة متوددة بينما كان يساعده للجلوس على الكرسي ثم سلمه أوراقاً "سوف تكتب التماساً للرأفة وتعهداً بالولاء للسلطان" قال الضابط ذاته بلهجة آمرة "وحتى تثبت ولاءك، عليك إخبارنا عن الخارجين على القانون مِن مَن لا زالوا يعيشون بالخارج، حينها سوف نكتب عنك تقريرا جيداً حتى تستطيع دخول البلاد، وحينما تعيش في ظلمستان عليك أن تخبرنا بانتظام عن كل ما ترى وتسمع"

 *****

عندما أعيد حسن إلى صالة الانتظار كان في حال يرثى لها. كان يرتعش على الرغم من نظام التكييف الاصطناعي بالمبنى، كان العرق يتصبب على وجهه وتحت ملابسه.

يتلفت فيما حوله ليرى نفسه محاطاً بالنباتات الغريبة، بينما كانت الصالة تصير أضيق وأضيق على نغمات الموسيقى الغربية المقرفة.

كان نائما في كرسي وثير ويتنفس بثقل حينما جاء شرطي ليستدعيه ثانية إلى غرفة التحقيق. كان متعبا ومتوتراً. كان قلبه يدق بسرعة، وعيناه الواسعتان تحرقانه. فكر أكثر في السبب الحقيقي الذي أعاده إلى بلده. شيء واحد كان بذهنه: الابتسامة الكريهة على وجه ضابط المخابرات عندما كان يصف بالتفصيل كيف سوف يقومون بتعذيبه عندما لا يتعاون معهم، جالباً معه ذكريات ما حدث له من أمد بعيد. كانت روحه مملوءة بالكراهية، لقد أوقظ وحش بداخله. الخوف قد حلت مكانه الرغبة في الانتقام. لقد أغلق باب الغرفة الضيقة وراءه.

"سأتحدث" أخبر الضابط، "سوف أجيب عن جميع أسئلتك عني وعن أصدقائي ولكن على شرط واحد. سوف أتحدث إليك وحدك"

رأي إيماءة الضابط إلى بقية الرجال بالمغادرة. حين أغلق الباب ثانية، وجد حسن نفسه جالساً على كرسي قريب من منضدة الضابط، بينما كان يبحث بيده اليمنى عن السكين المخبوءة في جيبه. أسند يده اليسرى إلى المنضدة وانحنى للأمام كما لو كان يريد أن يهمس بشيء إلى الضابط. الضابط كان جالساً في الجانب المقابل من المنضدة مد رقبته كاستجابة طبيعية كي يستمع، وفي حركة خاطفة، مرت الشفرة الحادة على رقبة الضابط كما كانت تقعل كعادتها بالخراف في المذبح حيث كان يعمل حسن.
 
صرخة الضابط تغرغرت في فمه. اندفع الرجال الآخرون، لكنهم كانوا مأخوذين بالمشهد لدرجة أنهم لم يوقفوا الشبح الذي غادر الغرفة بوجه ملطخ بالدم.

عندما وصل إلى الصالة، وجد حسن نفسه يقوم بقلع النباتات غير ذات الجذور واحدة بعد الأخرى. بعد أنهى مهمته، كانت هناك موجة من التصفيق الحاد. الخادمات والعشرات من أطفال البلاد وحتى بعض الشرطة شكلوا صفين وجعلوا بينهما ممرا ضيقا مؤدياً إلى اللوح الزجاجي الضخم والذي تم تكسيره الآن إلى أجزاء. شمس جديدة كان تعلو في الأفق، وأخيراً استطاع أن يشعر بالنسيم المنعش وأن يستمتع بمنظر أفضل للبيوت البيضاء والتي ازدادت حجماً، وأشجار النخيل التي استعادت سعفاتها. لكن هناك أمراً خاطئا بسعفات النخيل! لونها لم يكن أخضر باهتا كالمعتاد. كانت حمراء داكنة! والجدول الضيق الذي كان يجري خلال الحقل لم يكن ماءً، بل دما غليظاً

******

أحدهم كان يهزه.
"أنت، استيقظ. استيقظ"

جلس مرتعشاً وهو ينظر حواليه بعينين ملؤهما الخوف.
    •    "تعال" قال الشرطي بابتسامة، "يبدو أنه آخر يوم لك في المطار"، سار خلف الشرطي، حتى دخلوا مكتب رئيس الهجرة.
    •    "اجلس، من فضلك" قال الضابط بأدب جم. "لقد أصدرنا لك جواز سفر جديداً، وتذكرة باتجاه واحد إلى البلد التي قدمت منها"

أدار حسن عينيه إلى الشرطي الذي كان واقفاً إلى جانبه، ثم ثانية إلى الضابط، ولكنه لم ينبس ببنت شفةً.

    •    "كما ترى، البلد تشهد تغيرات كبيرة" قال الضابط، "لكن هناك تبعات يجب أن تفهمها والتي لا حيلة لي فيها. أقصد أنه ليس قراري، أنت تعرف الأمور"

نظر حسن إلى أعلى الضابط حيث تستقر ثلاث صور بإطارات ذهبية، السلطان وابنه ولي العهد وأخوه وزير الدولة.
    
بعد أن لم يحر حسن جواباً، نهض الضابط من كرسيه، وسلم جواز السفر والتذكرة إلى الشرطي. "لقد وافق أن يغادر" قال الضابط للشرطي. "الرحلة سوف تبدأ خلال عشر دقائق، عليكم بالذهاب إلى الطائرة" أمر الضابط.
*****

كان حسن غير مستقر، ينظر من خلال النافذة، بينما كانت الطائرة تقلع. عندما أتى مضيف ليطلب منه أن يربط حزام المقعد، لم يعره انتباهاً. الرجل الذي كان يرتدي زي العمل مع قبعة، انحنى ليربط حزام مقعده بنفسه، حينها أمسك حسن به من ياقته بيد، بينما كان يبحث عن السكين في جيبه باليد الأخرى. بعد أن فشل في العثور على السكين، قال حسن للرجل الذي باغتته المفاجأة: "لقد تخلصت من الشيطان الذي أرسلك إلى هنا، إن لم تبعد عني، فسوف تكون أنت الميت اللاحق"


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus