محمد الزياني: على النظام أن يصالح الوفاق، والحل في حكومة ديمقراطية شبه منتخبة! ’3-3’

2012-06-09 - 3:08 م



مرآة البحرين (خاص): على مدار الحلقتين السابقتين، نشرنا بعض آراء العقيد المتقاعد محمد الزياني في عدة مواضيع سياسية تحدث فيها بجرأة وحرية في أكثر من مجلس. الزياني ذو نشاط واسع ويحضر مختلف المهرجانات والندوات والأحداث السياسية. أريحي، صريح وشفاف ولا يعرف اللف والدوران.

هو يتمنى بكل صدق أن يصلح حال هذا البلد وأن تنتهي هذه الأزمة في صالح الوطن والناس. للزياني رؤيته الخاصة للحل السياسي الممكن في ظل هذا الصراع المعقد، وهي ما سنستعرضه في هذه الحلقة الأخيرة، بالإضافة إلى وجهة نظره الخاصة في إصلاح الأجهزة الأمنية.

أتى الوقت الذي يقال فيه للحاكم: إذا أردت أن تستمر...

"الآن أتى الوقت الذي يقال فيه للحاكم إذا أردت أن تستمر أشرك شعبك في الحكم. المعارضة لو أزاحت   حمد بن عيسى لابد وأنها ستضع شخصا مكانه للحكم فمن ستضع؟ عيسى قاسم؟ علي سلمان؟ المحمود؟ هم يا جلالة الملك بشر مثلك يخطئون ويصيبون، ويمكن أن تكون أنت بتاريخ عائلتك وشرعيتك الحالية وبعلاقاتك مع العالم الأصلح منهم"

لكن المشكلة كما يرى الزياني هي في الذين حول الملك، فهم كما يقول عون عليه لا له، وهم من أجبر الناس على الخروج عليه وثوّرهم ضده، ففيهم من سرق وفيهم من خرب وفيهم من انتهك أعراض من هم تحت يده والمشكلة أن كل البحرين تتحدث عنهم بالاسم وبالجرم "يجب على الملك أن يضع من يتوسم فيهم الحكمة والشرف والقدرة على مسك النفس"

البروفيسور بسيوني درس الوضع كله وخرج بنتائج تفصيلية، فلماذا بعد ذلك أقوم بتعيين أحد المتورطين في الحدث لحل تبعات الحدث نفسه؟ حتى في الأسرة الحاكمة نفسها هناك وجوه مثقفة واعية ومسئولة تنتج، لكنها بعيدة عن السلطة!"

لا يطالب الزياني بتغيير رأس الحكم (الملك) لأنه يرى بأننا لو غيرنا الحاكم   قبل 30 سنة لطلبنا تغييره الآن مجددا في الربيع العربي مثل ما حدث في اليمن وسوريا وليبيا وتونس ومصر، ويرى أن حكامنا يسيرون في حركة عمرانية وإن شابها شيء من الفساد "نحن لسنا أغنى من العراق، الحركة العمرانية التي قامت عندنا رغم الفساد أفضل من   ليبيا والعراق ومصر"

سقف المطالب: على الملك أن يخلع الحكومة

يسأله أحدهم "لو كان الهدف إسقاط النظام هل يسبب ذلك ريبة عند أهل السنة؟" يجيبه الزياني مؤكدا: نعم   يسبب ريبة بلا شك.

الزياني مع الإصلاح لكنه ليس مع التغيير الجذري كما يشدد دائما، يرى أن المشكلة هي أن الملك يتحمل مسئولية كل ما تقوم به الحكومة، فهو يعين المسئولين وبذلك هو المسئول عن كل القضايا. في الدول التي تكون فيها الأسرة المالكة تملك ولا تحكم يكون الملك بريء من أي شيء يحدث، لكن تغيير رأس الحكم أمر لا يتفق الناس عليه، وهو ما يجب أن يكون قاعدة أولية يقرها الجميع، فما وقع من ظلم قد يكون أكبر لو غير هذا النظام بحسب الزياني، إذا راهنا على شخص جديد لن نعرف ماذا سيجري من ورائه.

"بحسب نظرتي فإنني أرى أن وجود رأس الحكم محله ضرورة، لكنني أطالب جلالة الملك أن يخلع هذه الحكومة، كنت أقول إن على الحكومة أن تغادر بوجود كل هذا التقصير قبل الدوار، والآن أقول أن عليها أن تغادر حتى لو لم يكن لديها علم بالتقصير فهي أخفقت في أن تستشف ماذا سيحدث وماذا سيحصل، إن لم تكن متورطة فيه، وهي في الحالتين مدانة"

كيف تبقى حكومة لا زالت تحجز منطقة حساسة في البحرين كالدوار وتقطع الوصول إليها لأنها لم تستطع حل  المشكلة السياسية التي تدور حول هذا الدوار؟ هذا يعطي انطباعا بأننا نعيش في "دولة رخوة"

أرى أن على الملك أن يغير الحكومة، النظام ليس معنيا بحماية حكومة فاسدة تؤلب الشعب عليه. دعنا نأخذ خليفة بن سلمان كمثال، ترأس الحكومة أكثر من أربعين سنة أصاب وأخطأ، ما المشكلة في تغييره أو إعادة تعيينه مرة ثانية بعد أن تحل حكومته الحالية أو تستقيل؟ ما المانع لأن يستبدل فلان بفلان آخر؟

النظام يجب أن يصالح الوفاق

الدولة أساءت التعامل مع الأزمة أكثر من سنة وليس من العقل أن يظل الوضع هكذا إلى أبد الآبدين، يجب أن تصلح الحكومة حالها مع المعارضة ليصلح حال المجتمع. الحكومة إذا أرادت أن تصلح حال الوطن يجب أن تصلح حالها مع الوفاق لأنها هي من يقود الشارع الشيعي، ومن لا تقوده الوفاق فليس له قيادة. ولذلك فيجب على النظام أن يتوافق معها ويحرجها بهذا التوافق حتى يخرجها خارج دائرة الأزمة.

دعنا نقول إن الشيعة مخربون، إذا كان المخربون 10 أو 20 سأنال منهم، ودعنا نقول إنهم يتبعون إيران، هل نقتلهم أم نجلس لنتحاور معهم؟ الأزمة تجاوزت عاما كاملا ولا يمكن أن تسير البلاد إلى الأمام من دون حلها، وليس شرطا أن يشمل الحل جماعة المحمود أو غيرهم من لم يكونوا طرفا فيها.

الحل رئيس وزراء يعينه الملك ويصوت عليه البرلمان

 
إذا كانت الحكومة المنتخبة غير مرغوب فيها من جلالة الملك، فليس لدينا مانع، ليعيّن لنا شخصا آخر ونحن نحاسبه! أنا لا أتفق مع الوفاق في مطلب الحكومة المنتخبة، لأن من يحكم في الحكومة المنتخبة هي الجماهير، والجماهير تختار بناء على توجيه ووصاية دينية كما فعل الرجل صاحب العصا في الانتخابات!

من حق المواطن أن يكون له صوت يساوي صوت أخيه كان سنيا أو شيعيا، مسلما أو غير مسلم، هذا حق لا نختلف عليه، لكن هل نحن جاهزون لمثل هذا النوع من الديمقراطية؟ لا أظن!

أرى أن الحراك حدث، والانفراد بالسلطة بالنسبة لجلالة الملك بات أمرا مستحيلا، ومن الصعب أن يحكم قبضته على الدولة بالنار والحديد، ولكن ما بعد الحكومة المنتخبة لن يكون هناك خط أحمر، وقد يصوت البرلمان أو الحكومة على عزل الملك شخصيا، حتى لو تطلب ذلك التصويت على تغيير دستوري يسمح بخلع الملك إذا لم يصلح أو لم يرض به الشعب، سيكون ذلك احتمالا واردا جدا. والأسرة الحاكمة لو سقطت فلن يكون هناك خوف على مستقبلها ولا على حالها ولن تخسر شيئا، من سيخسر في البحرين هو فقط المواطن السني والشيعي وهما سيتقاتلان لا محالة.

لذلك، بدلا من أن يتخلى الملك عن قوته للمواطن بإعطائه حق انتخاب الحكومة، وتكون الحكومة المنتخبة قادرة حتى على إسقاطه هو شخصيا في أي لحظة، على الملك والأسرة الحاكمة أن تنتبه بأن الناس لم تعد تقاد، الناس صارت تتكلم وتريد أن يؤخذ برأيها، فمن باب أصلح إذا أردت للناس أن تنتخب فليكن، ولكن بمحدودية، أي أن يكون من حق الملك أن يعين رئيس وزراء كما يرى، ومن حقي أنا كمواطن أن أصوت عليه إن كان يصلح أو لا عن طريق المجلس النيابي، أو أن يكون لي سلطة طرح الثقة عنه وإقالته، وهذا نوع من أنواع الحكومة المنتخبة.

يسأله أحدهم: هل ترى بأنه لا زال لدينا وقت لكل ذلك بعد كل ما حدث؟ يجب الزياني مشددا: إن لم يكن هناك وقت لهذا فسيكون الخيار الآخر هو أن نفتح بابا للتقاتل على الحكم، فلا السنة سيرضون بأن تكون الأغلبية الشيعية هي الحاكمة ولن يتخلوا عن حمد بن عيسى، ولا الشيعة سيكونون راضين لو حدث العكس.

حتى نصل إلى ما وصلت إليه تركيا من ثقافة شعبية ديمقراطية وإحساس بالمسئولية، فأنا أرى بأننا نحتاج لشيء من المحدودية في الإصلاح، ما المانع من أن يعين الملك رئيس وزارء اسمه خليفة بن سلمان أو جعفر عباس ويصوت عليه المجلس؟ ما سيكون في يد الملك هو التعيين ليس أكثر، وأنا كمجلس نيابي أستطيع خلعه فيما بعد!

 

يقاطعه أحدهم: هذه الآلية لن تقبل بها جماهير المعارضة ولا الوفاق!

   &&qut2&&
يرد الزياني "هذا أكثر شيء من الممكن التوافق عليه بين الجهات المتصارعة داخل المجتمع. لابد من أن نجلس مع بعضنا البعض ونتفق جميعا على أن نتجه للإصلاح حتى لا يبقى الوضع فاسدا كما كان وحتى لا يصبح أيضا أكثر مأساوية باستمرار الخلاف والتصارع. أنا كسني معتدل لا أستطيع الآن أن أقبل حتى بتعيين أخي ملكا للبلاد، شعب البحرين شعب مثقف نعم، لكن الغالبية تقودها العواطف والتحزبات، فمن هو الشخص الذي سيرتضيه الجميع بدلا من حمد بن عيسى؟ لا يوجد!"

الحل الوسط، هو إما بموافقة الملك على الحكومة المنتحبة بتعيينات محدودة، كأن يشترط موافقته في تعيين وزراء الوزارات السيادية والأمنية والمراكز العليا فيها، أو العكس أن يعينها هو ويصوت عليها البرلمان. أما أن تكون الحكومة منتخبة بالكامل فذلك سيعني (لدى الشارع السني ولدي أنا شخصيا) أن ينتهي حكم آل خليفة في البحرين، ويتغير نظام الحكم.


الجيش لم يقتل الشيعة ولا يمكن إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية الآن

يرى الزياني أن القوة الأمنية لم تنحاز لسنة أو لشيعة، وأنها لو أمرت أن تنزل للسنة وتقمعهم فلن تتراجع "وقد فعلوها في عراد وفي الفاتح!" هو يرى بأن القوى الأمنية ليست طائفية بل ولائية وهذا شيء طبيعي بحسبه، ولذلك فلو كانت مخلوطة لشكلت خطرا أكبر مما يحدث الآن.

"الآن من المستحيل أن تحدث حرب أهلية لأن الجيش واحد، ولو كان العكس لحدثت مجازر كبيرة. هل ينزل الجيش السني لقتل الشيعة؟ أنا أتصور أن ذلك مستحيل، ولو كان الجيش خليطا   متساويا من المذهبين لحصل هذا الأمر"

الشيعة ظلموا في الوزارتين (الدفاع والداخلية)، لكنني لا أرغب حاليا في الدمج، خوفا على الشيعي قبل السني، فالتكتل والانشقاق سيكون حتميا، ولك في جمعية وعد مثال، فهم علمانيون وغير متدينين لكنهم انشقوا أثناء الأزمة إلى سنة وشيعة!

حتى يأتي اليوم الذي تتغير فيه ثقافة الناس، فالحل أن يبقى الأمر على ما هو عليه وأن نتخلص من المتعصبين. الوزارتان تبقيان كما هما، ويعوّض الشيعة بالأفضل، المحاصصة في هاتين الوزارتين خطر على الجميع، والأصح أن يبقى السنة في المؤسسات العسكرية التي هم فيها، وأن يتعلم المواطنون ثقافة الجيش في التعامل مع الجمهور، وقواعد الاشتباك، حتى لا يتكرر ما حدث مع عبد الرضا بو حميد الذي أصيب ومات في الدوار.

حين كنت آمر المدرسة البحرية كان لدينا 27 جنديا شيعيا، كنت أقول لهم أنتم تمثلون الطبقة الشيعية هنا ويجب أن تكونوا قدوة، أنتم بداية حل، حسّنوا خلقكم في الدوام، في التحصيل وفي كل الجوانب، حتى صلاة الظهر تعالوا صلوا معنا في المسجد، وحتى إن لم تريدوا أن تصلوا جماعة تعالوا صلوا في الخلف بتربتكم، دعوا الآخرين جميعا يرونكم، ويعرفون أن هناك فئة من المجتمع بدأت تنخرط.

العسكريون الشيعة خرجوا من الجيش ووقفوا في الدوار، هذا يسمى انشقاق! السنة لم ينشق أحد منهم وحتى البوفلاسة لم ينشق بل قال كلمة حق وعبر عن رأيه في مكان لا يحق له فيه أن يتكلم، لذلك أرى بأن الشيعة بحاجة إلى تثقيف.

هذا الكلام قد لا يرضي الشيعة ، لكن الجانب الأمني له أولوية تتجاوز ذلك. ما يعنيني أن يكون هناك أمن وأنا أرى في موضوع الأمن بعد أن تنتهي الأزمة أنه يجب أن تبقى المؤسسات كما هي وأن نعمل على تثقيف الشعب أولا، بحيث حين تكون لدى أي مواطن غدا بندقيته، تكون معها ثقافة وطنية لا طائفية، الآن أنا شخصيا لا أرضى بعسكرة الشيعية إلا من أتوثق من أن لديه التحصيل العلمي والثقافة الوطنية التي تطغى على النزعة الطائفية.

بين الزياني وأحد العسكريين الشيعة المنشقين

أحد العسكريين الشيعة المنشقين (الذين خرجوا للدوار) كان ضمن تلك المجموعة التي دربتها، أخذته النزعة المذهبية وخرج، بل اتصل بقائده وقال: إذا أردتموني فتعالوا وخذوني من الدوار!

صادفته مؤخرا وقال لي أنا تلميذك هل تذكرني؟ أنت علمتني أنه حتى في العسكرية هناك كرامة ولذلك خرجت، قلت له أنا علمتك الكرامة وعلمتك التعقل. فرد علي "وهل التعقل فادك أنت؟ ألم تكن أنت أول "المتشحولين" حتى قبل الدوار؟ ألا تذكر كيف نقلنا أغراضك الشخصية لسيارتك عندما "شحولوك"[1] لأنك كنت تدافع عن جنودك ولا ترضى بظلمهم؟".


[1] لفظة دخلت حيز التداول الشعبي بعد حركة الدوار، معناها اللغوي: كيف الحال، وصارت تستخدم للإشارة إلى الطرد أو الملاحقة أو التسبب بالأذى.


الجزء الأول من الحوار مع الزياني

الجزء الثاني من الحوار مع الزياني


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus