"متسبّبو الفوضى الإلكترونية" بين الهزل والجدّ: من هو مُعذِّب الأمن الوطنيّ ومن هو المجنون؟
2018-04-02 - 10:18 م
مرآة البحرين (خاص): أثار نشْرُ وزارة الداخليّة البحرينيّة صور وأسماء من دعتْهم "المتسبّبين" في الانفلات والفوضى الإلكترونيّة على مواقع التواصل، تساؤلات بشأن هويّة هؤلاء. عصابة الخمسة الّذين لخبطوا أجهزة الاستشعار التي كانت تضبط إيقاف التنافس بين جناحيّ الحكم وأجبروا رئيس الوزراء على الإدلاء بتصريحيْن في ظرف أسبوعين ومثلهما لوزير الداخلية، ومن ثم بيان من نجل الملك.
في الحقيقة، ثلاثة على الأقلّ من ظُرفاء "الفوضى الإلكترونية" هم موظّفون حكوميّون في وزارات حسّاسة. لكنْ برز بشكلٍ لافت اسم عبدالعزيز محمد مطر جاسم الشاووش، الّذي كان حتى وقت قريب يُعتقد أنه موظّف عاديّ في وزارة الداخليّة البحرينيّة.
لقد سبقَ للمذكور أن أطلّ عبر عدد من البرامج الحواريّة التلفزيونيّة خلال الأزمة قائلاً إنه تلقّى تدريباً مكثفاً في "فيّنا" من خلال الاشتراك في برامج "أكاديمية التغيير" التي تموّلها قطر، أكسبه معرفةً بشأن أساليب النشطاء في خلق الفوضى السياسية وحرب اللاّعنف تمهيداً لإسقاط الأنظمة في الخليج العربيّ. لكنّ المستجدّ في الأمر هو شهاداتُ خارجين من السِّجن في الآونة الأخير والّتي تفيد تلقّيهم تعذيباً على يديْه في جهاز الأمن الوطنيّ.
يؤكّد أحد المعارضين الّذي أنهى محكوميّةً في السجن على خلفيّة نشاطه البارز في الاحتجاجات السياسيّة: "الرّاجح لديّ هو أنني شاهدتُه ضمن طاقم التّعذيب في سجن (...) بين مارس ويونيو 2011". مضيفاً "كانوا جميعهم ملثّمين إلا أنه (مطر) كان واحداً من اثنين كشفا عن وجهيهما بالخطأ". مثل هذه الشهادة تتكرّر على ألسنة مُعتقلين آخرين أنهوا محكوميّات بمُدَد مختلفة في السِّجن. كما يؤكّد عدد منهم رؤيته في عدد من حملات الدّهْم اللّيليّة التي نفّذها الأمن الوطنيّ على منازل حقوقيين بارزين.
عبدالعزيز مطر ليس الشّخص الأمني الوحيد في هذه المجموعة المتّهمة. فأحدهم والّذي نجا في هذه المرّة من حملة وزارة الداخليّة على "أصحاب الحسابات المسيئة" هو موظّف في الإدارة العامة لمكافحة الفساد والأمن الاقتصادي والإلكتروني التابعة إلى وزارة الداخليّة أيضاً. راشد أحمد الدّوسريّ الّذي كان يشغل وظيفةً أمنيّة تتمثّل في اختراق حسابات المعارضين وتركيب ملفّات لهم تمهيداً لإلقاء القبض عليهم ومحاكمتهم. لقد أُطلق سراح الدوسريّ في وقتٍ سابق من هذا الشهر ولم تشملْه حملة التنظيف الثّانية التي أعلنت عنها وزارة الداخليّة أمس. بينما تهمس أوساطٌ بإعادته إلى وظيفته "هاكر" في إدارة الجرائم الإلكترونيّة.
وإذا كانت قائمة "الفوضى" التي أعلنت عنها الوزارة تحوي عدداً من منتسبيها الأمنيّين؛ فهي قد حوت أيضاً عدداً من الظّرفاء. اعتاد المذيع السابق محمد محمد عبدالله سالم أحمد "الشرقاوي" التلطّي لسنوات وراء لقب إحدى العوائل البحرينيّة الكريمة "الشروقي" في إطلالاته التلفزيونيّة والعامّة. وأدّت إحدى معاركه السّابقة مع عدد من منتسبي هذه العائلة على مواقع التّواصل إلى رفعه من مُعرّفاته واستخدام لقب "البشريّ" بديلاً له.
لكنّ بيان وزارة الداخليّة قد حسم لقبه بشكل نهائي لا لبس فيه ليتبيّن أنه "الشرقاويّ". وهو ما دعا الكاتبة مريم الشروقيّ للتعليق ساخرة: "قلنا له من زمان ما تصير لنا (لا تنتسب لنا بقرابة)، لكن الحمد لله اسمه بان في الأوراق الرسميّة (الشرقاوي) وليس (الشروقي). الله يهداه (يهديه) حتى الاسم مزوّر". أما لماذا ظلّ يستعر من استخدام هذا الاسم الذي هو الآخر يمثل لقباً لعائلة بحرينيّة كريمة فتلك قضيّة شخصيّة ليست داخلة في اختصاص هذا التقرير.
رابع الظرفاء في هذه المجموعة هو ظافر حمد فهد خميس الزياني المعروف أيضاً باسم آخر على مواقع التّواصل وهو "أسد تكريت". كما عرف بأسماء أخرى أيضاً مثل "أسد الحق" و"أسد أبيض" ويدير شبكة "فرسان البحرين" الّتي تمثّل عريناً Aggregator يجمع داخل أسواره كل هذه الأسود المتخيّلة المجهّزة للنهش والهرْش. تصلح هذه الشخصيّة لأن تكون "حالة عياديّة" للتعرّف عن قرب على الأمراض النفسيّة الّتي تخلقها وسائل التّواصل الاجتماعيّ.
إن معظم حياة الزيّاني هي حياة افتراضيّة يخوض فيها معارك متوهّمة وينتصر فيها عبر "أنا" فحليّة يظنّ فيها أنه "أسد" وأسد مُكرّر. على ذلك فهو يلوّح باستمرار أمام مبارزين افتراضيين لا يُوجدون إلا في تخيّلاته النهاريّة فقط، يُلوّح بإطلاق "أسد تكريت" المعطّل على أساس أنّ ذلك سيفنيهم جميعاً كابراً عن كابر ويحسم مبارزاته معهم. إنه مثال على اضطراب الشخصيّة لعاطل "مقنّع" عن العمل حوّلته وسائل التّواصل الاجتماعيّ إلى مجنون.
أشار المحامي عبدالله هاشم في معرض تعليقه على إعلان وزارة الداخليّة حول متسبّبي "الفوضى الإلكترونيّة" إلى أنّ "عصابات تويتر من النتائج الاجتماعية لأزمة 2011 التي تنامت في ظل أزمة الوعي العام الذي جعل المجرمين أبطالاً". وهذا صحيح تماماً. لكن ماذا عن من جعلته الأزمة يتوهّم أنه أسد؟ ليس أسد تكريت وحده؛ إنما أسد السنّة أيضاً وحارقهم وفاضحهم ومنرفزهم وجلاد المجوس وغيرهم. الطبّ النفسيّ لديه الإجابة.