هل لدى النظام البحريني موقف من عاشوراء؟
2018-09-20 - 12:31 ص
مرآة البحرين (خاص): حتى ساعات الفجر الأولى من اليوم، الأربعاء 19 سبتمبر/أيلول 2018، والذي يوافق تاسوعاء (التاسع من المحرّم)، كانت قوات الأمن البحرينية مستمّرة في اقتحام القرى، لإنزال راية سوداء، أو لافتة خُطّ عليها شعار عن ذكرى عاشوراء، أو خطاب للإمام الحسين، ثالث أئمة الشيعة، وابن بنت نبي الإسلام، الذي قُتل في واقعة كربلاء المعروفة يوم العاشر من محرم عام 61 هجرية (680 م).
إنّها عاشوراء الثامنة منذ انتفاضة 2011. استحوذت السلطات الرسمية على المنامة، مركز عاشوراء البحرين، انتهى خطاب عاشوراء المركزي، وعلى مدى سنوات تم لجم الخطباء والمنشدين وأصحاب المآتم، ليمارسوا رقابة ذاتية، حتى تراجع المحتوى السياسي على منابر المآتم وفي مواكب العزاء، ليصل إلى ما يناهز الصفر منذ العام الماضي. مع ذلك، لم يسلم الخطباء ولا المنشدون ولا المآتم ولا المضائف ولا حتى لافتات عاشوراء.
على مدى 10 أيام، يقطع الاستنفار الأمني هدوء الأجواء الروحية المسالمة للمآتم الحسينية، لقد صار أمرا عاديا أن تشاهد آليات رافعة، وعناصر مدنية مسلّحة، وسيارات أمن، ترابض إلى جانب هذه المؤسسات في أي وقت. لا لشيء، سوى ثمة شعارات تطلقها سمّاعة الخطيب، وأخرى مكتوبة على يافطات كبيرة علّقت على امتداد الشوارع (الداخلية لا الرئيسية).
ماذا في شعارات عاشوراء، تكرهه الدولة في البحرين، ويثير غضبها؟ ماذا في خُطَب الحسين لم يعجب النظام؟ هذا ما تبيّنه طلّة في لافتات عاشوراء التي يتفنّن البحرينيون في حياكتها، خطّها أو طباعتها، ثم تستنفر الحكومة لإزالتها من الشوارع:
مثلي لا يبايع مثله
هيهات منّا الذلة
موت في عز خير من حياة في ذل
لا أعطيكم بيدي إعطاء الذّليل ولا أفرّ فرار العبيد
لا أفلح قوم اشتروا مرضاة المخلوق بسخط الخالق
كل يوم عاشوراء، كل أرض كربلاء
تعلمت من الحسين كيف أكون مظلوما فأنتصر
كلما ما لدينا من عاشوراء
هل لدى النظام موقف (عقائدي) وسياسي من عاشوراء؟ ربّما في السابق كان موقف السلطة سياسيا بحتا، يريد أن يمنع أية إسقاطات لثورة كربلاء على الواقع السياسي، أو استخدام للمنبر والموكب في تناول الوضع السياسي بشكل صريح ومباشر، ومن ثم التحريض على معارضته. لم يكن يبدو أن النظام يعير المعنى الثقافي للمناسبة أو أفكارها أي اهتمام جاد، ما دامت مستترة، أو ما دامت صامتة.
ولكن قبل سنتين، وحين استدعى الملك إداريا من مأتم السنابس (من سجنه) ليهاجمه مباشرة على قيام مشاركين في مراسم عزاء «الأربعين» بدوس صورته، قال الملك كلام يوحي بشيء آخر: لو كان الحسين موجودا في هذا الزمن لصار إلى جانبي!
وقبل ذلك بعشر سنوات، قامت الدنيا ولم تقعد على كلمة سابقة للشيخ عيسى قاسم أعيد طباعتها في لافتة خلال موسم عاشوراء. مسئولون كبار في الدولة بمن فيهم رئيس الوزراء شنّوا حملة معادية للزعيم الروحي للشيعة في البحرين، أثارت قلق السفارة الأمريكية، بسبب هذه اللافتة: (معركة كربلاء قائمة بطرفيها اليوم وغداً. في النفس.. في البيت.. في كل ساحات الحياة والمجتمع.. وسيبقى الناس منقسمين إلى معسكر مع الحسين ومعسكر مع يزيد فاختر معسكرك).
تعلّق إعلامية لبنانية، بأن النظام في البحرين اختار أن لا يكون في معسكر الحسين.
ما بين ملك «يتخيّل» أن الحسين كان سيكون معه لو أنه موجود اليوم، وبين دولة تشعر دائما بالتوجّس من أن تكون هي المقصودة بمعسكر يزيد، أو بالظالم، المضطّهد، باتت «ثورة» عاشوراء تشكّل عقدة ثقافية شائكة للنظام. لقد صارت الدولة تعيش عاشوراء، وتتفاعل مع إشكالها وكأنه اليوم، لم تعد عاشوراء إشكالا تاريخيا، لقد باتت بالنسبة للنظام في البحرين إشكالا سياسيا ودينيا وأخلاقيا حتى.
يبدو أن الإمام الحسين، تاريخه، ومؤسساته، هو المتهم اليوم بالتحريض على كراهية النظام، لا الخطباء الذين اعتقلوا، ولا المنشدون، ولا إدارات المآتم، ولا حتى أنصار الحسين من المواطنين المعارضين في البحرين (شيعة وسنة).
ويبدو أن التنظير الشيعي بأن اسم الحسين لوحده كاف بأن يعبّر عن المظلومية كان صائبا. وحده صوت مأتم الحسين في البحرين، ظل باقيا، ولم يخبت ضجيجه في أُذُن الظالم.