إميل نخلة: القمع المستمر للشيعة في البحرين

إميل نخلة - موقع لوبلوغ - 2018-11-09 - 5:26 ص

ترجمة مرآة البحرين

في وسط المأساة الإنسانية المروعة التي سببها السعوديون في اليمن والتحقيق المتواصل في جريمة القتل المتعمد للصحافي السعودي والكاتب  في صحيفة واشنطن بوست جمال خاشقجي، أصدر النظام البحريني حكمًا بالسجن مدى الحياة على رجل الدين الشيعي الشيخ علي سلمان على خلفية التهمة الواهية بتواطئه مع دولة قطر. وقد صدر هذا الحكم غير القانوني من قبل محكمة استئناف البحرين يوم أمس بعد أن برأته المحكمة العليا في البحرين من هذه الاتهامات. ولم تجذب القضية اهتمام وسائل الإعلام إلا قليلًا.

على كل المستويات، أصبحت البحرين دولة تابعة للسعودية ، سياسيًا واقتصاديًا، واتبعت المسار السعودي في كل قضية إقليمية، من الحرب في اليمن وقمع السكان الشيعة إلى حصار قطر، وهي من دول مجلس التعاون الخليجي. البحرين هي أقل الدول فاعلية في دول مجلس التعاون الخليجي. وقد فشلت في إظهار استقلاليتها في العمل مثل الكويت وقطر أو تبني موقف محايد مثل عمان. ويعتمد نظام آل خليفة، وهم أقلية، على المملكة العربية السعودية من أجل أمنه الداخلي والدعم المالي لتسديد عجز ميزانيتها. وهي تحظى بدعم المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة في قمعها المستمر للغالبية الشيعية وإسكاتها لجميع أشكال المعارضة السلمية. وتعود الهجمات الدموية لعائلة آل خليفة الحاكمة على الاحتجاجات السلمية وإسكات مطالبهم [المتظاهرين] بالإصلاح الديمقراطي تعود إلى عام 2011 عندما انضم الشعب البحريني إلى المحتجين في الدول العربية الأوتوقراطية الأخرى في ما أصبح يعرف باسم الربيع العربي.

وقاد رجل الدين الشيخ علي سلمان ، مع اثنين من زملائه ، علي الأسود والشيخ علي سلطان، جمعية الوفاق الشيعية المعارضة للمطالبة بإجراء انتخابات عادلة وحرة ووقف الاعتقالات غير القانونية والمحاكمات الزائفة وأحكام السجن المطولة. ودعت الجمعية ، إلى جانب نظيرتها العلمانية "وعد" ، إلى العودة إلى دستور عام 1973، والمشاركة الشعبية في صنع القرار، والقضاء المستقل، والاعتراف بحريات الصحافة، وحرية التعبير وحرية التجمع. ومع انتشار الاحتجاجات في جميع أنحاء البلاد وتعرض نظام آل خليفة - برئاسة الملك حمد بن عيسى وعمه رئيس الوزراء المشهور بالفساد، خليفة بن سلمان- للحصار، دعت الأسرة الحاكمة المحسن السعودي إلى إرسال قوات لحماية النظام الوحشي. ولا تزال القوات السعودية في البحرين حتى اليوم.

وردًا على الاحتجاجات السلمية، قام النظام بحل جمعيتي "الوفاق" و"وعد" واعتقال عدد من قادتهما والناشطين فيهما. كان الشيخ علي سلمان في ذلك الوقت الأمين العام لـ "الوفاق". اختار زميلاه علي الأسود وحسن سلطان المنفى الاختياري. وحكمت محكمة الاستئناف البحرينية في وقت سابق من هذا الأسبوع على الثلاثة  بالسجن مدى الحياة (كان الحكم على الأسود والسلطان غيابيًا).

ومن المفارقات، أن التهمة الأولية ضد علي سلمان ركزت على مشاركته في حركة الاحتجاج في العام 2011، حيث ادعى النظام أنه "يقوض الحكم الدستوري في البحرين". وقد استُخدمت هذه التهمة الزائفة لإدانته في العام 2015 وحكمت عليه بالسجن لمدة أربع سنوات في السجن. ولا علاقة لهذه الإدانة  بالتهمة الكاذبة الحالية بمساعدة قطر. كان من المفترض أن يتم إطلاق سراحه في وقت متأخر من العام الحالي.

بعد انضمام البحرين إلى العدوان السعودي السياسي والاقتصادي على قطر بهدف عزلها وتجويع شعبها، قرر نظام آل خليفة توجيه الاتهام إلى علي سلمان بالتجسس لصالح قطر التي تعتبرها البحرين دولة معادية حاليًا. وبعد تبرئته [الشيخ علي سلمان] من قبل المحكمة العليا في البحرين من هذه الاتهامات الزائفة قبل بضعة أشهر، استأنف النظام الحكم أمام محكمة الاستئناف. وتمت إعادة محاكمته وإدانته وحكم عليه بالسجن المؤبد. وسطحية العدالة هذه مثال آخر على القمع الوحشي والقاسي للمعارضة على يد النّظام.

 

لماذا الحكم القاسي؟ ولماذا الآن؟

مع استعداد النظام البحريني لإجراء الانتخابات البرلمانية في وقت لاحق من الشهر الحالي ، يدرك أن شرعية مثل هذه الانتخابات محل مسائلة، لأن المعارضة رفضت المشاركة. وقد استندت المعارضة في رفضها لمقاطعة الانتخابات على الحجة الصحيحة القائلة إنّ النظام يسيطر بشكل كامل على الانتخابات، وهي ليست نزيهة ولا حرة. وتوضح المعارضة للبلدان المؤيدة للديمقراطية، وخاصة الولايات المتحدة وبريطانيا، بأن البحرين، التي اعتادت الدفاع عن الدستور في عهد الأمير الراحل عيسى بن سلمان، ابتعدت عن الديمقراطية وقانون التصويت  (شخص واحد-صوت واحد) وانتقلت إلى نظام الفصل العنصري الذي لا تملك الغالبية فيه حقوقًا ولا حريات. ويحذو الملك حمد ونظامه حذو حكم الرجل القوي في المملكة العربية السعودية في عهد ولي العهد محمد بن سلمان وفي دولة الإمارات العربية المتحدة في عهد محمد بن زايد.

وهناك عامل آخر وراء هذا الحكم القاسي وغير القانوني، وهو تصميم النظام على كسر ظهر  جمعية الوفاق ، أكبر حركة معارضة شيعية في البحرين. خلال خدمتي الحكومية، كنت وزملائي نرى أن الوفاق جماعة سياسية سلمية سائدة ملتزمة بالإصلاح. تحدثنا من حين لآخر مع قادة وأعضاء الوفاق لأننا اعتقدنا بشكل صحيح أنهم ملتزمون بالعمل داخل النظام لتحقيق الإصلاح السياسي والمساواة لجميع المواطنين بموجب القانون.

لم يكن لـ "الوفاق" أي عداء تجاه نظام آل خليفة وكثيرًا ما تواصلت مع الابن الأكبر للملك، ولي العهد الأمير سلمان بن حمد، لإجراء حوار حول مستقبل البحرين تحت مظلة حكم آل خليفة. كان سلمان في كثير من الأحيان يتقبل مثل هذه العروض. ولكن في كل مرة كان ينقل فيها هذه الأفكار إلى مجلس العائلة، كان رئيس الوزراء القوي وأنصاره المحافظين داخل الأسرة الحاكمة والديوان الأميري أو الديوان الملكي، وخاصة بين ما يسمى بالخوالد، يحبطونها.

وعلى الرغم من أن جمعية الوفاق المسالمة تعرض العمل في إطار النظام من أجل مستقبل البحرين، ضاعف النظام عدوانيته تجاه الشيعة. وبما أن دعاية النظام الكاذبة بأن إيران توجه الحركة الشيعية أو أنها متورطة في الإرهاب لم تلقَ النجاح، فقد بدأ [النظام] باعتقال المزيد من أعضاء المعارضة، بما في ذلك رجال الدين والبرلمانيين.

في العام الماضي، شعر النظام بالجرأة في قمعه المكثف ضد الشيعة من خلال ظهور محمد بن سلمان في المملكة العربية السعودية وانتخاب دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة. يستخدم محمد بن سلمان القمع لإسكات جميع أشكال المعارضة في بلده وخارج حدوده ، بما في ذلك داخل عائلة آل سعود. إن مقتل خاشقجي بناء على طلب النظام السعودي داخل القنصلية السعودية في اسطنبول ليس سوى مثال واحد على وحشية محمد بن سلمان ضد نُقاده المفترضين. لقد أوضح الرئيس ترامب للحكام القبليين في الخليج وللأنظمة العربية الأوتوقراطية الأخرى أن حقوق الإنسان لم تعد محركًا للسياسة الخارجية الأمريكية أو اختباراً لمعاملاته مع الديكتاتوريين العرب. وطالما هم يواصلون شراء الأسلحة الأمريكية ودعم هستيريا ترامب المناهضة لإيران، فسيحظون بدعمه.

 

هل هناك مسار نحو الأمام؟

بإصدار الحكم  بالسجن المؤبد ضد الشيخ علي سلمان، يقوم نظام آل خليفة، وهم أقلية، بتأجيج النار وتعريض مستقبل هذه الدولة للخطر. بإحباط الأمل في التحول السلمي للبلاد إلى شيء مشابه للحكم الرشيد، فإن النظام يقود البلاد بحماقة إلى هاوية عدم الاستقرار والفوضى. لن يتم إنقاذ نظام آل خليفة من قبل الأطراف الخارجية، مهما كانت قوتها. إن جيش الأمريكيين والبريطانيين وغيرهم من الاستشاريين الأجانب -بالإضافة إلى المستشارين والأكاديميين والدبلوماسيين المتقاعدين والضباط العسكريين ومجموعات الضغط في واشنطن ولندن وأماكن أخرى- الذين يدفع لهم النظام بشكل رائع للضغط نيابة عنه لن يكونوا قادرين على إنقاذ النظام إذا كان الشعب البحريني قد قرر قول "كفى". إن جحافل الاستشاريين لن تصمد حول النظام متى يتوقف المال أو عندما يبدأ الإعلام الغربي في فضح الصفقات  المشبوهة للمستشارين مع الأنظمة الوحشية مثل ذلك الموجود في البحرين.

إذا كان صانعو السياسة في الولايات المتحدة، خصوصًا في مجتمع الأمن القومي، يعتقدون أن أمن أميركا القومي طويل الأجل في ما يتعلق بالبحرين سيُخدَم بشكل أفضل عندما يكون البلد مستقرًا وسلميًا في الداخل، فعليهم أن يحثوا آل خليفة على إلغاء عقوبة السجن المؤبد ضد علي سلمان، وزميليه على الفور وبدء حوار مع المعارضة -الشيعة والسنة- قبل الانتخابات البرلمانية المقبلة. مباشرة بعد الاستقلال في العام 1971، خلص الأمير الراحل عيسى بن سلمان بحكمة إلى أنه لا يمكن تحقيق السلام الداخلي في البحرين إلا من خلال شراكة بين الأقلية السنية والغالبية الشيعية. وقد أصدر دستورُا بعد مشاورات مطولة بين الممثلين السنيين والشيعة الذين انتخبهم مجتمعهم بحرية وهم أعضاء في كل من الجمعية التأسيسية في العامين 1972-1973 والجمعية الوطنية في العام 1974.

لقد شهدت عن كثب معظم تلك المشاورات والاجتماعات وتعجبت من الحكمة البدوية للأمير عيسى، الذي التقيت به عدة مرات. في ذلك الوقت ، دعمت واشنطن نهج الأمير عيسى واعتقدت أنه يمكن أن يشكل مثالًا ممتازًا لتتم محاكاته من قبل الحكّام القبليين الآخرين. أعلن ابنه حمد، الذي أصبح أمير البحرين عقب وفاة عيسى، نفسه ملكًا في العام 2001، ومنذ ذلك الحين استخدم أجهزة الأمن والمرتزقة الأجانب لحكم البحرين بقبضة من حديد. يجب على حمد أن يسأل نفسه عما إذا كان انحدار البلد من الوئام الطائفي والتعاون إلى المواجهة والعنف سينقذ حكمه.

النص الأصلي

 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus