البحرين: لحظة تحوّل معيشي كبير نحو «الشركة الإقطاعية»... انتهت الدولة

البحرين تدخل مرحلة الدولة - الشركة
البحرين تدخل مرحلة الدولة - الشركة

2019-01-12 - 2:30 ص

مرآة البحرين (خاص): «القلق كبير لدى أرباب الأسر، الكل يعتقد أن الحكومة لن ترحمهم، هم يسمعون عن التوجه المجنون الذي قررت العائلة الحاكمة المضيّ فيه دون هوادة». هذا ما كرره مواطنون لـ «مرآة البحرين». يضيف بعضهم «ليس تهويلاً، لكنّ كثيرا من أرباب الأسر البحرينية بدأوا بالبحث عن مصدر رزق ثان ليبدأوا العمل في أكثر من وظيفة».
التحوّل الكبير في البحرين، يمكن التعمّق فيه عبر مقولة إنجليزية مشهورة هي (Business is business)، وملخّصها المطوّل هو «عندما يتعلق الأمر بعلاقة اقتصادية فلا يجب أن تسمح للاعتبارات غير الاقتصادية بالتأثير عليه». عبارة يتطلب تطبيقها رفض أي اعتبارات أخلاقية أو إنسانية على شروط صفقة مالية بحتة، كالبيع والشراء. هذا هو المبدأ الذي تدير به العائلة الدولة. إنها تتصرف كما لو أنها تدير شركة خاصة، نعم لقد حلّت الشركة محل الدولة.
لعشرات السنين، أدارت العائلة الحاكمة في البحرين الاقتصاد بالطريقة الإقطاعية، حيث الشيخ هو «السيّد» صاحب الإقطاعية التى يقوم بزراعتها مواطنون بدرجة «أقنان»، ليسوا بالأشخاص الأحرار، ولكنهم أفضل حالاً من الرقيق.
بعد تغيّر العالم مع أفول الإمبراطورية البريطانية، تم تأسيس سلطة مركزية مع قوات أمن، كان لابد إذن أن تحل الدولة محل الإقطاعية، وأن يحل الملك أو الأمير محل السيد الإقطاعي. وأخذت السلطة المركزية، ممثلة فى الملك أو الأمير، تفرض قوانين السوق، التي لا حقوق فيها سوى للتجّار أو أفراد الأسرة الحاكمة، أو القبائل المتحالفة معها. صار الشيخ الحاكم في دولته الجديدة ينّظم، وبرعاية بريطانية، منح الامتيازات الاقتصادية. وزّع الوكالات والسجلّات التجارية المربحة والمناصب الرفيعة على أصحاب رؤوس الأموال أو العوائل المقرّبة، وترك للناس الأقل أهمية الوظائف البسيطة وهامشًا محدودا جدا من السوق.
وحتّى بعد ظهور النفط، لم يتغيّر الحال كثيرا، فيما عدا محاولات إرضاء اقتصادية أكبر في مقابل السكوت السياسي، بمشاركة وتوجيه بريطاني في الأساس. صارت هناك دولة رعاية، لا حريات وحقوق معتبرة وثابتة فيها، سوى لتلك الفئة المتميّزة.
هكذا ظلّت البحرين، لكن ثمة تحوّل معيشي كبير تفرضه السلطات في البحرين اليوم، قبيل عصر ما بعد النفط، على حياة آلاف الأسر معدومة الحقوق. تفاقم هذا الوضع تفاقم مع تسعير الخدمات التي كانت تقدمها الدولة إلى جانب السلع الأساسية، وصار على الناس تحمّل الثمن، دون أن يكون لهم الحق في المشاركة أو التأثير في شكل الإدارة الاقتصادية للبلاد.
تحوّل دور الدولة «الحديثة»، من مقدّم خدمات للمواطن، إلى ما يشبه شركة خاصة كبرى، هدفها البقاء بأي ثمن، تحت ذات القاعدة business is business. بدأت هذه الدولة «الشركة»، برفع سعر البترول، رفع الدعم عن اللحوم، وزيادة أسعار الكهرباء والماء، وفرض الضريبة الانتقائية، وضريبة القيمة المضافة، مع برنامج معدّ لوقف الدعم والعلاوات وتقليصها للحد الأدنى، ومدّ الضريبة لقطاعات جديدة، سيتم تمريره عبر مراحل وربما صدمات، وكلما زادت شكاوى الناس والمواطنين سيكون الجواب دائما «احمدوا ربكم» بأن «الشركة» باقية!
بطريقة أو بأخرى، ستدخل الخصخصة القطاع الصحي، الذي كان حقا مكفولا للمواطن، وبعده سيكون التعليم بخدمات محدودة. بدا واضحا عدم اكتراث الدولة-الشركة بالقطاع التعليمي حينما سمحت للمئات من المعلمين بالتقاعد المبكر ضمن مبادرة التقاعد الاختياري.
ستتحول الكثير من خدمات الدولة للقطاع الخاص، وربما لدول حليفة تقرضها المال مقابل الحصول على امتيازات مثل الاستثمار في إدارة خدمات مفصلية في البلاد، كالمطارات والموانئ والطاقة.
هذا التحول لم يأت دفعة واحدة، وإنما مر بمراحل تطور بطيئة. كان خليفة بن سلمان يعشق كلمة الاستثمار، يرحب بكل مستثمر لأنه سوف يشاركه في ماله وأرباحه بطريقته الخاصة، وسيطرت فكرة «زيادة الاستثمارات الأجنبية» ردحًا من الزمن على الإعلام البحريني بينما ظل المواطن العادي فقيراً لكنه يقف على قدميه الرخوتين ما استطاع إلى ذلك سبيلا.
بعد 2004، والمجيء بشركة ماكنزي، دخل شكل آخر من الاقتصاد الحر إلى البلاد. معه أصبح البحريني متنافسا مع الأجنبي. رفع «أتباع ماكينزي» شعار جعل المواطن البحريني الخيار الأفضل للتوظيف من خلال مشاريع التأهيل. لم يحصل المواطن البحريني على الحق في الإمساك بخيرات البلاد واقتصاده، أو حتى على الأفضلية أمام الأجنبي، ولكن حصل عليها من رفعوا ذلك الشعار المزيّف، وهاهم يمتصون خيراته مع الحفاظ على حصة خليفة بن سلمان ومراعاة «شلّته».
في الدول قديماً، كان الملك يوسع مملكته بتكوين جيش قوي يسمح له بالزحف على الممالك المجاورة. الدولة الشركة الآن تفعل شيئا مماثلا لكن داخليا: توّسع ممتلكاتها بمد نطاق الخصخصة إلى الاستيلاء على جزء بعد آخر من القطاع العام. إنها إقطاعية من نوع آخر، جديد الشكل لكنه في النهاية يشبه البداية: عائلة حاكمة لها المال والنفوذ، وأفضلية للعوائل المقرّبة، والبقية أقنان عبر عقود وظيفية هشّة تسمح بإخضاعهم وعقابهم ونبذهم وحتى إفقارهم وتدميرهم وإغراقهم بالديون.
من السخرية أن يعرف البحرينيون بعد 14 عامًا من خطط التنمية الاقتصادية -«دراسة ماكنزي»- أن من صمّمّها شاب كانت كل خبرته في الوظيفة آنذاك سبع سنين فقط! ستفرد «مرآة البحرين» مساحة جديدة للتعرف على اليافع اليمني.