نبيل رجب وعائلته ثمان سنين مضت حتى الآن .. ماذا حدث معهم؟ (شهادة موثّقة لآدم رجب)

آدم نبيل رجب خلال البرنامج
آدم نبيل رجب خلال البرنامج

2019-03-27 - 1:21 م

مرآة البحرين (خاص): قدّم آدم نجل الناشط الحقوقي السجين نبيل رجب، شهادة مهمّة عن الأوضاع الصعبة التي يعيشها والده في سجن جوّ المركزي، وعن معاناة عائلة نبيل رجب والاستهداف الذي تعرضت له منذ العام 2011 حتى الآن، استهداف نبيل في حريته وسمعته، ووضعه في أجواء صعبة جداً داخل السجن، حرمان ابنه من التعليم الجامعي في البحرين، وفصل زوجته من العمل، وانتهاك حرمته منزله مراراً، والترويع الذي حصل لابنته من قبل قوات الأمن.

تحدث آدم نبيل رجب، ضمن فقرات برنامج بي بس سي إكسترا، الذي يبثه تلفزيون وإذاعة البي بي سي باللغة العربية.

وفيما يلي النص الكامل للشهادة التي قدمها نجل الناشط السجين منذ نحو خمس سنين:

هل زرته؟

لقد مضت عليَّ خمس سنوات وأنا  أدرس القانون في بريطانيا، ولم أعد في البداية للبحرين لمدة طويلة خوفًا من تعرضّي للمضايقات، ثم عدت قبل عام تقريبًا وزرته في السجن، وللأسف لم يعرفني منذ أول وهلة حينما رآني، دخلت عليه بشكل مفاجئ لأنه لم يكن يعلم بعودتي للبحرين إذ إنّه كان رافضاً رفضًا تامًا  رجوعي للبحرين خوفًا من استهدافي، لم يعرفني في البداية وذلك لأنه مرت أعوام وقد كبرتُ ونبتت لي لحية، ثلاث سنين كنت خارج البحرين لم يرني خلالها لذلك لم يعرفني، لكنها كانت من أفضل وأجمل اللحظات بالنسبة لي.

ظروف الزيارة

أهلي في البحرين الآن يزورون والدي مرتين في الشهر، لمدة نصف ساعة فقط، تمر الزيارة سريعة جدًا، لكنها لا تخلو من الابتسامة والضحك على الرغم من الظروف القاسية، والدي وحتى الأسرة لا يسمحون للظَلَمة والسجانين بأن يسرقوا الابتسامة منّا، نحن نحاول الاحتفال بأبسط الأشياء، مثلًا صادف عيد ميلاد أختي يوم الزيارة، فقمنا بالاحتفال والغناء أمام السجانين لنبيّن لهم بأننا أصحاب قضية، والوالد صاحب قضية ويطالب بحقوق الإنسان وهو لا ينكسر، هو هكذا يقضي أيامه، على الرغم من قساوة الوضع وقساوة ظروف السجن.   

درب العودة: شعور كريه

الدرب إلى سجن جو بالبحرين يستغرق ساعة، ونحظى بنصف ساعة مخصص للزيارة فقط، نذهب بشوق ولهفة لكي نجلس مع والدي، تنتهي بسرعة كأنها خمس دقائق، كأننا لم نتبادل سوى كلمتين. مشوار العودة من الزيارة كريه، والوضع في الزيارة مؤلم، حيث ترى والدك المحترم، وهو في الخمسين من عمره، يدخل علينا بلباس السجن وليس بلباسه الطبيعي، مقيداً بالقيود «الهافكري»، يقوده شرطي لا يتجاوز عمره ست عشرة أو سبع عشرة سنة ليس بحرينيًا أصلًا، أتى من بلاد أخرى، ليس من أهل البلد يأتي بوالدك ثم يظل يلعب بالقيود «الهافكري» أمامك لأجل الاستفزاز، ثم تراه يسحب والدك مرة أخرى ويلبسه تلك القيود ثانية، ليس منظراً تحبّه النفس، تمشي عائداً وأنت تعرف أن والدك سيأخذونه للتفتيش قبل عودته للزنزانة، سيقومون بتعريته وتفتيشه تفتيشًا مهينًا فقط، لأجل كسر معنوياته وإذلاله.

المداهمات والسجن الانفرادي

والدي اعتقل في السنوات الثمان الأخيرة خمس مرات، ربّما نكون تعوّدنا على مداهمة بيتنا من قبل قوات الأمن في الليل، يأتون بلباس مدنيّ وآخرون يأتون بلباس عسكري ملثميّ الوجوه، يحملون أسلحتهم، نفاجأ بهم  فجرًا وسط البيت. في إحدى المرات، كانت أختي نائمة، فجأة رأت الملثّمين فوق رأسها، انصعقت وكان عمرها في ذلك الوقت تسع سنين.

تم وضع والدي في بداية اعتقاله، لمدة تسعة أشهر في سجن انفرادي، حتى ساء وضعه تمامًا، وفي الشهر الأول من الاعتقال لم يسمحوا لنا بزيارته، لكنّا كنّا نعرف أنه مسجون في زنزانة انفرادية ضيّقة جدًا، لا يسمح له برؤية أحد، ساء وضعه وتم نقله إلى قسم العناية المركزة في المستشفى، ولولا ما حدث، ما كانوا سيسمحون أن يخرج من السجن الانفرادي.

كيف تشرح معاناته؟

ليس من السهل استيعاب قدر المعاناة التي يعيشها والدي داخل السجن. وسط الصخب الذي يعيشه العالم، متوقّع أن لا تمثّل تلك المعاناة الإنسانية  قضيّة كبيرة. يمكن أن يتأثّر العالم بصور الدم، التعذيب وآثاره، لكن أن تحدثهم عن حقوق سجين، عن تفاصيل معاناته، علينا أن نخوض معركة صعبة هنا، لأنه يصعب أن تشرح للعالم ما هي معاناة السجين، أنت تتحدث مع أشخاص خارج السجن، وتقول لهم إن السجين الذي أحدّثكم عنه ممنوع من الحصول على الكُتب، ممنوع من الكتابة، ممنوع من الالتقاء بأحد، أنه قابع في سجن انفرادي لمدة تسعة أشهر مثلاً، وأنه مسجون في زنزانة لوحده مع أجانب غير ناطقين بالعربية ولا بالانجليزية حتى، لن تجد كثيرين يعون حجم هذه المعاناة، قد يظنونها محتملة، إنهم لا يعلمون أن الكتاب في الزنزانة يعتبر عَالَمًا للسجين وحياة تخرجه من جحيم القضبان. إنه أمر قاسٍ جداً. قد لا تجد اهتمامًا بالقدر الذي تأمله، ستجد صعوبة في تحريك الجوّ العام باتجاه ما تريده، رغم المعاناة الكبيرة التي تحصل للسجناء.

استهداف العائلة

نحن عائلة نبيل رجب تعرضنا للضغوطات من كل النواحي، منذ 2011 مع حملات التخوين التي طالت جميع النشطاء والحقوقيين. كان والدي أبرزهم. عبر القنوات الرسمية تم إبرازه كمخرّب وخائن وعميل. كنّا في المدرسة أنا وأختي (مَلَك). كنت في الصف السادس ثم السابع وعمري بين 13عاماً وأختي 7. تعرضنا لمضايقات كثيرة. كان هناك بعض الطلبة في سنّ التخرج يأتون عند الصفّ يرفعون أمامي صورة الملك ورئيس الوزراء ويقولون لي: هذا عمّك وتاج رأسك، وأنتم عملاء إيران وعملاء الغرب.

حدث هذا بسبب حملة التحريض والتشويه التي قادتها السلطات في مملكة البحرين وقادها التلفزيون الرسمي. لقد جعلوا من والدي مجرماً خائناً. تعرضنا للكثير من المضايقات في المدرسة.

وحين تخرّجت من الثانوية العامة تقدّمت لمواصلة دراستي الجامعية في جامعة البحرين -الجامعة الرئيسية الحكومية في البحرين- لكنّي لم أحصل على قبول فيها، وحين سألتهم قالوا بأني لم أنجح في المقابلة. في تلك المقابلة وجّهت لي أسئلةً سياسية لا تتعلق بالجانب الأكاديمي، وسألوني عن وضع والدي وكان ذلك استهدافًا مباشراً وواضحاً. أمي أيضاً  تم فصلها من العمل في العام 2011 بسبب نشاط الوالد. الاستهداف شمل العائلة بأكملها.

أمضيت عامين في الدراسة في بريطانيا، وبعدها عدتُ كي أرى والدي في الزيارة رغم عدم رضاه وقلقه عليّ، وبالفعل تعرّضت لمضايقات ومنعوني من السفر لفترة، وتعرضت للتحقيق والضغط.

اسمي آدم نبيل رجب، وهذا يعني أنني شخص مغضوب عليه، حتى لو لم أكن ناشطاً وليس لي صوت معارض، يكفي اسم نبيل رجب في هويتي لأصير في القائمة السوداء، وأحرم من الدراسة، ومن العمل، ومن كل شيء.

كيف تواجهون ذلك كله؟

نحن لا نملك غير الكلمة، نصرّح ونصرخ بأعلى أصواتنا لعلّ أحدًا في هذا العالم يستمع لنا. داخل البحرين حاولنا بكل الطرق ولم تستجب لنا المؤسسات المحلية التي يفترض أن تكون هذه القضايا ضمن مهامّها وتقوم بمعالجتها.

دوليًا، قادت منظمات حقوق الإنسان العالمية حملات رائعة للدفاع عن والدي، مثل منظمة العفو الدولية، ومنظمة هيومن رايتس ووتس، وحتى الأمم المتحدة ومؤسساتها، والكثير من المنظمات، ونحن نتواصل معهم بشكل دائم، نتواصل مع البرلمان الأوروبي، والأمم المتحدة وكل الجهات التي يتعلق عملها بمسائل حقوق الإنسان، نتواصل معها لعلّه يحدث شيء ما، ومطلبنا الأساسي هو الإفراج عن والدي لأنه مسجون ظلمًا.

وضع نبيل رجب اليوم

اليوم والدي موجود في سجن جو المركزي، في سجن معزول. وللعلم فإن سجن جو فيه قرابة 4000 سجين بحريني، كلهم أو معظمهم يوضعون في عنابر مع بعضهم. لكنّ والدي قد يكون هو السجين البحريني الوحيد، أو السجين السياسي الوحيد الذي تم وضعه في سجن معزول عن كل السجناء السياسيين وعن كل المعتقلين البحرينيين.

والدي يتواجد في زنزانة مساحتها ثلاثة أمتار وعرضها ثلاثة فقط، يشترك معه فيها  تسعة سجناء آخرين، المكان ضيق جدًا، يقول والدي إنهّا زنزانة صعبٌ التنفّس فيها، لا أستطيع أن أتحرك من مكاني، في وقت النوم أحيانًا أدوس على بعض السجناء النائمين كي أستطيع المشي.

 معه في الزنزانة سجناء كلهم أجانب، من بلاد شرق آسيا، جيء بهم للعمل في الدعارة في البحرين، استغلالًا لحاجتهم، وكلهم وأغلبهم لا يتحدثون لا العربية ولا الانجليزية. من هنا يتبيّن أن والدي تركوه عمداً معزولًا في ظروف صعبة، كل ذلك من أجل كَسرِهِ وإِذلالِه، لا يسمحون له بالقراءة أو الكتابة، وهو يظل لمدة 22 ساعة يومياً محبوسًا داخل تلك الزنزانة.

المطلب الأساس

مطلبنا الرئيسي هو الإفراج عن والدي، لأنه رجل ناضل من أجل حقوق الإنسان، ناضل من أجل العدالة، ناضل من أجل الحريات، نحن نطالب بالإفراج عنه لأن مكانه ليس في السجن، مكانه في الخارج، مكانه في العمل الحقوقي، مكانه في المجتمع الدولي ومع العالم، ليس داخل السجن.

وإذا لم يطلقوا سراحه، فإننا نطالب بتحسين وضعه في السجن. السجن عادةً يكون لإعادة تأهيل المجرم. والدي في سجن يُطلق عليه دار الإصلاح والتأهيل في جو، لكنّه ممنوع من القراءة، ممنوع من الكتابة، إذن ماذا يعنون بإعادة التأهيل؟!  

نحن نطالب بالسماح له بحقوقه، السماح له بالعيش في السجن، لماذا يتم الانتقام منه؟

الآن، ما العمل؟

مواصلة العمل لأجله، هذا العبء على أكتافنا منذ اليوم الأول لدخول والدي إلى السجن، وسيبقى هذا العبء على أكتافنا حتى يوم خروجه، نحن نعمل بقدر ما نستطيع، ليس هناك باب أستطيع طرقه لأجل إطلاق سراح والدي ولم أذهب إليه، وكذلك أسرتي. ذهبنا لكل مكان، للأمم المتحدة ومؤسساتها، في البرلمان الأوروبي تكلمنا، كل مكان نستطيع أن نصل إليه ذهبنا وتحدّثنا عن قضية الوالد.

والدي مسجونٌ ظلمًا، حين أخلد للنوم على وسادتي أتذكر أن أبي الذي أحبّه في السجن، ينتابني شعور بالغبن.

هل تمنيت أنه كان رجلاً عاديّاً؟

أنا أتمنى يكون الوضع أفضل في البحرين، أتمنى لو كان هناك مجال متاح للوالد ليعمل من أجل حقوق الإنسان، والدي لم يصبح ناشطًا في مجال حقوق الإنسان دون سبب، أصبح ناشطاً لأنّ هناك أسبابًا ومشاكلَ واقعية في البحرين تحتاج إلى الحل، لذلك بادر هو من أجل المساعدة في ذلك.

أتمنى أن يتم إصلاح الأوضاع في البحرين، أتمنى أن أرى حقوق الإنسان محترمة في البحرين، أتمنى أن أرى الإنسان محترمًا، أتمنى العدالة للكل. وطبعًا أتمنى أن يكون والدي  معنا، أسافر معه وأجلس معه، لقد مضت خمس سنوات تقريبًا وهو في السجن،وقد تبقّت خمس أخرى، هذا يعني أن عُمره يمرّ ويتبدد وهو في السجن.

لقد تخرجّت من المدرسة وهو في السجن، وسوف أتخرّج من الجامعة بعد شهرين وهو ما زال في السجن، مشتاق أن أراه، سنوات جدباء مرّت ولم أعش مع والدي.

إنني أتمنى وجوده معي، لكنّي أيضًا أفهم نضاله من أجل حقوق الإنسان وأقرّ بفائدته،  أرى الآن الناس في البحرين كيف صار لديهم الوعي الحقوقي بشكل رهيب، لقد انتشر هذا الوعي بين الشباب بفضل الوالد وبفضل نشطاء حقوق الإنسان، كلمة حرية التعبير، أو حق تقرير المصير قبل عشر سنين لم تكن مفهومة، اليوم كل الشباب البحريني يتكلم عن حرية التعبير بفضل النشطاء الذين بثوا هذا الوعي الحقوقي بين الناس.

مسيرة الصلاح

مسيرة الوالد مسيرة صلاح، وطريق الصلاح ليس محدّدا بمجال حقوق الإنسان فقط،. لقد علّمنا الوالد أن كل هذه الحياة ليست لها قيمة إذا لم تكن لخدمة الإنسان. كل ما نقدمه، وكل ما نعطيه هو في خدمة البشر. كل طريق يمكن من خلاله خدمة البشر هو طريق خير، سواءٌ كان في مجال حقوق الإنسان أو في أيّ مجال آخر.                            


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus