وأصبح فؤادها فارغًا .. قصة المرأة التي جلست قبالة بوابة سجن جوّ

الحاجة مريم حسن سلمان
الحاجة مريم حسن سلمان

2021-04-18 - 6:39 م

مرآة البحرين (خاص): من هي هذه المرأة التي شاهدها البحرينيون عبر وسائل التواصل الاجتماعي، جالسة على الرصيف المقابل لبوابة سجن جوّ المركزي، تسأل بلطف الضباط والشرطة التي تنتشر حولهم، أن يطمئِنوها على أبنائها الثلاثة القابعين وراء تلك الأسوار العالية.  

بعد انتشار خبر اقتحام كتيبة أمنية للعنبر الذي فيه اثنان من أبنائها، أصبح فؤادها كقلب "أم موسى" فارغاً، لم تستطع الجلوس في المنزل، طار قلبها إلى سجن جوّ قبل أن تصل هي إلى هناك.

كانت تقول مساء أمس 17 أبريل 2021، للناشطة ابتسام الصائغ "شربت شربة ماء كانت هي إفطاري، لكنها دخلت في جوفي مثل الرماح، لا أدري أبنائي عطاشى او يتألمون أو أموات". 

غزا المقطع المصوّر لها أمس مواقع التواصل الاجتماعي، وهي تقول بلطف لمن لا يعرف اللطف "احنا مو جايين هني نحارب ولا جايين نسوي شي، جايين نتطمن على أولادنا بس"، لكنها لم تلق ما يُطمئن قلبها.

تأثّر لها كثير من الناشطين عبر منصات التواصل الاجتماعي. يوسف الخاجة غرّد بكلمات تعليقا على ذلك المقطع: "طمّنوا أمي.. دعوها تنام".

المواطنة مريم حسن سلمان (أم حسن)، من منطقة العكر، فاقت سنون عمرها الستين عاماً، هجرها النوم، ملأ قلبها الحزن ولم تعد قدميها تسعفانها على الوقوف.

لديها خمسة أبناء، وابنتان، وهما متزوجتان. عاشت أم حسن في ظل زوجها الحاج سلمان العكراوي الذي كان يمتهن صيد البحر، وربّى أولاده على الطيبة والشهامة، والجدّ والتعفف.

عانى الحاج سلمان مع عائلته حياة صعبة جداً في العام 2011 وما تلاه، فقد صار منزلهم مقصد كمائن مستمرّة يقيمها الضابط تركي الماجد وأخوه جهاد لاصطياد أبناء الحاج سلمان، وهكذا ساءت الحالة الصحية للرجل لكثرة المداهمات، فقلق الآباء على أولادهم قلق قاتل، لم يكن ينام، كان يبقى متيقظًا متوقّعا المداهمة في كل لحظة، يتوقع المداهمة فجرًا، ضحىً، ظهراً، عصرًا، ليلاً، في كل لحظة يخاف أن ينقضوا على المنزل ويكون أحد أبنائه بالداخل. 

وهكذا توفي زوجها يوم 6 نوفمبر 2013، لكن المداهمات لم تنقطع، لذا اختارت الحاج مريم في بعض المرات التحدث بصراحة مع تركي الماجد، لرفع أذاه الكبير لها ولعائلتها، لكنها لم تجد رجلاً يسمعها، لقد كان مجرّد شخص مسعور تم إرساله من قبل وزارة الداخلية، ولا يفقه شيئًا آخر.

ثلاثة من أبنائها تم اعتقالهم في العام التالي 2014، وهم: سلمان عيسى العكراوي وهو محكوم بالإعدام، وإبراهيم محكوم بالسجن لمدة 42 عامًا، الابن الثالث هو حبيب ومجموع أحكامه يفوق 70 عاماً.

الابنان الآخران المتبقيان معها، هما: حسن وعمره 42 عاماً، بسبب الفقر ظل عازبا، لكنه  تمكن أخيراً من الزواج قبل أسبوع واحد فقط، وهو مزارع بسيط، فقد استأجر مزرعة صغيرة، يزرع فيها بعض الخضار ويبيعها، الابن الثاني عبدالله يبلغ من العمر 40 عامًا، لا زال دون زواج،  ويعمل مع عمه في البحر في صيد الأسماك. 

بعد وفاة الأب وسجن ثلاثة من أبنائها، وضعف الحال المادية لولديها حسن وإبراهيم، بقيت العائلة في وضع مادي صعب بشهادة عدد من أهالي المنطقة، لكنها التزمت بصفة التعفف التي زرعها المرحوم الحاج سلمان.

 تحدث أحد الأهالي لـ «مرآة البحرين» قائلا  "إنها امرأة متعففة، يشقّ عليها قبول مساعدة من أي أحد. لقد أرسلتُ لها مع أمي ذات مرة مبلغا بسيطا جدا (بضعة دنانير) هو كل ما قدرتُ على مساعدتهم به، لأفاجأ في اليوم التالي إنها اشترت بطيخة لعائلتي وأحضرتها للمنزل (...) ليس سهلاً عليها أن لا تقدّم هي شيئًا أيضاً". 

كانت الحاجة في أيام حياة زوجها وفي وجود أبنائها، هي من تساعد، وهي من تعطي لمعارفها والمحتاجين، لكنّ الحال تبدّل كثيراً، وأضحت العائلة في وضع اقتصادي صعب جدًا. لقد بلغ بها الحال أن تستدين من أجل تأمين ضيافة بسيطة للحقوقية ابتسام الصائغ كلما جاءت تطمئن عليها.

على الرغم من كل ذلك، استمرت "أم حسن" امرأة قوية راضية حتى بعد صدور حكم الإعدام على ولدها سلمان، والأحكام الطويلة ضد ولديها حبيب، وإبراهيم.

ولدها المحكوم بالإعدام، تم اعتقاله في ديسمبر/ كانون الأول 2014، وبعد فترة وجيزة من الاعتقال عرض تلفزيون البحرين الرسميّ صورًا لسلمان، واصفًا إيّاه «بالإرهابي».

لقد تعرّض لكل أنواع التعذيب، خصوصا التعذيب بالكهرباء أثناء استجوابه في إدارة التحقيقات الجنائيّة، وأسندت إليه تهمة قتل أحد عناصر الأمن. لقد تم تعذيبه إلى أن وقّع على اعترافات تم إعدادها سلفا. بعد ذلك أُحيل إلى النيابة العامة دون حضور أيّ ممثّل قانونيّ، وفي 29 نيسان/ أبريل 2015، أدانت محكمة سلمان بالإرهاب وحكمت عليه بالإعدام، وهو الآن محتجَز في سجن جوّ بانتظار تنفيذ حكم الإعدام، إذا ما وقّع الملك على قرار إعدامه.

عادت الحاجة فاطمة سلمان مساء أمس من جوّ، دون أن تحصل على مطلبها البسيط وهو: اتصال مرئيّ" لتطمئن على أولادها، ربما كانت تتمتم في طريق العودة للمنزل: نذرٌ عليّ لئن عادوا وإن رجعوا.. لأزرعنّ طريق (السجن) ريحانا.