إبراهيم شريف: عبدالرحمن النعيمي أنقذ (وعد) من التفكك مرتين والجمعيات السياسية لم تذهب بعيداً في 2011

إبراهيم شريف وتبدو من خلفه زوجته ورفيقة دربه فريدة غلام - ارشيفية
إبراهيم شريف وتبدو من خلفه زوجته ورفيقة دربه فريدة غلام - ارشيفية

2021-11-19 - 3:05 ص

مرآة البحرين (خاص): قال الأمين العام السابق لجمعية العمل الوطني الديمقراطي وعد، إبراهيم شريف إن القيادي التاريخي للجبهة الشعبية ومؤسس جمعية (وعد) الراحل عبدالرحمن النعيمي منع انشقاقاً وانقساماً حاداً داخل الجمعية بسبب قانون الجمعيات السياسية في 2005 والموقف من الانتخابات البرلمانية في 2006.

حديث شريف جاء خلال مقابلة مطولة عبر برنامج بودكاست (ديوان) الذي تقدمه الإعلامية وفاء العم على موقع قناة  الميادين، الذي تحدث فيه عن حياته الشخصية بالإضافة إلى نشاطه السياسي منذ نعومة أظفاره وصولاً إلى دخوله السجن في 2011 بسبب دوره في الاحتجاجات المؤيدة للتحول الديمقراطي في البلاد.

  • طفولة إبراهيم شريف

تحدث شريف عن تأسيس فكره السياسي منذ طفولته حين كان يقطن "فريج ستيشن" في المحرق، وهو أحد الأحياء القريبة للمطار القديم، الذي كان يحوي في جانب منه ثكنة وقاعدة جوية بريطانية. يقول "عندما كنت في عمر السادسة، كنا نخرج بمعية أمهاتنا خلال فترة الصيف إلى البساتين الموجودة في قلالي وسماهيج والدير، وعند مرورنا على القاعدة البريطانية كانت تصدح حناجرنا كأطفال ونساء بشعار «عاش عاش جمال عبدالناصر، يسقط يسقط الاستعمار» بالإضافة إلى شعارات أخرى لازالت موجودة في ذاكرتي، والتي أسست فكري القومي العربي قبل التحاقي بالجامعة الأمريكية عام 1975".

وعن البيئة التي نشأ وترعرع فيها يؤكد شريف أنها كانت بيئة مختلفة "الحي كان للسنة، ولكن كنا نجاور فريج الحياك الذي فيه المآتم الشيعية المعروفة ويشكل مركز الشيعة وسط مدينة المحرق. كذلك مدرسة خالد بن الوليد التي درست فيها كانت مختلقة، ومع صداقاتي بزملاء شيعة، كنت منذ الطفول أزور المآتم ومواكب العزاء. عندما أعود للمنزل، كانت جدتي تسألني عن «الشيلات» التي سمعتها في موكب العزاء، فكنت أطلق «الشيلات» في منزلنا أمام جدتي وعدد آخر من النسوة كن يجلسن معها".

  • مرحلة الدراسة الجامعية وقصة الإبعاد من أمريكا

كنت الرابع على دفعتي في القسم العلمي، توجهت للجامعة الأمريكية في بيروت عام 1975، إلا أن اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية اضطرني للمغادرة، فاخترت الدراسة في ولاية تكساس الأمريكية ابتداء من العام 1976. كنت حينها مسؤولاً عن القطاع الطلابي في كندا، وأزورها بصفتي الحزبية، بالإضافة إلى علاقة الحب التي نشأت بيني وبين زوجتي (فريدة غلام)، حيث كانت هي الأخرى تدرس في كندا.

في إحدى الزيارات لكندا، سلمني الإخوة المناصرون للثورة في عُمان مجموعة من الوثائق والأزرار «الشارات» التي يتم تعليقها على الملابس، وأحد هذه الأزرار كان مرسوما عليه صورة امرأة ظفارية تحمل الكلاشينكوف، ويبدو أن هذه الصورة أثارت انتباه ضابط الجوازات الأمريكي ليقوم باستدعاء اثنين من المحققين في الشرطة الفيدرالية FBI. تم التحقيق معي حول الصور والوثائق التي بحوزتي وتم التركيز على صورة الفتاة التي تحمل سلاح الكلاشينكوف الروسي، وبعد التحقيق تم الختم على جوازي ومنعي من دخول أمريكا بسبب دعمي لمنظمة تخريبية Subversive organization، حيث لم تكن حينها مفردة منظمة إرهابية متداولة بعد.

بقيت في كندا حتى انتهاء المدة المسموحة لي، بعدها غادرت لبريطانيا ووكلت محامياً لمتابعة موضوعي مع أمريكا، لكن موظف الجوازات البريطاني عندما شاهد ختم المنع من دخول أمريكا، قام بمنعي من دخول بريطانيا أيضا وتم إبعادي للبحرين مباشرة.

  • عادل فليفل ومصادرة جواز السفر

بعد عودتي بأسابيع تم اعتقالي، حاول والدي استغلال علاقته الجيدة بالسلطات للإفراج عني، لكنهم قالوا له "لو كان ولدك قد قتل شخصاً، لأطلقنا سراحه لكنه مسجون لأسباب سياسية".

حقق معي في السجن محقق باكستاني يدعى "عبدالعزيز"، وكان يهددني بالضرب لكنه لم يقم بضربي، إلا أن عادل فليفل هو الذي ضربني. لم يكن فليفل مسؤولاً عن قضيتي، لكنه هو الذي قام بضربي "عطاني چم طراق"، وصادر جوازي ووضعه في الدرج وحبسني لمدة 15 يوماً.

لم يكن من المفترض الإفراج عني، إلا أن الحملة الجديدة التي كانت على الجبهة الإسلامية آنذاك، جعلتهم يقومون بإخلاء السجون من السجناء الآخرين، وعليه فكنت محظوظاً لأنهم أفرجوا عني بعد أسبوعين من السجن فقط، لأبدأ بعدها رحلة البحث عن عمل.

بسبب مصادرة جوازي فإن فكرة السفر لاستكمال الدراسة كانت قد ألغيت عملياً، كان يفصلني عام واحد من التخرج كمهندس ميكانيكي، لكني لم أكن أملك أي خيار بهذا الشأن، وصرت أبحث عن عمل. في يوليو 1980 مع بدء الحرب الإيرانية العراقية سمعت عن أحد المصارف وبحثه عن موظفين يجيدون اللغة الإنجليزية. ذهبت للبنك وقابلني هناك موظف بحريني، وعندما علم بدراستي الهندسية رفض توظيفي، لكن مسؤوله الهندي سمعني بالصدفة، وهو كان مهندساً، فطلب مقابلتي وأجرى لي اختباراً سريعاً ووافق على توظيفي في مهنة "محلل مالي" لتقودني هذه المهنة إلى مجال مختلف تماماً لم أكن قد خططت له مسبقاً.

  • شريكة حياة إبراهيم شريف «فريدة غلام»

عرفت فريدة في العام 1977، التقيتها في ديسمبر من ذلك العام في مخيم طلابي في تكساس. كانت قادمة من كندا وأصيبت بوعكة صحية لأنها مصابة بالتلاسيميا. كانت صفراء اللون ومتعبة جداً، كانت تثير شفقتي، لكن الشفة تلك تحولت إلى حب جارف لاحقاً. هي كانت كل شيء في حياتي منذ ذلك الوقت، هي رفيقتي وصديقتي. لا أملك أصدقاءً ألتقيهم يومياً عدا فريدة التي أراها في اليوم أكثر من مرة.

هي مركز كل شيء بالنسبة لي، إذا كانت لدي هموم أسررتها لها، إن كان يتملكني الغضب أخرجته عليها، وإن كان لدي حب عبرت فيه لها، وهي تتحملني في كل تلك الأحوال والأوضاع.

بدأ اهتمامها بالنشاط الطلابي، تماماً مثلي، لكنها لاحقاً أصبحت متخصصة في قضايا المرأة، أما أنا فصرت مهتماً بالشؤون السياسية المحلية والدولية والقضايا الاقتصادية.

  • الزيجات المختلطة في وعد و"الطائفية"

لدينا في وعد شيء فريد من نوعه يتعلق بالتنوع، كان للجمعية أربعة أمناء عامين منذ تأسيسها في 2001، أول أمين عام كان عبدالرحمن النعيمي وزوجته كانت ابنة عمه، بعدها أنا سني لكن زوجتي شيعية، ومن بعدي رضي الموسوي شيعي متزوج من سنية، وبعده فؤاد سيادي سني متزوج من شيعية، كذلك في المكتب السياسي لدينا شخصيات معروفة مثل يوسف الخاجة سني متزوج من شيعية. هذا هو جيل السبعينات، فكرة الزواج المختلط لم تكن مشكلة في المجتمع آنذاك، لذلك لم يكن أحد من ذلك الجيل لديه مشكلة في الزواج من المذهب الآخر.

من يتحمل اليوم المسؤولية الكبرى في الطائفية هي السلطة وسياساتها التمييزية. قوى المجتمع أيضاً تتحمل جزءاً من المسؤولية هي الأخرى، حين قررت التحشيد ضد الحكومة استخدمت التحشيد الطائفي، أنا أتفهم ما حصل، فالطائفة الشيعية مستهدفة فعلاً، لكن النتيجة غير المباشرة لهذا التحشيد هو حدوث شرخ طائفي.

رغبة الناس في الدفاع عن أنفسهم من خلال التحشيد الطائفي قد تكون مشروعة، لكنها ستترك نتائج سلبية على مستوى المجتمع تؤدي إلى تباعدات. المسؤولية الكبرى أولاً وأخيراً تقع على الدولة، حينما كانت سياساتها حكيمة في الخمسينات والستينات والسبعينات، تقاربت الطائفتان، لكنها لما أوجدت سياسات تقوم على التمييز والتهميش، تباعدتا.

  • عبدالرحمن النعيمي ودوره في حفظ وعد من الانشقاق

في 2001 صار عبدالرحمن النعيمي أول أمين عام لوعد، بعد حوالي عام ونصف انتهت الدورة وقرر عدم الترشح مرة أخرى، لكن بعد إصرار الموجودين قرر الاستمرار لدورة إضافية واحدة فقط لمدة سنتين. أكد لنا حينها إنه لن يترشح للأمانة العامة لوعد لأنه يريد التأسيس لتداول سلمي في وعد في الوقت الذي نطالب فيه بتداول سلمي للسلطة. كنا مهيئين لرحيله عن الأمانة العامة وعدم ترشحه. في 2005 كانت شخصيات أخرى مثل رضي الموسوي وعبدالله جناحي هم الأقرب للأمانة العامة بحكم خبرتهم السياسية الواسعة، لكن الذي زاد من حظوظي كان تقاعدي من عملي وتفرغي التام للعمل السياسي، وشغلي منصب نائب الأمين العام في الدورة 2003-2005.

لقد ترك النعيمي مكاناً كبيرا يصعب شغله من أي أحد فينا، كنا نتفاجأ من حجم العلاقات التي نسجها خارج البحرين وداخلها، بالرغم من كونه الأقل بيننا مكثاً في البحرين.

ساندني النعيمي كثيراً عند شغلي منصب الأمين العام، حتى حين إصابته بالجلطة، لقد مررنا بمنعطفات صعبة جداً إبان شغلي منصب الأمين العام، أبرزها قانون الجمعيات السياسية عام 2005.

كلنا أسسنا جمعياتنا وفق قانون الجمعيات الأهلية، لكن بوعود من الملك حينها بأنه لن يطبق علينا القانون ذلك، وهذا ما حصل، لحين صدور قانون الجمعيات السياسية.

وعليه فإن الجمعيات السياسية عملت بدون قانون يقيدها منذ 2001 حتى 2005. قانون الجمعيات السياسية كان مقيداً لنا، لقد منعنا القانون من إصدار صحافة حزبية، لقد قيدنا في العضويات ولم يسمح بانضمام أي شخص لم يبلغ الـ 21 عاماً، وهو ما يعني ضرورة إخراج أي شخص عمره أقل من 21 سنة من الجمعية.

أدى قانون الجمعيات السياسية إلى جدل كبير، وانتهى بانشقاق في الوفاق مثلاً (استقالة مشيمع من الوفاق)، لكننا قررنا الذهاب للجمعية العمومية وصوتنا بأغلبية ضئيلة مع التسجيل وفق القانون تحت شعار "التسجيل والتحدي"، وأنا على يقين أنه لولا النعيمي ودعمه خيارنا، لتفككت وعد حينها.

لحظة صعبة أخرى مررنا فيها في 2006، كانت لحظة قرار المشاركة في الانتخابات النيابية. أنا كنت من القلة الداعية للمشاركة في انتخابات 2002، وسط أغلبية رأت المقاطعة حينها، والآن رأيي أن قرار المقاطعة في 2002 كان صحيحاً، كان يجب الاحتجاج في 2002 بالمقاطعة.

كان خيار النعيمي المقاطعة في 2002، لكن في 2006 حين قررنا المشاركة، ساندني النعيمي في القرار، إلا أننا بسبب الخلافات الحادة اضطررنا للذهاب إلى الجمعية العمومية لحسم الأمر، وقد قررت حينها الجمعية العمومية بالموافقة على المشاركة بنسبة 60٪ مقابل 40٪ من مؤيدي المقاطعة. يومها حفظنا الجمعية من التفكك لأننا مارسنا الديمقراطية ولأن النعيمي كان بيننا.

أما فيما يتعلق بالموقف من الانتخابات الآن، فأنا بالطبع من دعاة المقاطعة منذ 2011 حتى الآن.

  • مرض النعيمي ووفاته

كان يحرص النعيمي منذ تركه منصب الأمين العام أن لا يظهر بمظهر الشخص الذي يقود وعد، خصوصاً وإنه كان يرأس الهيئة المركزية التي تراقب عمل الأمانة العامة. كان يظهر الدعم لي كأمين عام، بل في بعض الأحيان يطلعني على أي حراك سيقوم به إن كان يتعلق بوعد، وهذا ما حصل حين قرر الذهاب للقاهرة في آخر زيارة له قبل مرضه.

حرص النعيمي على مهاتفتي من القاهرة بعد أن حصل على دعوة لزيارة المغرب، اتصل بي ليأخذ رأيي في الأمر، وليتني لم أوافق على سفرته، هناك تعرض لانتكاسة صحية، أصيب بمشكلة في البنكرياس لم يتم السيطرة عليها، تحولت إلى حمم ومضاعفات، وأدت في النهاية إلى جلطة.

كنا في أمس الحاجة إليه، كان للتو انتهى من خوض انتخابات 2006 في دائرة قلالي وشرق المحرق، حصل حينها على معظم الأصوات، لكن المراكز العامة رجحت كفة منافسه السلفي، كنا في أمس الحاجة إليه حينها.

أردنا علاجه في منطقة قريبة، والحكومة عرضت علينا مشكورة نقله بالطائرة إلى الرياض، لكننا لم نقبل لمؤسس الجبهة الشعبية ومؤسس وعد أن يقال عنه أنه نقل إلى العلاج على نفقة الدولة، قمنا بجمع تبرعات وفاقت المبلغ المطلوب خلال يوم واحد، ونقلناه إلى المستشفى.

قبل ليلة من وفاته كنت في السجن وقد زارني في المنام، في اليوم التالي كنا على موعد مع جلسة من جلسات محاكمتنا، في الطريق قلت لهم إني رأيت النعيمي في المنام الليلة الفائتة، وصلنا لمبنى المحكمة والتقينا أهالينا، لم يكن عبدالرحمن النعيمي توفي بعد. خرج أحدهم من القاعة وعاد إليها، كان معه الخبر الصادق بوفاته.

لقد شعرت بوجود النعيمي إلى جانبي وأنا في أكثر فترات ضعفي في السجن، أثناء التعذيب وحين وضعت في الحبس الانفرادي، كنت على وشك الانهيار، لكني شعرت بالنعيمي إلى جانبي يسندني، كنت أشعر بالخجل في عدم قدرتي على تحمل التعذيب وأنا أحمل أمانة قيادة تنظيم أسسه عبدالرحمن النعيمي.

يجب أن أعترف، إنني كنت دائما أخجل من قيادتي لتنظيم فيه رفاق قضوا 30 عاماً في المنفى وآخرون دخلوا السجن لـ 7 سنوات. كنت أخجل دائماً كيف أنني أقود هؤلاء المناضلين لكنني لست مناضلاً، لكنني الآن حصلت على حصتي من السجن والتعذيب كما حصل عليه الآخرون من رفاقي في التنظيم.

  • محاكمة الرموز

في اليوم 54 من التعذيب جاءني ضابط صغير وقال بكرة لديكم محكمة، وكنا في نفس الليلة نتعرض للتعذيب، ذهبنا للمحكمة معصوبي الرأس. كنا نضرب طريقنا إلى المحكمة، داخل المحكمة فُكت العصابة، لكن طُلب منا النظر للأرض، كل ظروف المحكمة العسكرية كانت ظروف إرهاب، لما صدر الحُكم هتفنا بعد اتفاق بيننا "سلمية سلمية شعب يطلب حرية"، وأدى ذلك إلى ضربنا خارج المحكمة في ذلك اليوم.

طبعا نطق الحكم المؤبد على مجموعة، 15 عاماً على أخرى، وثلاثة أنا منهم حكموا بالسجن 5 سنوات، وآخر سنتين، الحقيقة الحكم بحق الإخوان كان مؤلما، عندما أقارن نفسي بالآخرين، فلم أحكم بشيء أصلاً.

أنا كنت أتوقع حكماً أقسى لأن التهم التي وجهت لي كانت خطيرة للغاية، كل الإفادات للإخوان قالوا فيها إن إبراهيم جاء ليقنعنا بعدم الذهاب لخيار الجمهورية، لكن التهم كانت كيدية.

قبل أن أسجن، لم أكن أتوقع تعذيباً أو حكماً طويلاً، كنت أتوقع أن يتم سجني لأشهر، لحين إنهاء الحراك في الشارع، ويتم إطلاق سراحي بعدها، لكن يبدو أنني حتى في العام 2011 لم أفهم السلطة كما يجب.

معنويات الرموز عالية، تناقشنا لاحقاً هل نستأنف في المحاكم المدنية، كان هناك رأيان، انتهينا من المحاكم العسكرية، وبسيوني كان يرى ضرورة إعادة المحاكمات في محاكم مدنية، وبالفعل تمت محاكمتنا أمام محكمة مدنية أصدرت ذات الأحكام ولم تختلف كثيراً عن المحكمة العسكرية، ناقشنا هل نذهب للاستئناف أم لا.

كان هناك رأي يرى عدم الذهاب للاستئناف، لأن الاستئناف اعتراف بالمنظومة القضائية الموجودة والأحكام ستكون هي ذاتها.

الرأي الآخر كان يرى الذهاب للاستئناف، لأن العيون مفتوحة على المحاكم المدنية، كي نطرح مرافعاتنا السياسية، وبالفعل في تاريخ المرافعات في البحرين، لا توجد مرافعات بهذه التفاصيل، عن التعذيب وغيره، أنا في مرافعتي تحدثت في أمرين اثنين، واحد عن التعذيب والثاني عن المحاكمة السياسية للنظام، وفي تاريخ البحرين لم تكن هذه الفرصة متاحة.

  • ولاية الفقيه والدولة الإسلامية

في العمل السياسي الحذر واجب، لكن المبالغة في الحذر يمنع صناعة التحالفات والبرامج المشتركة، الإسلام السياسي الشيعي في شكل معين وفي بلد معين قد لا يعجبني، لكن في بلدي إذا التجربة أثبتت أنني أستطيع العمل معه فإن المبالغة في الحذر يهدد هذا العمل المشترك. أنا لا أخشى فكرة ولاية الفقيه في البحرين.

 غالبية الفاعلين لا يريدون استنساخ التجربة الإيرانية، لديهم قدر من المعرفة والعلم بالظروف المحيطة بالبحرين، حتى التجربة في لبنان ليست استنتساخاً للتجربة الإيرانية.

التيار الشيعي في البحرين يستطيع أن يكون له نفوذ في المجتمع دون أن يحول الدولة إلى دولة دينية، لا أخشى من وجود أجندة يجري العمل عليها، خلال تجربتي وعملي لثلاثين سنة مع التيار السياسي الشيعي، لا أرى سببا لهذه المخاوف. هناك ملفات نصطدم فيها، مثل ما حصل في موضوع المعلقات، مع العلم أنه ليس صراعاً إسلامياً علمانياً، بل هو موضوع محدد ويجب حصره، لكن تمت مبالغته، والمبالغات تؤدي إلى تباعدنا عن بعضنا البعض.

  • حراك 2011: الجمعيات السياسية لم تذهب بعيداً

يجب عند مراجعة أحداث 2011 أن نعلم أن الذين قاموا بالحراك لم يكونوا الجمعيات السياسية، كانت مجاميع شبابية بالإضافة إلى البعض من تيار الوفاء تحديداً، لذلك لم تكن للجمعيات السياسية أي سيطرة على الحراك ومطالبه، وانقسمت الآراء في الدوار بشكل واضح خصوصاً بعد قتل المتظاهرين السلميين، حينها بعضهم ذهب بعيداً بالدعوة إلى الجمهورية، ومجموعة أخرى استمرت ومن بينها الجمعيات، على مطلبها في الملكية الدستورية، كنا في الدوار منقسمين وكل يروج لأجندته.

عندما ذهبوا للمرفأ، لم تكن الجمعيات معهم، ولم نكن نستطيع إيقافهم، كانت الطريقة الوحيدة في منع الآخرين الذهاب إلى اقتتال داخلي داخل الدوار وهذا ما لم نكن نسمح بحدوثه، لذلك إذا قال أحد أن المعارضة ذهبت بعيداً، فهذا الكلام غير دقيق، لأن الجمعيات تمسكت بنفس الطرح والمطالب التي رفعتها سابقاً.

الحكومة من جانبها حاولت تقطيع الوقت، وقامت بمفاوضات وأعطتنا مجموعة نقاط للتفاوض عليها في اجتماع، ولم تقبل بأي شيء طرحناه نحن، هي فقط قبلت بفكرة الحوار، وتجربتنا في الحوار بعد 2011 تثبت بأن الحكومة كانت من البداية تبحث عن تقطيع الوقت لتصل في النهاية لما كانت تريده في وضع جماعة الفاتح في قبال جماعة الدوار لتقول في النهاية أن ما يحصل هو خلافات مجتمعية ويجب حلها بينهم والحكومة لا دخل لها في ذلك.

من حق أي جهة أن تطرح رأيها أياً يكن، نحن نتحدث عن إمكانية تحقيق هذه المطالب، نعم مطلب الجمهورية لم نكن نراه قابلاً للتحقيق، وقبل ذلك حين طرح الإخوة شعار إسقاط النظام، ذهبت إلى قيادات الممانعة آنذاك وقلت لهم إن رأي الجمعيات السياسية واضح وليس هناك من إمكانية في إسقاط النظام، ودعوتهم للتركيز على شعار إصلاح النظام، وإن إصلاح النظام الذي نطرحه هو إصلاح شامل يؤدي الغرض الذي تريدونه بدون إسقاط النظام، لكن الإخوة رفضوا ذلك.

حصل نوع من التوافق الضمني في عدم ضرب بعضنا البعض، هم استمروا بطرحهم دون الإفصاح إنهم ضد مشروعنا تماماً، وكذلك فعلنا، لكن في الواقع كل منا عمل بطريقة مختلفة عن الآخر، هم ذهبوا للرفاع ونحن رفضنا الذهاب لهناك، ذهبوا لوزارة الإعلام ورفضنا، خرجوا من الدوار لكننا رفضنا الخروج منه وبقينا فيه.

نعتقد أن تغيير نظام الحكم بالإضافة إلى أنه مستحيل، إلا أنه قد يؤدي إلى مؤشرات حرب أهلية في بعض الأحيان.

  • مخاوف السنة مشروعة لكن المبالغة خطيرة

لدي علاقة قديمة بالتيار الإسلامي الشيعي منذ التسعينات، في زيارتي للندن في 1995 قابلت الشيخ علي سلمان، وأعتقد أن اللقاء كان بحضور الدكتور منصور الجمري والوزير السابق الدكتور مجيد العلوي، حينها سألني الشيخ علي، لماذا السنة ليسوا معنا، فقلت له إن مشكلة السنة معكم تنقسم إلى قسمين:

1- أن قيادة المعارضة الأساسية أصحاب عمائم (متدينين شيعة) والسنة لا يرون الرسالة بل يرون حامل الرسالة، وهذه مشكلة يصعب تجاوزها.

2- أن هناك مخاوف من قطاعات من السنة بفقدانهم بعض الامتيازات التي يمتلكونها على حساب الشيعة، وإنهم يخشون فقدان تلك الامتيازات.

وأرى أنه مع الوقت وتغير الأوضاع الاقتصادية وفهم الناس أن السلطة ليست بيد السنة، وأن السنة ليسوا المستفيدين الحقيقيين، حينها سيحدث التغيير. طبعا سيفيد كثيرا لو كانت المعارضة لا تقاد من قبل عمائم، لكن في النهاية هذا خيار الناس ولا يمكنك أن تفرض عليهم قياداتهم.

  • لا تغيير بدون إرادة شعبية

الأسرة الحاكمة لن تتخلى عن امتيازاتها بدون إرادة شعبية تفرض هذا التغيير، التغيير يحدث في وسط الناس. إذا وصلنا إلى كتلة حرجة في المواطنين، ليسوا أغلبية شيعية فقط حينها سيأتي التغيير.

أنا أعتقد أن تلك الفترة ستأتي، وتكون فيها كتلة "حرجة"، بمعنى أن المعارضين سيكونون من الشيعة والسنة على حد سواء، بالإضافة إلى الظروف الإقليمية المؤاتية، فالظروف الإقليمية مهمة جداً، البحرين بلد صغير، ليست بلداً مؤثراً لكنها تتأثر بمحيطها، إذا كانت الظروف الإقليمية مساعدة، أعتقد أننا سننتقل إلى تغيير ديمقراطي في البحرين.

لا مشكلة لدينا مع العائلة المالكة، لكن مشكلتنا مع العائلة الحاكمة لأن السلطة يجب أن تكون بيد لشعب.

لقد وقفنا ضد خطابات الكراهية، بعض القادة المسجونين اليوم، رفضوا رفع شعار الموت لآل خليفة، وهذا الخطاب غير مقبول لدى أغلبية المعارضين، لكنه ينطلق نتيجة تراكمات وسقوط الضحايا واحداً بعد الآخر.

هناك حاجة للمجتمع نفسه أن يتجاوز الكراهية، ليس هناك أشد مما قامت به قريش، لكن في فتح مكة الرسول عفا عنهم، وما فُعل بنا لن يكون أكثر مما فعلته قريش في المهاجرين، هناك تجربة إسلامية موجودة، والتسامح ليس فقط يطيب الجروح الداخلية في الإنسان، لكن يطيب جروح المجتمع أيضاً.

حالياً نحن نعيش ظروفا اقتصادية صعبة، بعد الميثاق أنفقت الدولة بشكل كبير جداً، وكانت تعطي العطايا لمن يستحق ومن لا يستحق، وقد راكمت ديوناً وصلت اليوم إلى 130٪ من الناتج المحلي، وسنصل إلى 150٪ خلال سنتين إلى ثلاث سنوات. نحن حالياً من أكثر دول العالم مديونية، وسبب عدم انهيارنا الاقتصادي يعود إلى كرم جيراننا السعودية والإمارات والكويت.

إننا بحاجة لإصلاح اقتصادي، لكن لا يمكن إجراء إصلاح اقتصادي دون إصلاح سياسي، وكلما تأخرنا ورهنا سياساتنا الاقتصادية للخارج، كلما قدمنا تنازلات أكبر.