عباس ميرزا المرشد: البحرين وخردة السفن العسكرية.. وهم القوة والعظمة
عباس المرشد - 2022-04-01 - 5:06 ص
في احتفال ضخم أرهق موازنة الدولة المنهارة اقتصاديا وقف ملك البحرين بين خمس سفن عسكرية يعطي دروسا في السلام الدولي ودور قوته البحرية المتواضعة في تحقيق الأمن والحماية لمواطنيه. من الصعب على أي مواطن في الداخل أن يصدق قدرة هذه السفن المتواضعة عسكريا على توفير أمن حقيقي إزاء التحديات الأمنية التي فرضتها السياسات الفاشلة داخليا وخارجيا، كما إن الجوار الإقليمي على معرفة تامة بعدم قدرة القطاع العسكري البحريني على حماية نفسه من أي خطر عسكري متوقع.
إذن ما الذي يفعله ملك البحرين تحديدا في هذه الاستعراضات العسكرية؟ وما هي الرسائل التي يريد أن يبعثها للداخل والخارج؟
في 1973 زار حمد بن عيسى( الملك الحالي) العاصمة البريطانية لندن بمعية خليفة بن أحمد (قائد قوة الدفاع) وخالد بن أحمد (وزير الديوان) من أجل عقد مباحثات للحصول على دعم بريطاني لقوة دفاع البحرين التي أنشأها حمد بن عيسى في نهاية ستينيات القرن الماضي، وكان وقتها يشغل منصب ولي العهد.
الزيارة اعتبرت فاشلة من ناحية امتناع بريطانيا عن تقديم أي دعم حقيقي لبناء قوة دفاع البحرين وتفضيل توفير دعم أكثر لرئيس الوزراء الراحل خليفة بن سلمان وتعزيز أجهزة وزارة الداخلية وأجهزة الاستخبارات برعاية إيان هندرسون. رغم ذلك سعى حمد بن عيسى عكس نصيحة البريطانيين بالاستعانة بضباط الأردن والسعودية لبدء تشكيل القوة الجوية لقوة دفاع البحرين واعتمد على القوة القبائلية لتعزيز موقعه الدفاعي المضاد لسلوك عمه خليفة بن سلمان.
منذ ذلك التاريخ ظلت الدول العظمى تتحوط في تلبية رغبات حمد بن عيسى لبناء قوة دفاعية متقدمة، اعتقادا منها أن سلوك الدول الصغيرة ناحية العسكرة المتضخمة، هراء وفقاعة، لا يمكن الوثوق بها عند هبوط المخاطر الحقيقية.
بعد أكثر من 50 عاما على تشكيل قوة دفاع البحرين كقوة حماية, عجزت تلك القوة عن حماية نفسها وحماية عرش حكم العائلة في مرات كثيرة. يتذكر معاصرو انتفاضة التسعينdات حرص حمد بن عيسى على استخدام قوات دفاع البحرين لسحق الانتفاضة السلمية في 1996، كما يتذكر الجيل الحالي استعانة حكم العائلة بقوة التدخل السعودية وقوات إماراتية لسحق ثورة 14 فبراير 2011.
عودة إلى السؤال أعلاه، ما الذي تفعله خردة السفن العسكرية الخمس؟ إنها باختصار تشير إلى رغبة دفينة في خلق أساطير قومية خاصة، تلبي وهم القوة والشعور بالفشل في تحقيق مكتسبات سياسية حقيقية. ورغم أن الأساطير القومية قد تلبي حاجة الإحساس بالهوية وتقوي التضامن الداخلي بين أفراد بيت الحكم المشبعين بالنزعة العسكرية، لكنها على المستوى الخارجي كما يؤكد المؤرخ بول كندي قد تظلل الدول أحيانا لتتصرف بحماقة. بل إن هذه النزعة ناحية البناء الوهمي للقوة، قد تحرك الدول نحو التصرف بعنف تجاه جيرانها، ونحو رفض حل النزاعات القابلة للحل بطريقة سلمية وتزيد حدة هذه المخاطر إذا ما كانت الرسالة الرئيسة متضمنة نزعة شوفينية.
ستكون الصورة أكثر وضوحا إذا ما أضيف إلى ما سبق من أسباب ذاتية، أسباب أخرى لها صلة أكثر بسياقات الاتفاقيات الأمنية الأخيرة التي تم توقيعها مع الكيان المؤقت، وبالأخص تعيين ضابط عسكري للكيان المؤقت في قلب القاعدة البحرية الامريكية. فمثل هذا الاتفاق يتوافق والاستعراض العسكري لخردة السفن المعروضة ورسالة طلب تسخيرها لخدمة ضباط الارتباط العسكري ومن ثم الانتشاء بالشعور بالقوة عبر الانتساب إلى حلف عسكري ضخم بزعامة الكيان المؤقت ورعاية أمريكية عليا.
بهذا الحد فإن الرسالة التي يريد حكم العائلة إرسالها إلى الخارج، تبدو ساقطة وفاقدة المعنى حقيقة نظرا لكون جميع أنظمة الخليج العربية منخرطة في الأحلاف العسكرية نفسها، وجميعها تخضع لسياسات الراعي الأمريكي والبريطاني. وهذا يؤكد بعد الوهم بناء القوة الموجه ناحية دول الجوار. في حين أن الرسالة الأهم تفهم داخليا على أن مسار عسكرة الدولة هو تفضيل استراتيجي لدى العائلة وأنه المساحة الأهم لتقاسم السلطة والقوة بين أفراد العائلة الحاكمة.
في نهاية المطاف يدرك الجميع أن الدول الصغيرة لا تحتاج إلى قوة عسكرية متضخمة ولا إلى استعراضات قوة هي أعجز عن دفع الأخطار الحقيقة التي تواجهها. بل حتى إن سياسة الأحلاف العسكرية المتعددة والانخراط في عملية تخادم مكشوفة تكاد تكون صناعة أوهام فاشلة. فما يحمي الدول الصغيرة هي نسج علاقات داخلية قوية مبنية على تعاقد اجتماعي صلب. أما الالتجاء إلى خلق أساطير واهمة وصرف خزائن الدولة على منظومات عسكرية فاقدة القيمة العملية فنهايته التدمير الذاتي للدولة.
*كاتب وباحث من البحرين.