البحرين: البحث عن "ميثاقية شيعية" في حكومة ستستقيل بعد 6 أشهر

الملك وولي العهد مع الوزراء الجدد في جلسة القسم
الملك وولي العهد مع الوزراء الجدد في جلسة القسم

2022-06-20 - 6:42 ص

مرآة البحرين (خاص): بعد 6 أشهر من الآن، ومع افتتاح الفصل البرلماني الجديد، ستستقيل الحكومة في البحرين مجبرة، بحكم المادة 33 من الدستور. بذلك ستصبح الحكومة الجديدة التي شكّلها ولي العهد الأسبوع الماضي أقصر الحكومات عمرا!
لماذا لم يسع ولي العهد أن ينتظر 6 أشهر أخرى ليعلن حكومته الجديدة؟ هل ستبقى الوجوه الجديدة في مكانها؟ أم أنّها يجب أن تجتاز "فترة العمل التجريبية" أوّلا؟
اختار ولي العهد هذا التوقيت لإجراء هذه التغييرات الواسعة لسببين: منح الوجوه الجديدة مهلة تجريبية في ظل الفراغ التشريعي، لا ينشغلون فيها بالمهاترات مع النوّاب، واستباق القمّة الخليجية المشتركة مع الرئيس الأمريكي جو بايدن خلال زيارته السعودية الشهر القادم.
يعضّد ذلك سياق من الأحداث الموازية، أهمّها السماح للطائفة الشيعية بإقامة صلاة الجمعة مجددا، ثم التراجع عن قرار حل جمعية التوعية الإسلامية (المؤسسة التعليمية والثقافية للطائفة الشيعية منذ 50 عاما) وتعيين مجلس إدارة مؤقّت من شخصيات مقبولة، وذلك بالتراضي مع إدارة الجمعية السابقة.
ما يؤكّد أيضا أن الأمر له علاقة بقمّة بايدن، هو زيادة الوجوه النسائية في التشكيلة إلى 4، للظهور ضمن الاتّجاه العالمي لتمكين المرأة.
بخلاف خلط الأوراق قبيل قمّة بايدن، والظهور مجددا في مظهر المصلح، هناك أكثر من عصفور يريد ولي العهد أن يضربه بحجر التشكيلة الحكومية الجديدة.
بسط ولي العهد سيطرته على الحكومة واجه تحديات كبيرة، أهمّها كان في وزارة النفط التي يحكمها نجل المشير خليفة بن أحمد قائد الجيش والزعيم الثاني لجناح الخوالد. استدعى ذلك إجراءات تحد من صلاحيات الأخير شملت إزاحته عن الشركة القابضة للنفط والغاز، وتحدي موقعه بتعيين ناصر بن حمد مكانه، وصولا إلى إزاحته عن المشهد كلّيا بعد 6 سنوات من توليه الوزارة.
أزيل كذلك أحد وجوه الحقبة السوداء، ووزير آخر من جناح الخوالد، هو وزير العدل خالد بن علي آل خليفة. ورغم أن الغموض يكتنف أسباب إزالته، وهو الرجل الذي استولى على المشهد السياسي مع سحق انتفاضة 14 فبراير، وتولّى حملات التدليس والفبركة والتهديدات السياسية علنا، لكنّ شخصا مثله لا يمكن أن يُزال بهذه الطريقة إلا وقد أصبح عبئا ثقيلا.
ولنفض الغبار عن قاعة المجلس، غادر أيضا وزراء آخرون ليس لهم محل من الإعراب وبعضهم من الحرس القديم جدا، مثل محمد المطوع، وكمال أحمد، وباسم الحمر، والأخير كانت التضحية به مجدية بعد الضجّة التي أثارتها بيوت الإسكان في المدينة الشمالية.
متتالية الفشل والإخفاق في حكومة ولي العهد، وفي عهد الحكومات الثلاث الذي سبقها، جعلت التخبّط سيد المشهد. فحتّى قبل سنين بسيطة كانت شعارات مرحلة التوازن المالي هي الدمج والحكومات المصغّرة، أما اليوم فأعيد تقسيم الوزارات التي دمجت، واستحدثت وزارات أخرى (سرعان ما ستلغى لاحقا)، لأهداف بعضها غير مفهوم، وبعضها لفشل عملية الدمج في تسيير أعمال القطاعات الحكومية.
اختلاق وزارات للسياحة والزراعة والبيئة والتنمية المستدامة (على الورق بالطبع، ودون خطط استراتيجية ولا مشاريع حقيقية) لا يعدو استجابة مزيّفة لحاجة حقيقية.
باختصار، ولي العهد يريد أن يجرّب. حتى بعد 23 عاما من دخوله المشهد السياسي لا زال يريد أن يجرّب. وإذا تساءلت عن معايير سلمان بن حمد في اختيار الوزراء، فلن يخفى عليك أن الغالبية العظمى من اختياراته تقع على الموظفين الذين عملوا لديه في مجلس التنمية الاقتصادي منذ أن تأسس كحكومة ظل، أو عملوا بديوانه، أو بمكتبه حين عُيّن نائبا أول لرئيس مجلس الوزراء. إنّهم أشخاص يعرفهم جيدا، ويعرف ولاءهم جيدا، والأهم أنّه "يرتاح" هو شخصيا للعمل معهم.
المعايير الأخرى بسيطة، فإلى جانب أن يكون شابا، إما أن يكون خرّيج جامعة بريطانية أو أمريكية، أو سيكون ابن عائلة معروفة (حتى لو كان شيعيا)، أو عليه أن يجمع بين الاثنين. سنجد في التشكيلة الحكومية 2 من عائلة حميدان، و 2 من عائلة العصفور، و 2 من عائلة الزياني، و 3 من عائلة النعيمي.
حوت التشكيلة بعض الوجوه التكنوقراطية، مثل الوزير محمد الحواج، والوزيرة جليلة السيد، لكنّها حوت أيضا أسماء تشوّش المنطق السليم، مثل رمزان النعيمي، صاحب السيرة الذاتية الخارقة التي تنقل فيها خلال سنوات من قاض إلى مدير معهد الدراسات القضائية ثم التف إلى وزارة الإعلام! (مؤهّلاته هنا تأليف القصائد الغنائية في مدح الملك)

من جانب آخر، ولأوّل مرّة في تاريخ الحكومة، تقلّص عدد الوزراء من العائلة الحاكمة إلى 3، بجانب رئيس الوزراء نفسه.
يريد الناس أن يصدّقوا نوايا ولي العهد، لكنّه مرّة تلو الأخرى يثبت أنّ كل ما يفعله مجرد جعجعة. الضرر الذي تسبب به أسلوبه في الحكم والإدارة جعل الناس يحنون إلى عهد خليفة بن سلمان السيء! لا أحد يثق بأفكاره ولا بوعوده ولا عقيدته السياسية. لا أحد يعرف ماذا يهمّ هذا الرجل ولمن يكترث؟
تسلّم التكنوقراط الشيعة وإخوانهم الوزارات الخدمية، مع ذلك، هل سيكون لديهم أي صلاحيات أم سيكونون دمى يحرّكها ولي العهد وفق هواه ومصالح عائلته. وبعد أن تحوّلت أفكار "حكومة تمثل الإرادة الشعبية" إلى تابو، هل ينتظر أحد أن يشكّل الوزراء الشيعة التسعة ثلثا معطّلا، أو "ميثاقية شيعية"؟
لا يبحث ولي العهد، الذي صار يمكن أن يشغل منصب الملك (بالنيابة) ورئيس السلطة التنفيذية بذات الوقت -في أمر قد يبدو منافيا للدستور- إلا عن برستيج يصمد لشكل حكومته ونظام حكمه المخفق.
ولي العهد رجل علّمته نظريات الإدارة الفاشلة أن عليه أن يتدخل في كل شيء ويدير كل شيء، مع أنّه يواجه أزمات عميقة في الاقتصاد وفي عمل الحكومة، تسبّب بها على سنوات أسلوب إدارته الفاشل بشكل مباشر.
أبعد ما يمكن أن يطرح هو هل سيقلل مخطط ولي العهد مستوى الكراهية له ولعائلته في الوسط الشيعي والشعبي عموما، هل سيعالج أيا من إخفاقاته الكبرى على مستوى الحكم، ولو قليلا؟ يحتاج الأمر أكثر من 6 أشهر، و9 أسماء!