حسن قمبر: ملك البحرين «أنا خليفة بلفور وشرطيّ الخليج القادم»
حسن قمبر - 2023-02-27 - 8:27 م
هكذا يريد أنْ يُصبح «ملك البحرين حمد بن عيسى»، خليفة لوزير الخارجيّة البريطانيّ «آرثر بلفور»، ووريثًا لشاه إيران «محمّد رضا بهلويّ» الذي لُقّبَ «بشرطيّ الخليج»، رغم الاختلاف الزمانيّ والمكانيّ لهذه الأسماء الثلاثة، لكنّ هناك قواسم مشتركة أوجدتها المجريات الحديثة.
وكما يُحدّثُنا التاريخ بأن رسالة الوزير البريطانيّ «آرثر بلفور» إلى المصرفيّ البريطانيّ «ليونيل دي روتشيلد» في 2 نوفمبر/ تشرين الثاني 1917، أدّت إلى قيام دولة الكيان عام 1948، وما تبع ذلك من حروب وأزمات في الشرق الأوسط، إذ كان «اللورد روتشيلد» أحد زعماء اليهود في بريطانيا، لينقل هذه الرّسالة إلى «الاتّحاد الصهيونيّ لبريطانيا العظمى وإيرلندا»، أعقب ذلك نشر نصّ «وعد بلفور المشؤوم» في الصحافة في 9 نوفمبر/ تشرين الثاني 1917، ومضمونها "إقامة وطن قوميّ للشعب اليهوديّ في فلسطين" بأمر الحكومة البريطانيّة التي لا تملك الأرض.
وفي تاريخنا المُعاصر وقّعت الإمارات والبحرين اتفاقيّة التطبيع مع الكيان الصهيونيّ في 20 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، في البيت الأبيض بالعاصمة الأمريكيّة «واشنطن»، وربما تكون مصادفة تاريخيّة أن يتمّ ذلك في نفس الشهر بعد أكثر من مائة عام.
شكّلت هذه الاتفاقيّة نقلةً كبيرةً في العلاقات بين الكيان الصهيونيّ والبحرين بدعمٍ من نظام «الملك حمد بن عيسى»، وترويج عناوين فضفاضةٍ كالسّلام والتعايش السلميّ والتسامح بين الأديان، رغم السلوك الفاضح والفاقع للتمييز والاضطهاد الطائفيّ من النظام في البحرين، ضدّ غالبيّة المواطنين الشّيعة باستهداف شعائرهم ومعتقداتهم الدينيّة، فيما بادر النّظام بتحمّل جزءٍ كبيرٍ من كُلفة ترميم «الكنيس اليهوديّ» بالعاصمة المنامة، كتمهيدٍ لإنشاء حيٍّ يهوديّ في البحرين بعد استحواذ الكنيس على قطعةِ أرضٍ مجاورةٍ له، في الوقت الذي ينفي باستمرار رئيس الجالية اليهوديّة في البحرين «إبراهيم نونو»، علمه عن توجّهٍ لتأسيس حيٍّ يهوديّ، "وتَرْكِ ذلك للمستقبل" - بحسب ما صرّح للصحافة المحليّة.
إلّا أنّ زيارة رئيس الكيان «إسحاق هرتسوغ» إلى البحرين في ديسمبر/ كانون الأول 2022، ولقاءه بملك البلاد والجالية اليهوديّة في البحرين، تكشف لنا مؤشرات التوجّه لتوسيع «الرّقعة السكانيّة» لليهودِ في البحرين، باستملاكِ عقاراتٍ في مختلف أرجاء البلاد، وقد أكّدت «القناة السابعة الإسرائيلية» قبل أيامٍ قليلةٍ فقط، أنّ «شركة هيمنوتا» المملوكة للصندوق القومي اليهودي في الكيان، قد اشترت جزيرة خاصة بمساحة «9554 مترٍ مربعٍ» في البحرين مقابل «21.5 مليون دولار أمريكيّ»، خلال مزادٍ طرحته «الشركة العربية للمزادات»، إلّا أنّ القناة سحبت الخبر من موقعها، إثر تصريحاتٍ خطيرةٍ كشفها ممثل «حزب أبيض أزرق» في مجلس إدارة الشركة «أفيري شناير»، والذي أشار إلى أنّ هدف "استخدامها كخيارٍ لإجلاء المواطنين الإسرائيليين في حالة وقوع كارثةٍ أو حرب"، ويرى "إمكانيّة التشاور مع الحكومة البحرينية الصديقة بنقل السيادة على هذه الجزر أو الأراضي إلى الكيان".
تُشيرُ مثل هذه الشواهد وغيرها إلى «تقمّص الملك حمد الحالة البلفوريّة» إن جاز التعبير، وتوجّهات لتنفيذ استراتيجيّة «صهينة البلاد» كخيارٍ آخر للعبث في التركيبة الديموغرافيّة للبلاد، بعد تنفيذ مشروع «التجنيس السياسيّ» الذي فضحه «تقرير البندر» عام 2006، والذي يهدف إلى صنع «قاعدةٍ شعبيّة» مواليةٍ للنظام الحاكم لا تخرج عن عباءة استبداده في ثورةٍ مشابهةٍ لثورة 14 فبراير/ شباط 2011.
على عكس سابقتها الإمارات، تجاوزت البحرين الدرجات القصوى في الارتماء بأحضان الكيان الصهيونيّ، وفتح شهيّته لمزيدٍ من التغلغل على المستوى الأمنيّ والعسكريّ، ويؤكّد ذلك إقرار وكيل وزير الخارجيّة البحرينيّة للشؤون السياسيّة «عبدالله بن أحمد آل خليفة» بكلّ «جرأةٍ وعنتريّة» بوجود «جهاز الموساد الاسرائيليّ» في البحرين، والإعلان في مارس/ آذار 2022، عن تمركزِ ملحقٍ عسكريٍّ من جيش العدوّ الصهيونيّ بشكلٍ دائمٍ في البحرين، من خلال مقرّ الأسطول الخامس للبحريّة الأمريكيّة في المنامة، مما أدّى إلى تصاعد التّصريحات الإيرانيّة ضدّ التواجد الأمنيّ والعسكريّ للكيان، في السواحل المقابلة لها وعلى بُعدِ عدّة كيلومترات، باعتباره تهديدًا لأمنها القومي، وفي الوقت نفسه هو تهديدٌ لأمن البحرين في حال تنفيذ عملٍ عسكريٍ متهورٍ من المنامة.
هذه الممارسات التصعيديّة بالتأكيد تخدم المصالح والأهداف الأمريكيّة في المنطقة، كما كان «الشاه محمّد رضا بهلوي» بوصفهِ «شرطيّ الخليج» في السابق، فماذا لو أصبحت البحرين «كبش فداءٍ» وتحوّلت إلى «ساحة تصفياتٍ عسكريّة»؟ فهل ستحمي البلاد على سبيل المثال «بدلة الملك العسكريّة» من ويلات أي عملٍ عسكريٍّ في هذه الجزيرة الصغيرة؟ كما لن تحميها من «الحالة الشاهنشاهيّة» التي يتقمّصها الملك، بإعطاء الضوء الأخضر لقائد «قوّة دفاع البحرين خليفة بن أحمد آل خليفة»، لإطلاق تهديداتٍ عبر الصّحافة المحليّة خلال الشهر الجاري، بمواجهة إيران بمعونة الدّول الخليجيّة، والتي بالتأكيد تتجنّب الدخول في أتون مثل هذه الصراعات وأخذها العبرة من «الدرس اليمنيّ»، رغم تكرار السّفير الأمريكيّ في المنامة «ستيفن بوندي» لهذه التصريحات وتعزيزها في الصحافة المحليّة قبل أيام قليلةٍ، وتأكيده أهميّة تطبيع العلاقات البحرينيّة مع الكيان الصهيوني لبلاده، التي يُقدّمها النظام في البحرين هديةً مجانيّةٍ للإدارة الأمريكيّة، دون الاستفادة من «الدرس الأوكرانيّ».
صحافي بحريني