هل يمكن أن يكون الحل بيد القادة الرموز

عباس المرشد - 2012-12-17 - 6:36 م


عباس المرشد*

من السهل الاقتناع بوجود تبادل أدوار بين رموز النظام في البحرين، من أجل كسب مزيدٍ من الوقت، ومن أجل الوصول بالأمور لحدودها الدنيا. فبإمكان ولي العهد أن يزيح عن كاهل نظامه مجموعة الضغوط الدولية، المُطالِبة بضرورة إجراء حوار وطني حقيقي وجاد مع قوى المعارضة، عبر تصريحاتٍ سياسية قوية، لكنه لا يستطيع عقد الحوار فعلًا على أرض الواقع، ليس لأن تجارب ولي العهد في الإصلاح يعتريها الخلل في أسسها وتطبيقاتها فقط، بل لأنه يفتقد لما من شأنه لجم القوى الضاربة باليد الحديدية والقوة القمعية لكل مبادئ الحوار وأرضيته الواضحة، ممثلة في الالتزام بالمرجعيات الحقوقية الدولية. 

إن اختبار مصداقية تصريحات النظام في عقد الحوار لا يمكن أن لا يكون مشتملًا على أمرين رئسيين هما:

أولًا: إطلاق كافة أشكال حرية التعبير والتجمع السلمي، وإيقاف العمل بالآليات المخالفة للمرجعية الدولية لحقوق الإنسان.
ثانيًا: إيقاف الحملات الأمنية والمداهمات والاعتقالات والعمل على إطلاق سراح كافة المعتقلين.

ما تصر عليه الأطراف الدولية المعنية بإدارة الأزمة السياسية في البحرين هو ما تعتبره عنفًا متبادلًا، وفي كل اللقاءات التي أجراها وكيل الولايات المتحدة مايكل بوسنر، كان يشير إلى قلق بلاده من اتساع ما يسميه بدائرة العنف، وهي تسمية مخادعة ومضللة حد النخاع، وعندما تحدث أمين عام الوفاق في إحدى لقاءاته المفتوحة في شهر رمضان عن حقيبة أفلام المولوتوف الموزعة على سفارات الدول والمنظمات الدولية، من الواضح أنه كان يشير إلى ضغوط، أمريكية وبريطانية، تُمارَس على القوى السياسية الرسمية، عبر مواجهتها بما يحدث على أرض الواقع من مواجهات عنيفة تحدث بين قوات النظام، بتركبيتها الإثنية والطائفية، وما بين جماهير ثائرة لا تطلب سوى الحرية.

حسنًا لنرَ التسمية المخادعة وما يمكن أن تنتهي إليه، فما يشار إليه أنه عنف يمارس من قبل المحتجين هو من وجهة نظرهم دفاع عن أنفسهم وعن ضمان طرق التعبير عن آرائهم المحجوبة سياسيًا وإعلاميًا وحقوقيًا، وقد أشار تقرير لجنة تقصي الحقائق لحقيقة ما يحدث، وأن الاتجاه نحو التصادم العنيف مع أي قوة أمنية هو نتيجة حتمية لتجاهل مطالبها، لأنه، وبتعبير تقرير اللجنة، عند عدم الاستجابة لمطالب الإصلاح، فإن الأمر يتطور، ويرتفع سقف المطالب ليكون المطلب هو تغيير النظام، ويتعرض المجتمع لحالة إما من الاستقطاب أو التطرف -الفقرة 642 من تقرير اللجنة- 

وقد ثبت حتى الآن، وبعد حوالي 20 شهرًا من سياسات القمع، والتخويف، وتقييد الحريات، والملاحقات القضائية، بأن حركة الاحتجاج الشعبي عصية على الاحتواء، وأن المشاركين فيها قد انتقلوا من حالة الجمود والخوف إلى حالة التحدي والفاعلية، وأنهم لن يتنازلوا، في أي ظرف من الظروف، عن ممارسة حقوقهم في التعبير والتجمع والتجمهر والتنظيم، ليس فقط اقتناعًا بأنها حقوق أصلية لهم، وإنما باعتبارها الوسائل الوحيدة المتاحة لمقاومة استبداد وقمع السلطة، وكسب تعاطف الأمم الأخرى، وصولًا إلى نيل الحقوق وتحقيق المطالب.

إن اتهام بعض أعمال الاحتجاج، أحيانًا، بأساليب العنف الشعبي هو رد فعل تلقائي للقمع وتقييد الحريات الذي تقوم به أجهزة السلطة، وإن الضغط على جماعات المعارضة والشخصيات الدينية والسياسية والحقوقية لإصدار بيانات الاستنكار والإدانة لن يغير في الواقع شيئًا، إذ إن هذه الجهات والشخصيات لم تتبنَّ أو تدعُ قط للعنف، وإن محاولة تحميلها مسؤولية ما يجري سيساهم في تعويض(؟) دورها في الخروج من هذه الأوضاع.

بناءً على ذلك فبمقدور بوسنر أن يكون حياديًا، وأن تكون بلاده صاحبة دورٍ فعال في إزالة أسباب قلقها، فإذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية قلقةً فعلًا وأنها جادة في تحقيق ديمقراطية حقيقية في البحرين، فعليها أن تمارس نفوذها في إيقاف حدة العنف الرسمي وتضييقه المستمر على الحريات العامة، وهو إجراء كفيل بأن يوقف ردة الفعل الشعبية تمامًا بما في ذلك حرق الإطارات واستخدام المولوتوف أو غيرها من وسائل الدفاع الذاتي.

بعبارةٍ أخرى، أعتقد بأنه بالإمكان أن تُزال دواعي قلق الولايات المتحدة ومبررات النظام بالامتناع عن الحوار، إذا ما توقفت آلة القمع عن عملها وتم تفعيل مرجعيات حقوق الإنسان في الحريات العامة. عندها يمكن الحديث عن أي رزمة حلول أو تفاوضات، شريطة أن يُسمح للناس بالتعبير عن آرائهم السياسية، وعن ممارسة هذا الحق بشكل سلمي كما هو ممارس في المجتمعات الديمقراطية.

إن مفاتيح أي مبادرة هي بيد ثلاثة أطراف رئيسية هم:
الطرف الأول: الرموز المحتجزون كرهائن، وقوى المعارضة غير الرسمية.
الطرف الثاني: القوى السياسية المعارضة بشكل رسمي.
الطرف الثالث: النظام وداعموه من الأطراف الدولية.
 
عملية الوصول لهذا الحد الأدنى تتطلب قدرًا من التوافق بين كافة أطراف الأزمة، بما فيهم الرموز المحتجزون كرهائن، وقوى المعارضة غير الرسمية. وقد عبّرت مجموعة الرموز في بيانها الأخير، الصادر في 6 ديسمبر، عن رغبتها في القيام بدور يُعيد للناس حريتهم المسلوبة وقبولهم بآليات العدالة الانتقالية كإحدى الآليات الضامنة للحريات، وبتعبير البيان المنسوب إليهم: "كون البحرين شهدت انقسامًا سياسيًا واجتماعيًا عميقًا وتمر في حالة أزمة شاملة، فإن الإصلاح لا يمكن أن يتم بالآليات القانونية والقضائية والإدارية العادية، وإنما عبر آليات العدالة الانتقالية وبالتراضي بين جميع الجهات ذات الصلة، وبمساعدة جهات دولية مثل الأمم المتحدة". في المقابل عبّرت الجمعيات السياسية، في كل بياناتها، عن قبولها التام بأي حوار، حتى بدون شروط، أي أنها لا تُمانع وجود مبادرة تضمن إطلاق الحريات العامة وحرية التجمع. في حين لا يزال الطرف الثالث مُطالَبًا بتقديم إجابات سياسية وعملية على ما يمكن تقديمه من مبادرات، وإن عليه مسؤوليات سياسية واستحقاقات يجب الالتزام بها.

* كاتب من البحرين.


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus