لماذا لا تحترم الموالاة نفسها؟

عباس المرشد - 2013-01-04 - 10:17 ص


عباس المرشد*

بعد مرور عامين على اندلاع ثورة 14 فبراير، دون أن تحرز جماعات الموالاة  أي تقدم سياسي أو اقتصادي، فهي تحاول الآن معالجة هزيمتها السياسية، ليس أمام خصومها السياسيين فقط، بل وحتى أمام جماهيرها، التي طالما وعدتها بتقاسم الخيرات، وزيادة مقاعد الحظوة، التي وعد بها النظام مؤيديه في 21 فبراير 2011. 

أمام هذا الاندحار يُطرح تساؤلٌ مشروع عن إمكانية قيام نخبة الموالاة بإجراء نقدٍ داخلي، تستطيع من خلاله تدراك ما فوّتته بجهلها وخياراتها السيئة مع أغلبية الشعب. فحتى هذه اللحظة لا تبدو أن هناك بوادر حقيقية تُدلّل على امتلاك نُخَب الموالاة الشجاعة الكافية لإعلان موقفها السياسي، بعيدًا عن إملاءات النظام ومقرّراته، وكأنها قد اكتفت بما حصلت عليه من مناصب وقلائد لها ولبعض حواريها من الأتباع. فحتى التقرير اليتيم والمجهول الأب، الذي أعلن عنه تجمع الوحدة الوطنية في مؤتمره الأول وأقر فيه ببعض وجوه الهزيمة، سرعان ما تلاقفته أيدي الطعّانين والنمّاميين عبر كتاباتهم الصحفية، التي لم يخجل أحدهم من توصيف نفسه فيها بالطبّال، ما دام يُطبّل ويُمجّد ويُسبِّح في عطاء رئيس الوزراء، وهو موقفٌ يشاركه فيه العديد من كَتَبة الصحف الرسمية.

في دراسةٍ استطلاعية، هدفت لأن تُروِّج لسياسيات مُدانة عالميًا، توصّلت كاتبة الدراسة إلى أن ثلث عيّنتها، وهم مجموعات الموالاة حتمًا، كانوا يعتمدون على مصادر الإعلام الرسمي في تلقّيهم الأخبار والمواقف السياسية إبان ذروة ثورة 14 فبراير، أي فترة فرض قانون الأحكام العرفية. وإذا ما عدنا لتلك الفترة، وفحصنا حجم الانقضاض البلطجي المشرعن والمتطوع من جهة، وزيادة التوتر الطائفي لأقصى حدٍّ يمكن تصوره، يمكن بكل بساطة قلب ما حاولت الكاتبة إثباته، أي أن الإعلام الرسمي كان المصدر الرئيسي، وليس مصدرًا رئيسًا، لكل التوترات الطائفية، وزيادة الفجوة الاجتماعية بين مكوّنات المجتمع البحريني.

قبل حوالي العام، لم يكن بالإمكان الاستماع، أو الحصول على أصوات سنية جريئة تُخالف السائد والمفروض على نُخَب الموالاة، فالعديد من أصوات المكوِّن السني، ما عدا الجريئة منها، والتي أثبتت مقاومتها وصمودها منذ 14 فبراير وما تلاه، العديد منها كان يلجأ للتورية وإلى التقية السياسية، لاعتباراتٍ أمنية بطبيعة الحال، إلا أن كسر حاجز الصدمة، وقيام النظام باعتقال وتهديد الأصوات السنية الجريئة والخارجة على إجماع نخب الموالاة، شجّع العديد منهم على إعلان المُفارقة مع نخب الموالاة وتشكيلاتها السياسية المزعومة.

بقراءةٍ سريعة يمكن إقامة مناطق مُتداخلة حمكت الإطار السني في تعامله مع ثورة 14 فبراير، وهذه المناطق هي مجاميع بشرية لها حق الاختيار ومسؤولية القرار:

المنطقة الأولى : دَخَلَها مجموعة الانتهازيين، والنمّامين، والبلاطجة، وأصحاب العُقَد التاريخية والطائفية، ومن بينهم أغلب الكَتَبَة والإعلاميين.

المنطقة الثانية: دَخَلَها مجموعة أصحاب التل (الوقوف على التل للتفرج) المُتلوِّنين حسب المواقف السياسية الأقرب للانتصار أو السلامة، فتراهم اندمجوا طواعيةً في حفلات الزار وحملات التطهير التي أسّستها المجموعة الأولى، ومن ثم انسحبوا منها، وأعلنوا البراءة منها، بعد أن فشلت تلك الحملات، وعادت تلحس جراحها بعد هزيمتها سياسيًا واجتماعيًا.

المنطقة الثالثة: دَخَلَها مجموعة من أصحاب المواقف السياسية المبدئية، وقد صمد هؤلاء كثيرًا، وعانوا أكثر من نظرائهم من الشيعة، حيث فَرَضَتْ مواقفهم عليهم ضربيةً مُضاعفَة طالت عوائلهم وعلاقاتهم الأسرية.

المنطقة الرابعة: دَخَلَها الصامتون، والذين لا حول لهم ولا قوة، حالهم حال العديد من إخوانهم من الشيعة، فالمسألة التي تعنيهم هي الحفاظ على وجودهم وكيانهم.

كان رهان النظام ونُخَب الموالاة هو جعل المنطقة الأولى هي الأكثر جذبًا والأكثر احتشادًا، وسخّر لذلك كافّة قنوات الدَجَل والكذب، وتعامَل مع أهل السنّة تعامُل الأرقام المصرفية، التي يُكدِّسُها طويلًا، فتحوّلت أعداد العشرين ألفًا والثلاثين ألفًا إلى المئتين والثلامئة ألف. وهكذا حاول الإيحاء أنّ كل المكون السني في جُعبة النظام، وتحت مرمى نيرانه. 

تتابُع الأحداث والانتكاسات المتتالية التي مُني بها النظام ونُخَب الموالاة، قلّص، في الواقع، حدود المنطقة الأولى، بحكم كونها دجلًا وشعوذة، إضافةً إلى سِمَة نفسية تميّزت بها نُخب الموالاة، يمكن وصفها بحسد البغايا، حيث تحسِد بائعة الهوى نظيرتها في العمل، وتعمل على إفشال صفقاتها. فبعد أن أرْخَت قوات العسكر خيامها في كل قرية وكل شارع، سارعوا إلى تطهير كافة مرافق الدولة من مخالفهيم العقائديين والسياسيين، حتى عناصر الاستخبارات الميدانية، التي كان النظام يعتمد عليها لسنواتٍ طويلة في هندسة الوضع السياسي، راهن على تطهيرها من المكونات الشيعية، وجَلَبَ بقايا المرتزقة ليعملوا فيها، لا لشيء سوى حسدهم جلسة السيارات المجانية.

ربما لم يحِن الوقت بعد لقراءة الفاتحة على بقايا تجمّعات الموالاة السياسية، باعتبارها تَرِكةً يستخدمها النظام وقت الحاجة، وربما تعامل معها كما يتعامل جامعو الخردة وجامعو علب الكوكا كولا، حيث يمكن الاستفادة من ثمن بيعها بعد شربها، ولكن بعد تحطيمها وتكويرها بالضغط والأثقال. رغم ذلك، فإن صراخ رئيس تجمع الوحدة الوطنية، في مؤتمر الكرنفال وحفلة الزار التي كان بطلها، يشير بالفعل إلى النهاية المرتقبة لهذه النخب. 

يتعاضد ذلك مع التصريحات المتكرّرة، من قبل رئاسة الوزراء، والتي أصبحت تُعلَن يوميًا، ودون الحاجة لذكرها، أو التعريج على ما يناسب مقام الحديث عنها، كل ذلك يجعل من وزير العدل يضرب رجله في الأرض ويثير غباره، استعدادًا لشن هجومه الناري على أي تصريح أو حدث. وبالمناسبة، فإن أغلب تصريحاته ومواقفه تثير الضحك، من سُخف منطوقها، فضلًا عن مضمونها، وإلا فما هي تسمية مُطالبته الجمعيات السياسية بمنع ما يعتبره عنفًا ضدّ قوات نظامه؟ وهل المطلوب منهم اعتقال الشباب، وأخذ الاعترافات منهم، وتقديمهم لزمرة الجلادين لديه؟

إن جمع هذه المواقف، المتباينة من ناحية المكانة السياسية ( الأعلى والأدنى/ الفوق والتحت/ السيد والعبد/ الآمر والمطيع) تجعل من مسألة الحاجة إلى إعادة الاعتبار للعقل السني مسألةً وطنية تستحق النظر. فما تفعله نخب الموالاة، والأقطاب التي تدور من حولها، هو توجيه رسائل صريحة وعلنية، لمكوِّن واحد من الشعب فقط، وإلا فالجميع يعرف أنّ كافّة المكوِّن الشيعي لا يثق ولا يعترف بهم مطلقًا، ولا تعنيه تصريحاتهم النارية والمائية.

* كاتب من البحرين.


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus