نبيل رجب من داخل السجن لمرآة البحرين حول الحوار: لا تتحاوروا إلا مع النظام، ولا تتنازلوا عن إشراف دولي على الحوار، والشارع فخرنا وقوتنا

2013-03-24 - 6:58 ص


مرآة البحرين (خاص): الصوت المشاكس لا تحجبه قضبان السلطة، خاصة عندما يكون صوت اعتاد اختراق كل قيود السلطة في أصعب الأوقات وأهلكها. «مرآة البحرين» ومن داخل السجن، حاورت الحقوقي نبيل رجب رئيس مركز حقوق الإنسان، وكان حول موضوع الحوار الذي لا يزال يأخذ جدلاً واسعاً في الشارع، وخلافاً في الموقف منه.

يرى نبيل رجب أن الحوار الذي يمكن أن يُخرج البلد من الأزمة التي يعيشها، هو ذلك الذي طرفاه النظام المتمثل في العائلة الحاكمة والمعارضة فقط، دون رتوش اتباع السلطة الذين تستخدمهم لتمرير تلاعباتها بدلاً من الحلول. ويؤكد رجب أن الحوار سيكون خاسراً ما لم تشترك فيه جميع أطراف المعارضة ورموزها ممن هم داخل السجن وخارجه، ويحذر من الاستمرار في حوار دون وجود أطراف دولية محايدة تشرف عليه، ما يضمن تلاعب النظام وتراجعه أو استغفاله للداخل والخارج. 

كما يرى رجب أن مفردة التوافق التي يستخدمها النظام هي لعبة لتمييع المطالب، وأنه إن كان ثمة صدق في نيته، فإن أول شكل من أشكال التوافق، يجب أن ينطلق من التوافق على شرعية النظام الحالي نفسه وطبيعته. 

أما الشارع وحراكه فيرى رجب بأن صموده وقوته وإرادته هو أجمل ما أفرزته الثورة، وهي الداعم المعنوي الأكبر لسجناء الرأي داخل الزنازين، ويؤكد أن الوحدة بين جميع فصائل المعارضة والشارع، هي الطريق لتحقيق الهدف المشترك المنشود، ولا بديل عنه.

مرآة البحرين: كيف ترى الحوار الحالي، وكيف تقرأ دخول ولي العهد على الخط من جديد؟

نبيل رجب: نحن مع الحوار كمبدأ لحل النزاعات وتسوية الخلافات، بل هو دائماً الخيار الأسلم والأصوب، لأنّ البديل عن الحوار هو التصادم والاقتتال وإراقة الدماء، وحينها يصبح الجميع خاسراً. لكن أين هو الحوار الجاد؟ للأسف لا يوجد مؤشر واحد على جدية النظام البحريني أو استعداده للتفاوض، بل على العكس تماماً، النظام لا زال يحتجز رموز المعارضة السياسية ويحتجز المئات من معتقلي الرأي، وما زال على نهجه في المحاكمات السياسة الجائرة ضد منتقديه، وما زال ينتهك حرية التجمع والتعبير ويمارس التهميش والتمييز الطائفي ويشعل الفتنة بين نسيج المجتمع الواحد، وما زال يقتل ويعذّب ويفصل ويقصي، وما زال يسحب الجنسية من معارضيه، استمرارية النظام في هذه الأفعال المشينة تؤكد عدم جديته. أما الدعوات المستمرة من ولي العهد ودخوله المتقطّع على الخط فهو لشراء الوقت وإطالة أمد الاستحقاق المطلوب من النظام، ولإشغال المعارضة، واستهلاك الإعلام، وإعطاء آمال وهمية بقرب الخروج بحل، وهي رسائل مكررة هدفها الخارج أكثر من الداخل وأشكّ أن تتبع هذه الدعوات أي خطوات عملية صادقة على الأرض.

المرآة: وما الحل إذاً؟

 
رجب: الحوار الحقيقي والجاد الذي يمكن أن يضمن أمن البلاد واستقراره، هو الذي يكون بين النظام الحاكم المتمثّل بالأسرة الحاكمة وبين المعارضة السياسية فقط لا غير. أمّا حشر جمعيات ناطقة باسم النظام وأفراد موالين فهو دليل آخر على عدم جدّية الحُكم في الوصول لحل. ثم أن الحوار الجاد عليه أن يناقش كل شيء وكل مسببات الأزمة دون استثناء ويفتح كل الملفّات الحسّاسة ولا يحاول الالتفاف على مطالب الناس. والحوار يجب أن يكون شفافاً يطلع المواطنين على كل مراحله ونقاشاته، وأن يشمل كل مكوّنات المعارضة دون تهميش لأي طرف على أساس سياسي أو عقائدي أو ثقافي بمن فيهم رموز المعارضة الموجودة في السجن الآن فلا حلّ دونهم مهما كان حجم التوافق عليه في الخارج. 

المرآة: وما الذي يضمن أن لا يتراجع النظام عن وعوده في كل الأحوال؟

رجب: لهذا ينبغي التنبّه والحذر من أن يفرض علينا النظام الحاكم مرجعيّة للحوار من خارج المواثيق والمعاهدات الدولية المعنيّة بحقوق الشعوب في تقرير مصيرها، أو من خارج المعايير الدولية المعروفة لحقوق الإنسان، فكلا الطرفين، العائلة الحاكمة والمعارضة، يجب أن يضعا معاً مواضيع الحوار وآلياته وعليهما أن يحددا الأفراد المشاركين فيه والإطار الزمني له، وأي فرض لهذه الأمور من قبل نظام الحكم يعتبر محاولة إفشال مسبقة للحوار والتفاوض. ومن الضروري الإصرار على وجود أطراف دولية في الحوار، كمراقبين أو مساعدين، خصوصاً بعد تجربة شعب البحرين المريرة مع هذا النظام الذي طالما استغفلنا في الماضي. لذلك لا بدّ من الإصرار على الإشراف الدولي، والمزاج الدولي يتقبّل هكذا شرط لأنّ المطالبة به يكشف جدّية المعارضة للوصول إلى حل، ووجود المراقبين يصب في مصلحة الشعب لأنّه حينها سيصعب على النظام التلاعب والتراجع عن وعوده.

المرآة: وكيف ترى تكديس النظام للأطراف الموالية له في الحوار؟

رجب: ما يطرحه النظام الآن في سيناريو الحوار القائم باسم التوافق مصيدة يجب أن لا نخطأ طريقنا ونقع فيها، فهذا تلاعب وتضليل يقوم به لحشر كومبارسات موالية تساعده على إفشال عملية التفاوض ليقول بعدها للعالم إنّه حاول التفاوض مع المعارضة ولكنّ المعارضة أفشلت الحوار. الخلاف هو مع النظام الحاكم، أو العائلة الحاكمة لأكون أكثر دقّة، لأنّ الشعب يريد أن يسترجع صلاحياته والعائلة تريد أن تبقي الصلاحيات كلّها في يدها، لهذا يجب التحاور مع النظام وليس مع أي مؤسسة شكلية مصطنعة أو رموز سياسية أو دينيّة من وعاظ سلاطين قام هو بصناعتهم واستخدامهم كجدار عازل له.

لنحذر كل الحذر من إنجاح إستراتيجية النظام في تصوير الأزمة في البحرين على أنّها خلاف مذهبي بين مكوني المجتمع السني والشيعي، فالخلاف بين الشعب برمّته، وبين النظام الحاكم الذي يريد أن يستحوذ على كلّ النفوذ والثروات والمؤسسات والسلطات ولا يريد أن يشاركه أحد. المطالب جميعها تصب في صالح كل المكونات المجتمعية إن تم تنفيذها، حتّى وإن لم يقتنع البعض بعد بوطنيّة المطالب علينا الاستمرار، وسيفهم لاحقاً أو ستفهم أجياله القادمة حين ترى بعينها المكتسبات التي جناها الشعب عبر حركته. لقد صرف النظام الملايين لخلق شريحة دينية وقبلية جاهلة لتساعده على تصوير الأزمة وكأنّها طائفية، فينبغي علينا أن نحذر من الانجرار لمخططهم مهما كان حجم الاستفزاز الطائفي الذي يمارسونه بغرض استدراج المعارضة لردود فعل ومواقف طائفية. والآن يحاول النظام حشر هذه الشريحة الدينية والقبلية قسراً على طاولة الحوار كي يكونوا له دعامات ومصدّات تحميه من استحقاقات الثورة ومطالب الشعب ولكي يخلطوا الأوراق وتخريب عملية التفاوض. 

المرآة: وما هو رأيك بمبدأ التوافق الذي تروّج له السلطة هذه الأيّام؟

رجب: نحن مع التوافق كمبدأ لا مع فرض الحلول والتسويات من طرف على آخر، ولكنّنا نفهم التوافق بخلاف ما يروّج له النظام الحاكم، فالنظام يروّج للتوافق على طبيعة التغيير المنشود أو سقف مطالب المعارضة ممّا يجعله يبدأ بقبول شكل النظام القائم. ينبغي علينا الحذر من القبول بهذا التعريف لمبدأ التوافق فهذا فخ ينصبه النظام للمعارضة. الحقيقة العلمية والمنطقية أنّ التوافق يبدأ من نقطة الصفر بين النظام الحاكم والشعب وأن لا نقبل بأي شيء ما لم يكن هناك إجماع عليه، نبدأ بالتوافق على رأس النظام وشرعية العائلة الحاكمة وطبيعة نظام الحكم المطلوب وطبيعة المؤسسات الدستورية المطلوبة والتوزيع العادل للثروات وكل القوانين المعنية بالانتخاب وتوزيع الدوائر وغيرها. 

هذا يعني أنّ الجمعيات يمكنها الإعلان من اليوم الأوّل أنّها ترغب بالتوافق ولكنّ كل ما هو قائم اليوم غير متوافق عليه وينبغي مناقشته على طاولة الحوار، وهذا يعني أنّ المفاوضات تبدأ من تركيبة نظام الحكم القائمة، فهي غير متوافق عليها لأنّها مرفوضة من المعارضة. هذا النهج سيضغط على النظام لإعادة كسب شرعيته لأنّه لم تعد متوافقا عليها أيضاً، وحينها سينقلب فخّهم عليهم وستسبب لهم كلمة "توافق" مشكلة لأنّه سيعي حينها أنّ وجوده من الأصل غير متوافق عليه من كل شرائح الشعب. وهذا التعريف المنطقي للتوافق سيعرّي النظام أمام العالم وسيكشف تلاعبه وعدم جدّيته في مسألة التوافق والحوار. 

المرآة: كيف ترى تعامل الجمعيات مع مسألة الحوار؟

 
رجب: لا شك أن السنتين الماضيتين كانتا صعبتين على الجمعيات السياسية المعارضة حيث اجتازت هذه الجمعيات مرحلة معقدة ومهمة من تاريخها وهي لا زالت تخوض هذا المخاض المهم، لكنني على قناعة بأن هذه الجمعيات ستجتاز هذه المرحلة وهي أقوى من السابق وأكثر شعبية بين الجماهير، فقط عليها الاقتراب أكثر وأكثر من نبض الجماهير والحراك الشعبي المتصاعد. وأعتقد أن جميع القوى السياسية والحقوقية قد تعلمت كثيراً من هذه المرحلة الصعبة فازدادت خبرتها وتعمّقت تجربتها وهذا بلا شك سينعكس إيجابا على أدائها المستقبلي.

أعلم أنّ هناك قلقا وارتيابا بين الناس من أن تتنازل الجمعيات عن مطالبها، ربّما نتيجة الضغوط الممارسة عليها من قبل النظام، لكنني واثق من وطنيّة هذه القوى السياسية وأنّها تعي حجم ما قدم من تضحيات وشهداء في هذا الحراك وهي حقيقة لا يمكن تجاوزها، وقد قال الشعب كلمته بوضوح بأنّه على استعداد للصبر والصمود سنوات، ومواصلة النضال السلمي دون تقديم أي تنازل عن حقوقه. وهناك إجماع شعبي على هذه الحقيقة مع الاستعداد للصبر ومواصلة درب النضال حتى تحقيق كامل المطالب. 

وكانت أُمنيتي أن لا تدخل هذه الجمعيات أي حوار مع النظام إلا مجتمعة مع كل القوى السياسية الأخرى، لأني أعتقد أن إجراء أي حوار في ظل بقاء بعض رموز المعارضة في السجن هو عمل غير صحيح، لأنه سيضعف الجمعيات نفسها وسيصعّب الوصول لحل، ذلك أنّ شريحة كبيرة من الشارع لن تلتزم بما تتوصل إليه الجمعيات مع النظام في حال لم يصدر عن توافق كامل مع قوى المعارضة، لكني أحترم رأي الجمعيات وسأبقى أدافع عنها وعن حقّها إن هي ارتأت غير ذلك، وأنا ضد أي خلاف يحدث بين قوى المعارضة بسبب اختلاف في وجهات النظر، فالاختلاف حق يجب على الجميع احترامه.

وعلى القوى السياسية المعارضة لموقف الجمعيات من الحوار، أن تعي أنه ليس من صالحنا وصالح العمل السياسي إضعاف هذه الجمعيات أمام النظام حتى لو كان هناك اختلاف معهم، بل على هذه القوى أن تعي أن هذه الجمعيات سند وعون لهم، وهم أيضا عليهم أن يكونوا سندا وقوة لهم أمام النظام، والنتيجة أن هذا العمل التكاملي يصب في مصلحة الشعب وأجياله القادمة إن استطعنا إدارته بشكل صحيح. 

المرآة: السلطة تقول أن المعارضة تطالب بمحاصصة طائفية، ما رأيك؟

رجب: هذا يندرج في سياق التضليل الذي تمارسه السلطة وجمعياتها التي تتبعها. المعارضة السياسية الموجودة مؤلفة من شيعة وسنة ومطالبها عامّة، لهذا لا يمكن أن تطالب بالمحاصصة، رغم أنّها صيغة من الصيغ المعمول بها في عدد من دول العالم.
النظام يسمّي المطالبة بالمساواة بين جميع المواطنين طائفية، يسمّي محاربة التمييز البغيض طائفية، يسمي المطالبة بالحرية والعدالة والديمقراطية طائفية، ماذا نفعل؟ النظام اعتاد التلاعب بالكلمات وتحريف وتشويه المطالب الشعبية لكي ينجو، هو يراهن دائماً على جهل بعض الناس وقلّة ثقافتهم الدينية والسياسية. لهذا اعتقد أن الإشراف الدولي على أي عملية حوار سيقطع على السلطة طرق التضليل والتشويه.

المرآة: وما تقييمك، وأنت داخل السجن، للحراك في الشارع بعد عامين من الثورة؟

 
مع حلاق دوار اللؤلؤة
رجب: أقوى وأجمل شيء في حراكنا الذي بدأ في 14 فبراير 2011 هو صمود الناس وصبرهم وإصرارهم على مطالبهم لذلك شعوب المنطقة تنظر لشعبنا بإعجاب وفخر وانبهار لما يسطره من نضال وكفاح. على مناضلينا أن يعلموا أن استمرارهم واقفين صامدين ثابتين أمام عنف وبطش النظام هو ما يرفع معنوياتنا نحن داخل السجون، بل بتّ أرى النصر فيهم وأراقب كيف أنهم يؤسسون لتاريخ جديد ومشرق لشعبنا وأجيالنا القادمة حين يحصل الناس على حقوقهم في العدالة والمساواة والحرية. 

رسالتي للشارع المناضل واحدة لا تتغيّر، أن يكونوا أقوياء لأن العالم لا يحترم الضعفاء، البكاء والتوسل من سمات الضعفاء، والاستجداء لن يُرجع حقوقنا بل يعقّد الحراك ويصعّبه. أمّا الصمود والثبات على المطالب والمبادئ والقيم والنضال والتضحية فهي العوامل التي ستنتزع لنا حقوقنا طال الزمان أم قصر. علينا توحيد صفوفنا مع كل أطياف المجتمع وعدم الاستسلام للمخططات الطائفية. لتكن عزيمتنا ثابتة وإرادتنا قوية وسلاحنا السلمية الذي به سننتصر على كل أسلحتهم الفتّاكة. ينبغي علينا جميعاً بذل الجهد المضاعف في تقوية بعضنا البعض في كل شيء وأن نسعى لكي نكون جميعنا حقوقيين وصحفيين وكتاب وفنانين لدعم قضيتنا العادلة ولنكشف للعالم الظلم الذي يمارسه النظام بحقنا والقمع والوحشية التي تُقابل به مطالب شعبنا العادلة. 

يا شعبي العزيز، تحية صدق ومحبة مني لكم، والله إني أحبكم جميعاً وإن أي لحظة حزن مرت علي هي بسبب فراقكم، لكنني مؤمن أشدّ الإيمان بأنكم لن تسقطوا الشعلة التي بأيديكم بل ستبقوها عالية حتى تحقيق النصر إن شاء الله.

أنتم ضمانة النصر فلا تتراجعوا ولا تنكسروا ولا تتعبوا ولا تيأسوا بل أبقوا شامخين ورؤوسكم عالية لأنكم أهل قيم وفضائل وأنتم من يغرسها اليوم لأجيال المستقبل – بارك الله فيكم. 

التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus