أزمة البحرين ومحاذيرها الإقليمية

2011-05-26 - 9:21 ص



سلمان شيخ*
 - مدونة "قناة الشرق الأوسط" على موقع فورين بوليسي:
ترجمة: مرآة البحرين


بينما ينصب اهتمام الولايات المتحدة والمجتمع الدولي في الشرق الأوسط غالباً على جهات مثل ليبيا خاصة، إلا أن القمع العنيف الجاري في الجزيرة الصغيرة التي هي مملكة البحرين قد تشكل خطراً أكبر على استقرار المنطقة مما تشكله الأزمات الأخرى. لقد كشفت أزمة البحرين عن التوترات والمنافسات التي كانت تغلي طويلاً بين السعودية وإيران، وهي أزمة تحمل في طياتها خطر إندلاع الحرب الإقليمية القادمة التي قد تندلع في المنطقة. إن سيناريو كهذا قد يجلب معه تدخلاً أمريكياً مباشراً في وقت تتوتر فيه علاقات الولايات المتحدة بحلفائها في المنطقة، خصوصاً مع السعودية. ولهذا فلابد من اتخاذ تدابير فورية للتخفيف من حدة الوضع في البحرين، ولخلق الثقة المطلوبة بين الحكومة والمعارضة للدخول في الحوار الوطني الذي تأخر طويلاً، والذي لا بد منه لرسم مستقبل البلد.


لكن المقلق في الأمر هو ما أدلى به مصدر سعودي رسمي لم يصرح بهويته، حين وصف مهمة القوات السعودية والخليجية في البحرين بأنها "مفتوحة الأمد"، فقد أدى إعلان قانون الطوارئ لثلاثة أشهر إلى حملة من المداهمات والاعتقالات، شملت قادة من أحزاب المعارضة الرئيسية بالإضافة إلى نشطاء حقوق الإنسان ومعارضين آخرين. كما أن هناك قلقا متزايدا من استخدام هذه القوات المختلطة للقوة المفرطة، ومن ارتكابها مخالفات جسيمة للقوانين الدولية والإنسانية.

وهكذا يبدو أن مساحة الحوار تتسارع باتجاه أفق مسدود. وقد نشهد في الفترة القادمة تعميقاً أكبر لثقافة المعارضة المتشددة في البحرين، خصوصاً أن الدعوات إلى الحوار المؤدي لتأسيس الملكية الدستورية قد تجرفها مطالب الجماعات الأكثر تشدداً والتي أخذ شباب المواجهة يميل إليها أكثر فأكثر. وهذا الاتجاه للتشدد بين البحرينيين يبدو لا مناص منه كلما طال أمد الانسداد الحالي، وهو اتجاه يحمل معه خطراً حقيقياً لانجراف البلاد إلى وحل حرب أهلية شاملة.

لقد أوجدت دعوة الملك حمد بن عيسى آل خليفة للقوات الخليجية لدخول البحرين معضلات جديدة ومخاطر حقيقية لمنطقة الخليج والشرق الأوسط، فأخذت الأزمة ومازالت أبعاداً إقليمية وطائفية مقلقة.  فإذا كانت الثورة التونسية قد شكلت رافعة للثورة في مصر التي كان لها بدورها أثر تحفيزي على شعوب المنطقة، فإن الأزمة في البحرين تبدو مؤشراً على المعركة الأولى القادمة من أجل تشكيل الشرق الأوسط الجديد. فبدل تركيز الجهود على ثورات الشعوب التي تعصف بالمنطقة من أجل الكرامة والعدالة والتمثيل الديمقراطي الأوسع، فإننا نجد أنفسنا ننزلق نحو السرديات العتيقة التي سادت في المنطقة خلال العقدين المنصرمين.


كان هناك ثلاث سرديات شكلت مجتمعة طبيعة المنطقة خلال هذه العقود السابقة، أولها كان الصراع بين قوى "الاعتدال" المدعومة من الغرب وبين المقاومين المدعومين من إيران وسوريا مثل حماس وحزب الله. و ثانيها هو الحرب ضد التطرف الإسلامي خصوصاً ضد القاعدة بعد الحادي عشر من سبتمبر و"الحرب على الإرهاب" التي تلته. و أما ثالثها فهو الانعدام المتزايد في الثقة بين الشيعة والسنة، خصوصاً بعد إسقاط صدام في العراق. وفوق هذه الديناميات يتربع الفشل الذريع في جهود السلام الإسرائيلية الفلسطينية والقلق المتزايد من طموحات إيران النووية.


و في وسط هبة الشعوب العربية في٢٠١١ فإن أزمة البحرين هي التي أعادت مجدداً هذه الهواجس التي قد تؤدي إلى تحول الحرب الباردة بين إيران و السعودية إلى مواجهات مباشرة وإلى تكثيف الأزمات "بالوكالة" (proxy conflicts) السائدة أصلاً في المنطقة.


ومن ناحيته فإن النظام الإيراني تجاوب بسرعة كبيرة مع الأحداث في البحرين مديناً التدخل الخليجي بوصفه "احتلالاً" و "غزواً" بينما هو يواصل قمعه لثورة شعبه الخضراء. و كلما تدهور الوضع في البحرين فإن إيران قد تجد طرقاً مبتكرة للتدخل ربما باستخدام وكلائها في لبنان والعراق. ففي العراق ولبنان وغزة التي تقودها حماس أمثلة لقدرة إيران على استثمار الفوضى والصراعات لتعزيز مصالحها في المنطقة. 


ومما يدعو للقلق ما تم نقله من تقارير عن قيام ميليشيات الباسيج السبت الماضي بمهاجمة القنصلية السعودية في مدينة مشهد شمال إيران. كما أدلى زعيم حزب الله بدلوه أيضاً يوم السبت حين شبه عائلة آل خليفة بعائلتي مبارك والقذافي  داعياً "أخوته" في البحرين قائلاً لهم “دافعوا عن حقوقكم". و أضاف: “إن دمائكم وجروحكم ستهزم الطغيان". وقد ردت الحكومة البحرينية بغضب   وأطلقت على خطاب نصر الله بأنه "خطاب إرهابي" محذرة الحكومة اللبنانية بأنها ستحملها المسؤولية على هكذا تصريحات "ستؤثر بلا شك على العلاقات الثنائية" بي البلدين.


ورغم أن الوضع في البحرين قد يوفر فعلاً فرصة لإيران للتأثير على طبيعة النظام الجديد الآخذ في التشكل في المنطقة، إلا أن دورها حتى الآن لم يكن حاسماً في خلق أو تشكيل هذا الوضع البحريني. كما أن أزمة البحرين تبرز حدود التأثير الأمريكي على منطقة حيوية للمصالح الأمريكية. لقد لاقت دعوة إدارة أوباما إلى تسريع وتيرة الإصلاح السياسي وإدانتها للقمع الحاصل آذاناً صماء من قبل الحكومة البحرينية. وبدلاً من ذلك فإن الملك حمد لجأ إلى مشورة السعودية الأخ الأكبر للبحرين أو وقع تحت تأثيرها. ومن جانبهم فإن السعوديين يزدادون استياءً من واشنطن، وقد حذروا كلاً من الولايات المتحدة و إيران من التدخل في شؤون البحرين.


وهنا تدخل التطورات مجرى غير مسبوق حقاً. فالبحرين تمثل أوضح مثال للتصدع الحاصل في العلاقات السعودية الأمريكية. فبينما تكافح هاتان القوتان لإدارة التطورات الجارفة في المنطقة فإن طريقيهما يبدوان متباعدين أكثر فأكثر. فالسعودية على الأخص قد تكون اقتنعت أن الولايات المتحدة تحت قيادة الرئيس أوباما خصوصاً لا يمكن الاعتماد عليها لحماية المصالح المتبادلة المتفق عليها منذ زمن في المنطقة، بما في ذلك حماية المملكة والعائلة الحاكمة السعودية نفسها. و إذا ترسخت تلك القناعة فعلاً فإن العلاقات السعودية الأمريكية مرشحة إلى مزيد من التدهور في وقت هو من أشد الأوقات التي تحتاج فيها المنطقة لهذه العلاقة. فبينما تدخل المنطقة فترة من عدم الاستقرار الذي قد يطول أمده فإن الصدع المتزايد بين مواقف الولايات المتحدة والسعودية قد ينتهي إلى أن يكون من أكبر ضحايا أزمة البحرين. وقد ينتج هذا التباعد تردداً سعودياً بشأن رفع إنتاجها من النفط من أجل المساعدة على عدم ارتفاع أسعار النفط، وهو أمر له تأثير مباشر على أسعار الوقود في الولايات المتحدة والعالم. وقد يؤدي هذا التباعد أيضاً بمجلس التعاون إلى أن يصبح أقل اعتماداً على القيادة الأمريكية مما سيضعف أكثر من تأثير الأمريكي  ونفوذه في المنطقة. ورغم ذلك فإن على الولايات المتحدة وأوروبا أن يتركوا ترددهم في الدعوة إلى وقف القمع في البحرين وأن يسعوا نحو حل سياسي للأزمة في البحرين. فالحل السياسي وحده هو الكفيل بتجنيب البحرين خطر الإنزلاق نحو حرب أهلية وتقادي مزيداً من التداعيات الإقليمية.


إن الطريق نحو حل كهذا يمكن الوصول إليه في مرحلتين: أولاً لابد من التوصل إلى هدنة مؤسسة على إنهاء احتجاجات المعارضة في مقابل إطلاق سراح كل النشطاء وقادة المعارضة وانسحاب القوات الخليجية من البحرين. ثانياً التوافق على البدء في حوار وطني في مدة لا تزيد عن شهرين وأن يكون هذا الحوار مؤسساً على تحسين التمثيل السياسي والمحاسبة والمشاركة في السلطة. ولابد لهذا الحوار أيضاً أن يشكل أساساً لنقاشات تهدف إلى الوصول إلى "الملكية الدستورية أو البرلمانية" في البلد. لقد كان هذا هو الهدف الذي وعد به الملك حمد سابقاً وهو الذي تطالب به أحزاب المعارضة الرئيسية. لقد حان الوقت الآن لوضع حد للتوجسات الطائفية والمخاوف "الوجودية" المتجذرة و البدء في العمل على الوصول إلى هذا الهدف من أجل مستقبل البحرين و منطقة الخليج والشرق الأوسط.


٢٣ مايو ٢٠١١

*سلمان شيخ يعمل مديراً لمركز بروكنجز في الدوحة وهو زميل لمركز صبان لسياسات الشرق الأوسط. عمل (شيخ) سابقاً كمساعد خاص لشئون الشرق الأوسط وآسيا لمساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشئون السياسية كما عمل مستشارا للأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان.


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus