محمود بملامح 45 يومـًا

2011-05-28 - 12:30 م

جاءني  على  غير  ميعاد،  يطلب  سلفة  مالية بسيطة .  محمود  شاب  بحريني  متزوج  من  لبنانية  الجنسية ولديه  طفل  صغير . لم  أعرف  سُنحته  على  الفور  حين  قرع باب  مكتبي . وجهه  مصفر  وبدنه  ضامر . أطلق  سراحه قبل  يومين  من  مجيئه . عُرف  عن  محمود  التعاون  في الأنشطة  الاجتماعية،  والسياسية،  فهو  من  أوائل  المبادرين والمهنئين  والمعزين  والمتبرعين . طالما  كان  الأول  في  الكثير .

كان  محمود  ممن  اعتقلوا  في  أحداث  التسعينيات،  حاملين مشاعل  النور  –  حسب  تعبيره  - بحثا  عن  حقوق  شعبية يراها  هو  وأبناء  جيله  مطالب  مشروعة . تعرض  لأصناف من  التعذيب  في  السجن  لأكثر  من  خمس  سنوات،  كان ممن  حكم  عليهم  بـالسجن  ١٥  عاما . كان  تولي  الملك  حمد بن  عيسى  آل  خليفة  الحكم  في  سنة  1999م  فاتحاً الحرية  من  القيد،  جاء  العفو،  ودُشن  المشروع  الإصلاحي والميثاق  الشعبي  الجديد،  فخرج  محمود  لفرجة  النور . هذه  المرة  اعتقل  محمود  ٤٥  يوما،  دخل  بملامح  وخرج بأخرى،  دخل  أبيض  اللون  وخرج  شاحبا  مصفرا  مع شيء  من  السمرة،  يُتأتئ  بالكلمات .

لماذا  اُعتقل؟  يروي  محمود  أن  له  أخٌ  أصغر،  هو  واحد  من جملة  المفقودين  الذين  لا  يعرف  عنهم  شيء  منذ  أواخر مارس  الماضي . عدد  المفقودين  منذ  ذلك  الحين  حتى  الآن حوالي  ٩٥  مفقوداً . ذهب  محمود  ووالده  بحثا  عن  أخيه في  مراكز  الشرطة . يروي  محمود : " في  أحد  المراكز، تلقّفنا  أحد  الضباط  سائلا : علام  وجودكما  هنا  أيها السافلين  يا  أولاد ...( كلمة  غير  لائقة ) ؟ . أمسك  أبي  بلحيته البيضاء  وقال : أفي  هذا  السن  تناديني  بولد  .... ؟  كان هذا  الجواب  كافياً  للضابط  ليأمر  برمينا  في  السجن ".

بعد  أيام  أُفرج  عن  الأب  وبقى  محمود  وحده . الأيام الخمسة  الأولى  تناوب  عليه  بالتعذيب  رجال  من  أصول مختلفة : باكستان  واليمن  والأردن  والبحرين . كما  تعرض أيضاً  للتعذيب  بصنوف  مختلفة : اقتلاع  أظافر الرجل .  وضعه  عارياً  تماما  مع  رجل  مسن  آخر  في  غرفة باردة  لا  ينقطع  التكييف  داخلها،  طالبين  من  كل  منهما النظر  لعورة  الآخر . ضربه  بالسوط  والحديد  حتى  لم  يعد يشعر  بجسده،  فقد  أصابه  الخدر  حسب  وصفه . يكمل محمود : " بعد  اليوم  الخامس  فوجئت  بنفسي  في المستشفى  العسكري،  وحين  أفقت  تفاجأت  بلكمة  حادة على  عيني . هناك  كان  الطبيب  يلكم،  والممرض  يبصق، والممرضات  تناديني : أيها  الخائن ".   أفرج  عن  محمود  بعد  إجباره  على  الاعتراف  بقلب  نظام الحكم  والتعاون  مع  حزب  الله  نظرا  لكون  زوجته  لبنانية الجنسية،  حسب  قوله . وخرج  بعد  التوقيع  على  تعهد  بعدم التجمهر  لاحقاً،  وإلا  فالسجن  مصيره  والحكم  جاهزاً  كما هُدّد . يرثي  حاله  محمود : " خرجت  ولا  مال  لي،  فكل أرصدتي  أوقفت  بأمر  من  الداخلية ".   

التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus