تصنيف البحرين يهبط.. سياسات الدولة تُعمّق الأزمة

2025-12-12 - 12:15 ص

مرآة البحرين: خفّضت وكالة "ستاندرد آند بورز" للتقييم الائتماني تصنيف البحرين السيادي من "B+" إلى "B"، بعد أن سبقتها وكالة Fitch Ratings للتصنيف الائتماني مطلع 2025، وخفّضت النظرة المستقبلية للبحرين من مستقرة إلى سلبية.

ماذا يعني ذلك؟ وماذا ينتظر البحرين في ظلّ هذا التخفيض؟ بالطبع هذا التقييم سلبي ولا يُشير الى أن الأمور تسير على ما يُرام في المملكة كما توحي دائمًا الحكومة. مصادر اقتصادية بحرينية تحدّثت لـ"مرآة البحرين" عن أبعاد هذا القرار، فأوعزت أسباب التردّي المالي وضعف الأداء إلى إصرار الدولة على تبنّي سياسات اقتصادية خاطئة.

بحسب المصادر الاقتصادية، لازالت جهود الحكومة متواصلة في سبيل التخلّص من الخدمات الأساسية كالتعليم والصحة والكهرباء والماء من خلال فتح الباب على مصراعيه للشركات الأجنبية عبر برامج الخصخصة التي تستحوذ فيها الشركات على أقسام في الوزارات الخدمية، وفي الوقت نفسه لم تُخفض مُخصّصات الأمن العالية والتي تنتزف ثلث الميزانية العامة، الأمر الذي أسهم في هذا التراجع،

تُضيف المصادر: "كلّ ذلك يتسبّب في تردّي الخدمات وزيادة نسبة البطالة بين المواطنين وارتفاع الأسعار، وضعف القوة الشرائية لدى المواطنين، وهذا يؤدي إلى لجوء الدولة للمزيد من الاقتراض، فتزيد أعباؤها من الديون حيث يرتفع مستوى الدين العام لمستويات قياسية، وترتفع نسبة الفوائد بصورة سنوية، كما تزيد نسبة العجوزات في الموازنة".


الأزمة السياسية وعُقدتها المستمرة
هل يُعطي تخفيض وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني نظرتها المستقبلية للبحرين إلى سلبية، مؤشرًا بضرورة إعادة النظر في أسلوب الإدارة السياسية والاقتصادية والمالية للبلد، خصوصًا مع ارتفاع الدين العام لمستوى قياسي واستمرار العجز في الميزانية؟ تُجيب المصادر الاقتصادية لـ"مرآة البحرين" إن "المنامة مازالت تعيش عقدة الأزمة، مما يتسبب في فقدان الخطط الواقعية لعلاج المشاكل الاقتصادية والمالية، ففي غياب الحل السياسي، تتفاقم الأزمات الاقتصادية والمالية والاجتماعية".

وتتابع "في عام 2013 كان الاحتياطي النقدي يعادل أكثر من عشرة أضعاف فوائد الديون. انتقل من 2040 مليون دينار في عام 2013 إلى 556 مليون دينار في الربع الثالث من عام 2018، وفي عام 2019 أصبحت الفوائد أعلى منه، ويترتّب على ذلك تدني قدرة الدولة على ترحيل أرباح الاستثمارات الأجنبية، ممّا يقود إلى تدهور التصنيف الائتماني، ما قد يؤدي إلى ضعف مستقبلي في صرف الدينار البحريني".

وفق قراءة المصادر نفسها، البحرين مرت بأزمة سياسية للمطالبة بإصلاحات على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وبعد أن مرّت فترة ليست بالقصيرة على بداية الأزمة منذ 2011 إلى الآن، كان يفترض الوقوف عند الأسباب التي جعلت من الناس يخرجون للمطالبة بالإصلاح بدلًا من أن تبقى البحرين تعيش عقدة الأزمة.

وتشدّد المصادر على أنه "عندما لا نخرج من عُقدة الأزمة السياسية فإن كل السياسات تُبنى على هذا الهاجس، وتنعدم الثقة ممّا يؤدي غياب الرقابة والتشريع وهو الأمر الذي يؤدي إلى غياب المحاسبة وانتشار الفساد الذي نشهده بصورة سنوية في تقرير ديوان الرقابة المالية والإدارية".

كذلك تلفت الى أن الحكومة وضعت خطة التوازن المالي بين عامي 2018 إلى 2022 في محاولتها للتغلّب على الخسائر المالية الضخمة، لكنها لم تصل إلى حالة التوازن، فتمّ التأجيل إلى عام 2024، ولم تصل كذلك للتوازن، بل زادت المصروفات عن الواردات وزاد العجز في الميزانية ووصل الدين العام إلى مستويات قياسية، حيث بلغ 18 مليار دينار، ما يعادل 47 مليار دولار.

خطط الإصلاحات المالية لبلوغ حالة التوازن المالي بحلول عام 2022، كانت قد شملت تقليص المصروفات المتكررة للمؤسسات الحكومية، والإحالة على التقاعد الاختياري، وتقليص الدعم الحكومي المباشر، ولكن نتائجها كانت عكسية وأصبح العديد من المواطنين في عداد العاطلين.

الإصلاح الشامل مطلوب
وعليه، ترى المصادر أن المطلوب عملية إصلاحية شاملة تتخطى عُقدة الأزمة، فالبحرين بحاجة لعلاج عاجل تكون الكوادر الوطنية فيه هي عنصر البناء وهي الرأسمال الحقيقي الذي يجب أن يستثمر فيه بدلًا من زيادة الاعتماد على العناصر العاملة الأجنبية وتقليص الاعتماد على الكوادر الوطنية، وتُضيف "اليوم لدينا أكثر من 17 ألف عاطل عن العمل حسب التصريحات الرسمية، منهم 10057 عاطل جامعي في تخصّصات مُختلفة منها التخصّصات الصحية والهندسية والمحاسبة والإدارة والقانون والحاسوب والبرمجة وغيرها، فلماذا لا يُعاد النظر في سياسة فتح السوق على مصراعيه بدون ضوابط لحفظ حقوق المواطنة".

بالموازاة، أظهرت الأرقام الرسمية أن العمالة الأجنبية العاملة في البلاد حوّلت ما مجموعه مليار دينار في العام 2024 في الوقت الذي تمّ فيه رفض مقترحات متكررة لفرض رسوم أو ضريبة على هذه التحويلات، كما تمّ رفض تشريع لفرض نسبة من البحرنة في التوظيف.

يُقدّر العجز في ميزانية الدولة للسنتين الماليتين 2025 و2026 بمبلغ (2،532،894،000) دينار، يكون نصيب السنة المالية 2025 مبلغ (1،455،248،000) دينار، ونصيب السنة المالية 2026 مبلغ (1،077،646،000) على أن يُغطَّى العجْزُ بالاقتراض من المؤسسات المالية والصناديق العربية والإسلامية.

أظهرت إحصائية جديدة حول العمّال الأجانب في المملكة ارتفاعًا في إجمالي عدد الأجانب المصرّح لهم بالعمل "المرخّصين" إلى 631.763 ألفًا، وذلك في نهاية النصف الأول من العام الجاري 2024. لذلك فالنسبة الحقيقية لعدد البحرينيين بالنسبة للأجانب هي 19,76% في مقابل 80,23% للأجانب.

انعكاسات سلبية على معيشة البحرينيين
هنا، تشير المصادر الى أن البحرين بحاجة إلى نقلة نوعية تعيد واقع العلاقات إلى نصابها وتُعيد بناء الثقة بين الحكم والمواطنين وبين المواطنين أنفسهم. وتُضرب سلطنة عمان كمثل على اعتبار أنها تشترك مع البحرين في ظروف اقتصادية مشابهة، لكنها استطاعت أن تنجح في تقليص حجم ديونها العامة بشكل ملحوظ من 68% إلى 36% من ناتجها المحلي الإجمالي في السنوات القليلة الماضية. هذه الخطوة تعكس القدرة على معالجة الدين العام بطريقة فعالة عبر سياسات اقتصادية مدروسة.

كما تُنبّه المصادر إلى أن تخفيض التصنيف الائتماني ينعكس سلبًا على المواطنين من خلال زيادة تكلفة الاقتراض، ويؤثر على الخدمات العامة كالتعليم والصحة مما يؤثر على الحياة المعيشية للمواطنين، ويتسبب ارتفاع تكلفة الاقتراض وتدهور الخدمات العامة في زيادة الضغوط المعيشية على المواطنين، مما يؤثر على قدرتهم الشرائية ومستوى معيشتهم.

العلاج داخلي أولًا
تخلص المصادر الى أنه على الرغم من تأثير التصنيف الائتماني السلبي على رغبة المستثمرين في توجيه استثماراتهم نحو البحرين، إلّا أن المعالجة ينبغي أن تكون من إصلاح الداخل بدلًا من تخفيض الحد الأدنى للاستثمار العقاري لنيل الإقامة الذهبية من 200 ألف دينار إلى 130 ألف دينار. البحرين تضيق مساحتها وكلّما تمّ تخفيض رسوم الإقامة الذهبية لتحفيز المستثمرين الأجانب لشراء العقارات، فإن شح الأراضي سيزداد وسيمثًل ضغطًا على المواطنين، لذلك إصلاح الوضع المالي يجب أن يوجّه للاهتمام بالداخل.

وتختم أن "أزمة الدين العام في البحرين هي نتيجة لسنوات من سوء إدارة المالية العامة، والتوسع في الاستدانة من دون وضع خطة استراتيجية لتقليص الدين، ولهذا يجب أن تتخذ الحكومة خطوات أكثر فاعلية من خلال تبنّي إصلاحات سياسية واقتصادية".