أحد عشر عامًا على اعتقال الشيخ علي سلمان: حين يُسجن الوطن باسم القانون
2025-12-27 - 8:05 م
مرآة البحرين : أحد عشر عامًا مرّت منذ أن وضعت سلطة آل خليفة القيود في يدي الشيخ علي سلمان، الأمين العام لجمعية الوفاق الوطني الإسلامية، لكنها في الحقيقة لم تقيّد رجلًا، بل قيّدت صوت وطن بأكمله. في 28 ديسمبر 2014، لم يعتقلوا شخصًا بقدر ما اعتقلوا المعنى ذاته للسياسة في البحرين، ودفنوا آخر نفسٍ من الحلم بإصلاحٍ وطني جامع. ومنذ ذلك اليوم، لم تتغير طبيعة السلطة، بل ازدادت فجاجة في استخدام القمع كمنهج حكم، حتى صار السجن هو المؤسسة الوطنية الأولى، والوفاء للوطن جريمة لا تُغتفر.
لم يكن الشيخ علي سلمان معارضًا تقليديًا، بل كان عقلًا سياسيًا متوازنًا يحمل مشروعًا واضحًا: المشاركة في بناء دولة عادلة عبر الوسائل السلمية. لكن هذه الكلمة (سلمية) كانت ولا تزال كابوسًا للسلطة، لأنها تُسقط شرعية القمع، وتُحرج النظام أمام العالم. في بلدٍ تحكمه عائلة تعتبر نفسها فوق القانون، لا يُحتمل وجود من يعارضها بعقلٍ وهدوءٍ ومنطق. لذلك كان اعتقال الشيخ ضرورة أمنية بالنسبة لهم، لا لحماية الدولة، بل لحماية الرواية الرسمية من الانهيار.
لقد أثبتت قضية الشيخ علي سلمان أن البحرين ليست دولة مؤسسات، بل مزرعة تدار بالعصا والولاء. حين يُحاكم زعيم سياسي بتهمة "التخابر مع قطر" لمجرد أنه دعا إلى وساطةٍ خليجية قبل الأزمة، فذلك لا يعني وجود عدالة، بل وجود قضاءٍ مفصّل على مقاس الحاكم. لم تكن التهمة أكثر من ورقة استخدمت لإغلاق آخر منفذٍ للمعارضة السلمية، ولإرسال رسالة إلى الشعب مفادها: "لا صوت يعلو فوق صوت الحاكم، حتى لو كان صوت الوطن".
لكن ما لم تفهمه السلطة بعد، هو أن الزنازين لا تُخرس الوعي، وأن الحديد لا يمنع الفكرة من العبور. الشيخ علي سلمان اليوم خلف القضبان، لكن خطابه السياسي يعيش في ضمير كل بحريني حرّ، وفي كل عقلٍ يرفض تحويل الوطن إلى إقطاعية. لقد فشلت السلطة في إقناع العالم بأنها تواجه إرهابًا أو تخريبًا، لأن الشيخ علي سلمان لم يحمل سلاحًا، بل دستورًا؛ لم يحرض على الكراهية، بل دعا إلى الشراكة والمواطنة المتساوية ولحكومة منتخبة من الشعب. ولهذا بالتحديد خافوا منه، لأنهم يعلمون أن المنطق هو العدو الأكبر للطغيان.
في كل عام يمر على اعتقاله، تتكشف حقيقة البحرين أكثر: دولة تتحدث عن "الإصلاح" في المؤتمرات، وتمارس "الانتقام" في الزنازين. تتشدق بـ"التسامح الديني" وهي تهدم المساجد، وتمنع صلاة الجمعة لأكبر مكون إجتماعي في الوطن، وتفاخر بـ"حقوق الإنسان" وهي تسجن رجال الدين والمثقفين والنشطاء. إنها سلطة تعيش على الأكاذيب وتحتاج إلى عدو دائم لتبرر وجودها، والشيخ علي سلمان كان ضميرًا يصعب شراؤه أو تدجينه، فحوّلوه إلى "خطرٍ وطني" ليبرروا استمرار القبضة الحديدية.
أحد عشر عامًا من العزلة لم تضعف رمزيته، بل زادت من حضورها. ففي زمنٍ غابت فيه الأصوات الحرة، بقي اسمه شاهدًا على أن المعارضة ليست جريمة، وأن الوطنية ليست ورقة تمنحها الديوان الملكي. إن كل يومٍ يقضيه في السجن هو تذكير للشعب بأن "الاستقرار" الذي يتحدثون عنه هو استقرار المقابر، لا استقرار العدالة. وما يسمونه "أمنًا" هو في الحقيقة خوف النظام من شعبه.
لقد أرادت السلطة أن تجعل من سجنه نهاية فصل المعارضة، لكنه أصبح عنوان فصلٍ جديد من الوعي الجمعي البحريني. كل مواطن اليوم يدرك أن المشكلة ليست في الأشخاص، بل في بنية الحكم نفسها، في عقلٍ لا يؤمن بالشراكة ولا يرى الشعب إلا رعية تُدار. الشيخ علي سلمان أصبح مرآة تكشف عورة النظام، وسجنه شهادة على أن منطق "الإصلاح من الداخل" مستحيل في ظل قبيلة تحتكر الدستور والقرار والثروة.
إن مرور أحد عشر عامًا ليس زمنًا يُقاس بالتقويم، بل هو مقياس لمدى انحدار الدولة في وحل الاستبداد. ومع ذلك، فإن كل سنة يظل فيها الشيخ علي سلمان صامدًا، هي سنة يُهزم فيها الخوف، وتنتصر فيها الكلمة على القيد.
في نهاية المطاف، لا يُخلّد الطغاة في التاريخ، بل الذين صبروا على ظلمهم دون أن يبيعوا ضمائرهم. والبحرين ستبقى تذكر أن هناك من قال "لا" للطغيان والاستبداد حين كان الصمت أسهل.
- 2025-12-27حملات شعبية واسعة للتضامن مع الأستاذ حسن مشيمع وسط تجاهل من السلطة
- 2025-12-25وزارة العدل تُهاجم الجمعيات: على الجميع التطبيل للحكومة!
- 2025-12-24دعم الكهرباء والماء .. أزمة تُدار على حساب المواطن
- 2025-12-24هل هما سلطتان؟ أم ديكور دستوري بقرار واحد؟
- 2025-12-23حاكم البحرين يُنفّذ ما هو أخطر من مشروع البندر