في استنزاف جديد للمواطن .. الحكومة البحرينية تُقر حزمة من الضرائب والرسوم وترفع الدعم عن خدمات أساسية

2025-12-31 - 1:23 ص


مرآة البحرين: من جيوب المواطنين، قرّرت البحرين أن تطلق حزمة إصلاح مالي واسعة تشمل رفع أسعار الوقود والكهرباء والماء. التبرير المُعلن للسلطة هو كبح مستويات الدين المتصاعدة وعجز الموازنة.

الإصلاحات المعلنة من قبل الدولة تشمل خططًا لرفع أسعار الوقود والغاز الطبيعي، وزيادة توزيعات الأرباح من الشركات المملوكة للدولة، وخفض النفقات الإدارية الحكومية بنسبة 20%.

يأتي هذا الإعلان إثر اجتماع للجنة المعنية بتحديد ومراقبة أسعار المنتجات النفطية في السوق المحلي والتي تهدف إلى تحديد أسعار الوقود محليًا بشكل يعكس التغيرات في الأسعار العالمية ويحقق كفاءة اقتصادية واستدامة مالية.

وبناءً على اجتماع اللجنة، تمّ إقرار أسعار جديدة للوقود ابتداءً من 30 كانون الأول/ديسمبر 2025.

يتزامن ذلك مع تحذير جهات من صندوق النقد الدولي إلى وكالات التصنيف الائتماني من عبء الديون المتزايد في البحرين وتدهور وضعها المالي، حيث تجد البلاد نفسها تحت ضغوط مالية متزايدة في ظل تعاملها مع انخفاض أسعار النفط والعجز الواسع.

آلية التسعير الجديدة تشمل جميع أنواع الوقود المستعملة في المركبات، وهي: بنزين سوبر (98 أوكتان)، وبنزين ممتاز (95 أوكتان)، وبنزين جيد (91 أوكتان)، إضافة إلى الديزل، مع الإبقاء على سعر الديزل المدعوم للصيادين البحرينيين.

 

ما قبل وما بعد
وفي مقارنة بين الأسعار القديمة والجديدة، تتضح نسبة الزيادة وفق الآتي:

ممتاز:
السعر القديم: 0.200 فلس لكل لتر
السعر الجديد: 0.235 فلس لكل لتر
نسبة الزيادة: 17.5%

جيد:
السعر القديم: 0.140 فلس لكل لتر
السعر الجديد: 0.220 فلس لكل لتر
نسبة الزيادة: 57.1%


طوابير المواطنين أمام المحطات
فور صدور القرار، تدافع المواطنون بالطوابير إلى محطات الوقود قبل حلول الموعد الرسمي لانطلاق الأسعار الجديدة أي 30 كانون الأول/ديسمبر. مشهد يختصر حال الناس الذين باتوا أسرى لقمة العيش وتوفير الراتب بما يضمن وصوله حتى نهاية الشهر.

يُقال إن موجة الارتفاعات في الأسعار ستستمرّ على دُفعات وبالتقسيط لتخفيف وقع الصدمة. كلّ ذلك يؤكد أن الدولة غير معنية بأصوات وشكاوى الناس طيلة الفترة التي سبقت إعلان الأسعار الجديدة للوقود، فلو سمعت حقًا الاعتراضات الشعبية لما أقدمت وزادت الأعباء عليهم.

طبعًا أكثر المتضررين جراء هذه الزيادة هم محدودو الدخل، وهذا حُكمًا يشير إلى اتساع الفجوة بين الطبقة الفقيرة في البحرين والطبقة الغنية.

 


خطوات الكارثة
كارثة رفع الدعم لم تقتصر على أسعار الوقود والبترول، بل شملت خدمات أخرى يمكن تلخيصها وفق الآتي كما ورد في إعلان الحكومة:

1- خفض المصروفات الإدارية بنسبة 20% لكل الجهات الحكومية مع الحفاظ على جودة الخدمات المقدمة للمواطنين.

2- زيادة مساهمات الشركات الحكومية في الميزانية العامة للدولة.

3- إحالة مشروع قانون إلى السلطة التشريعية في شأن إيرادات بنسبة 10% على أرباح الشركات المحلية التي تتجاوز إيراداتها مليون دينار أو يتجاوز صافي أرباحها السنوية 200 ألف دينار، وذلك على الأرباح التي تفوق 200 ألف دينار.

4- إحالة مشروع قانون إلى السلطة التشريعية بزيادة الضريبة الانتقائية على المشروبات الغازية.

5- تحسين استغلال الأراضي الاستثمارية غير المطورة التي تتوافر فيها كل خدمات البنية التحتية من خلال رسم شهري بواقع 100 فلس لكل متر مربع.

6- استحداث رسوم على خدمات الصرف الصحي مع استثناء المسكن الأول للمواطن، بواقع 20% من قيمة استهلاك المياه.

7- رفع رسوم العمل والرعاية الصحية على الأجانب دعما لأولوية المواطن البحريني في التوظيف، مع استثناء العمالة المنزلية.

8- رفع سعر الغاز الطبيعي على الشركات والمصانع بما يعكس التكلفة الفعلية للاستهلاك.

9- تطوير آلية لتحديد أسعار الوقود.

10- عدم تغيير تعرفة الشريحة الأولى والثانية للكهرباء والماء للمواطنين في المسكن الأول مع مراعاة الأسر المركبة، وإرجاء تطوير آليات دعم الكهرباء والماء للمواطنين للمزيد من الدراسة، وتعديل تعرفة استهلاك الكهرباء للفئات الأخرى من 29 فلسًا إلى 32 فلسًا والماء من 750 فلسًا للمتر المكعب الى 775 فلسًا للمتر المكعب.

11- تسهيل الإجراءات الحكومية الداعمة للاستثمار وزيادة فاعليتها لاستقطاب الاستثمارات الأجنبية وتعزيز دور القطاع الخاص.

بشكل أوضح هذا يعني إلغاء دعم الشريحة الثالثة للكهرباء والماء، رفع تسعيرة الكهرباء للفئات غير المدعومة، ورفع سعر الغاز على المستهلكين، ورفع ضريبة المشروبات الغازية، إضافة الى استحداث رسوم على الصرف الصحي 20% من استهلاك الماء باستثناء المسكن الأول، إلى جانب استحداث رسم دينارين للمسافرين في المطار.

وفي مشهد الرفع الجارف للأسعار، ينضمّ رفع الغاز على الشركات، ورفع ىسعر الديزل، ورفع رسوم إقامة العمال الذي يؤثر بطبيعة الحال على كلّ حركة أسعار الخدمات في البلد مباشرة. كلّ هذا تحت عنوان إصلاحات مالية واسعة، تستهدف جيوب الفئة الفقيرة والمحدودة الدخل من المواطنين.

 

جسّ النبض
سياق هذه الزيادة كان قد بدأ بسيناريو محبوك جيدًا حين عزمت الحكومة، كما أعلنت، على قصر دعم تعرفة الكهرباء على الشريحتيْن الأولى والثانية، ورفع دعم الغاز عن الشركات والمصانع الصغيرة والمتوسطة. ثمّ عادت وأعلنت بعد لقائها مع السلطة التشريعية عدم تغيير تعرفة الشريحة الأولى والثانية للكهرباء والماء للمواطنين في المسكن الأول، وإرجاء تطوير آليات دعم الكهرباء والماء للمواطنين بالمسكن الأول للمزيد من الدراسة.

عقب ذلك، خرج عدد من النواب ليُسجّلوا تحفظّهم على أيّ خطوة تمسّ المواطنين ذوي الدخل المحدود. وعلى الأثر، دعا رئيس مجلس النواب أحمد المسلم إلى التريّث في التصريحات بشأن دعم الكهرباء والماء لحين صدور قرارات مجلس الوزراء.

كلّ هذا لم يُغيّر النتيجة. الأسعار رُفعت بعد مسلسل متدرّج من غلاء المعيشة بدءًا ببعض السلع وصولًا إلى الضريبة، لكن رغم كلّ هذا لم يتحقّق التوازن المالي بل زاد الدين العام ومستويات الفقر في البحرين. هذا يعني أن الخلل يكمن في مكان آخر، ولهذا باتت مشاركة الناس في القرار ضرورة مُلحّة لإنقاذ البلد، خاصة أن القاعدة التي لم تتبدّل رغم كلّ الظروف هي أن الأسرة الحاكمة والأمراء والمشايخ وحاشية السلطة تنعم بالرخاء والبحبوحة التي لا تهتزّ، بلا أيّ خجل.

 

الإصلاحات يجب أن تكون عادلة ومتدرّجة
الجمعيات السياسية في البحرين رفعت هي الأخرى صوتها عقب صدور الأرقام الصادمة بهذا الحجم، وأعلنت رفضها الشديد لمضاعفة التعرفة الشريحة الثالثة للكهرباء من16 فلسًا إلى 32 فلسًا، ورفع الشريحة الثالثة لتعرفة المتر المكعب للماء من200 فلس إلى 775فلسًا،
وهي زيادات حادة للغاية ستُثقل كاهل معظم العوائل البحرينية ولا تراعي حجم الأسر وظروف المساكن والظروف المناخية وغيرها من الأسباب.

الجمعيات رأت أن هذه الزيادة تُفرغ عمليًا كل التصريحات التي دارت عن استمرار دعم الكهرباء من محتواها الحقيقي، إذ أن الحكومة عمليًا رفعت الدعم على المواطنين ولم تستجب لمطالب ومناشدات النواب والمجتمع المدني والمواطنين بالرغم من الحديث عن الشراكة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية.

كذلك رفضت الجمعيات رفع أسعار البنزين الممتاز والجيد إلى 235 و220 فلسًا على التوالي، مشيرة إلى عدم مراعاة الحكومة للقدرة الشرائية للمواطنين. كما حذّرت الجمعيات من أن فرض ضريبة 10% على الشركات المحلية المسجلة في البحرين فقط يفتح ثغرة أمام الشركات الدولية الكبرى التي تنفذ مشاريع كبرى دون أن تكون مسجلة، ما قد يؤدي للتحايل عبر التعاقد من الباطن مع شركات محلية، ولا سيما في قطاعات الخدمات والبرمجيات الرقمية والخدمات النادرة، ويضر بتحقيق العدالة في المنافسة والإيرادات المستهدفة.

وبحسب بيان الجمعيات السبع، أيّة إصلاحات مالية يجب أن تكون متدرّجة وعادلة وشفافة، مع مراعاة ألّا تمسّ الحقوق السياسية للمواطنين، وفي مقدمتها الحق في الحصول على الخدمات الأساسية بأسعار ميسّرة، بما يعزز الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة، ويحفظ استقرار الطبقة الوسط باعتبارها الركيزة الأساسية للاستقرار الاقتصادي والاجتماعي.