الخوالد: بذرة الشر (1-2)

2012-02-17 - 10:48 ص



وصلة الحلقة الثانية

مرآة البحرين (خاص): في عائلة طحنتها الصراعات الدموية على الحكم حتى أراق الإخوة وأبناء العمومة دماء بعضهم البعض، قلما وجد الطرف الممسك بالحكم من يثق به. ولعل الاستثناء الوحيد هو ذلك الدور الذي لعبه خالد بن علي مع أخيه حاكم البحرين عيسى بن علي  1869 ـ 1932م حين جلبه البريطانيون ليعتلي سدة الحكم في البحرين عقب الأحداث العاصفة التي ألمت بحكم محمد بن خليفة الذي خرج عن طاعة البريطانيين غير ذات مرة.

لم يكن خالد بن علي الوزير الناصح، أو المستشار الحكيم، فلقد تسبب لاحقاً في كوارث كبرى دفع عيسى بن علي ثمنها باهضاً. وتورد الوثائق البريطانية في الأعوام 1922- 1924 العديد من الجرائم التي ارتكبها خالد بن علي وأبناؤه في سترة وغيرها من قرى البحرين التي اكتوت بسياسات السخرة والإستعباد.

جرائم الخوالد: جيلاً بعد جيل

ووثقت التقارير الإدارية البريطانية قيام خالد بن علي بمعونة الدواسر قام بمهاجمة جزيرة سترة خلال شهر مارس سنة 1922 في أسوأ حادث إرهابي منذ إعلان المقاومة السلمية من جانب الأهالي، بعد أن قتل  أكثر من 12 شخصا منهم وحرق بيوت الكثير منهم واغتصبت بعض النسوة. وعلى إثر هذه المجزرة تحركت القرى بفعالية مطالبة الحاكم الشيخ حمد والميجر ديلي باتخاذ الإجراءات المناسبة وإيقاف الحملات الإرهابية.

وكان الشيخ عبد الله العرب من أبرز علماء البحرين الذين وقفوا وتصدوا لاعتداءات الدواسر، حيث كان الناس تستظل بآرائه وفتاويه وتستلهم منه الرؤى والتوجيهات للدفاع عن حقوقها المسلوبة. وقام الشيخ العرب بمعية الشيخ حسن رمضان بكتابة عريضة احتجاج دون فيها جميع الانتهاكات ورفعوا العريضة للحاكم البريطاني الممثل للمقيم السياسي البريطاني في (بوشهر) من أجل التدخل لوضع حد للانتهاكات وسعياً لمعالجة الموضوع، وسعى شيوخ قبائل (الدواسر) وأعوانهم لتعطيل سير المحاكمة القضائية وفرض إرهابهم بالقوة وقاموا بتهديد المواطنين (الشيعة) إذا ما حاولوا تقديم إثباتات جريمة محددة ضدهم.

فقام الدواسر بالتعرض للبحارنة العاملين في الغواص في منطقة خورفشت في مايو 1923. وبالرغم من هذا التهديد قدم الشيخ (العرب) والمواطنين إثباتاتهم وأدلتهم التي أدانت شيوخ قبائل (الدواسر) وأعوانهم المجرمين، الذين اعترفوا بالمسؤولية الجماعية عن الجرائم المرتكبة ضد المواطنين الشيعة في قرية (عالي) و(سترة) واُجبروا على دفع التعويضات المناسبة لأهل الذين قتلوا وجُرحوا من جراء الهجوم على قرية (عالي)، وكانت هذه أول مرة في تاريخ البحرين الذي تُقَدَم قبيلة متنفذة إلى المحكمة تحت سلطة القانون العام البريطاني! مما أوغر صدورهم وأخذوا يتحينون الفرصة للانتقام من القائمين على هذا العمل.

وفي العاشر من يونيو1923 ارتكب (الدواسر) وأعوانهم جريمة بشعة عندما كمنوا للشيخين العرب ورمضان فجراً، حيث شهر (الدواسر) سيوفهم وهجموا عليهم في منطقة تسمى (ردم الصّليّب) قرب قرية (أبوصيبع) وقاموا بقتل الشيخين بقطع رأسيهما والتمثيل بهما، ثم فروا هاربين.

ورغم كل ما اقترفه خالد بن علي بمعية الدواسر من جرائم وانتهاكات لحقوق هذا الشعب، فقد استطاع أن يبقى هو وأبناؤه وأحفاده في قصور الحكم الخليفية، جيلاً بعد جيل. ما خلا عهد عيسى بن سلمان آل خليفة الذي أحكم فيه رئيس الوزراء خليفة بن سلمان القبضة على مقاليد الحكم، فلم يكن للخوالد ذلك الوجود أو التأثير، وليس خفياً على المتابعين العداء المستفحل بين خليفة بن سلمان وخالد بن أحمد وزير الديوان، إذ لطالما صرح رئيس الوزراء لحضور مجلسه وديوانه كراهيته لخالد بن أحمد وأخيه خليفة القائد العام لقوة دفاع البحرين. المفارقة الوحيدة في عداء خليفة بن سلمان لهم، أنه حاول استرضاء الخوالد عبر تزويجه ابنه علي بن خليفة بواحدة من الخوالد حين اختار بنت عبدالله بن خالد زوجة له.

الخوالد من جديد

سيكون للخوالد في عهد حمد بن عيسى آل خليفة (1999) عودة جديدة، لكنها ليست عودة المستشار أو الوزير فحسب، بل هي عودة بأهداف جديدة وطموحات أكبر، معادلة الخوالد التي يفهمها خالد بن أحمد وأخوه المشير هي كالتالي: أن يبقى الحكم في عائلة عيسى بن علي في الأسماء، فيما يمسك الخوالد بمقاليد الحكم على الأرض، ولطالما سرّ الخوالد لمن يلوم تغولهم في مؤسسات الدولة بأن اتساعهم هو تعويض لما بذله جدهم الأول خالد بن علي في استقرار الحكم فيما كان أخوه عيسى بن علي مشغولاً بترف القصور والنساء. وكما كان للجد الأكبر خالد بن علي مجازره وجرائمه، ها هم أحفاده يكملون دموية جدهم من جديد.


اضغط لتكبير الصورة

أنجب خالد بن علي آل خليفة عدة أبناء، منهم: عبدالله بن خالد وهو رئيس المجلس الأعلى للشؤون الاسلامية وعميد العائلة المالكة، وسلمان بن خالد وهو جد وزير الديوان الملكي خالد بن أحمد بن سلمان آل خليفة والمشير خليفة بن أحمد بن سلمان آل خليفة القائد العام لقوة الدفاع. وهو أيضاً عم وزير الديوان عبدالله بن سلمان، وزير الكهرباء السابق، الذي يشغل اليوم منصب رئيس المكتب العسكري للقائد الأعلى للقوات المسلحة، هو منصب ترضية بعد إزاحته من وزارة الكهرباء إثر فشله في إدارة ملف الاثنين الأسود الذي شهد انقطاع الكهرباء عن جميع الكهرباء في أغسطس 2004.

 وتمتد سلطة الخوالد لتشمل وزارة العدل، فوزير العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف خالد بن علي بن عبدالله بن خالد هو حفيد عبدالله بن خالد، تزوج والد الوزير وعضو مجلس الشورى السابق علي بن عبدالله ال خليفة من سيدة مصرية وأنجب منها الوزير الشيخ خالد، وتنكر الأب لابنه، فمكث الابن سنوات في مصر، حتى عَلم الجد بذلك فأمر بأن يعيش حفيده في البحرين، وتحت رعاية مباشرة منه.

هناك أيضاً، الشيخ خالد بن عبدالله بن خالد نائب رئيس مجلس الوزراء هو ابن عبدالله بن خالد عميد العائلة. وهو شخصية ليبرالية يرى فيه الخوالد الشخصية الأقرب لتولي رئاسة الوزارء بعد رحيل خليفة بن سلمان على عكس ما يدور في أروقة الحكم بأن المرشح لخلافة خليفة بن سلمان هو الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة. ويهيأ الخوالد الأخير ليكون رئيس الوزراء في البحرين حالما يغادر خليفة بن سلمان كرسيه.
كما أن وزير الدولة لشئون الدفاع محمد بن عبدالله هو نجل خالد بن عبدالله عميد العائلة، وبذلك تكون جميع المناصب العسكرية في البلاد هي في قبضة الخوالد.

أما آل عطية فهم ينتسبون للخوالد من جهة والدتهم (أخت خالد بن أحمد)، ويعتبر (أحمد بن عطية الله وأخواله خالد بن احمد وخليفة بن أحمد) الحلقة الإدارية الرئيسية لنفوذ الخوالد في الدولة والعائلة الملكية الجديدة في البحرين. ويعتبر هذا الثلاثي الحلقة المديرة لمجمل تفاصيل المشهد السياسي في البحرين، خصوصاً وأن وزير المالية وباقي الوزراء يدركون أن شيئاً لا يمر من الديوان الملكي دون موافقة هذه الدائرة التي تستهلك أوقات الملك في الترفيه والنساء تحت إشراف عاملهم في الصافرية مستشار اختيار العاهرات للملك سلمان بن هندي.

تقرير البندر: اولى بذرات الشر

لم يكن للعائلة الملكية الجديدة في البحرين من الخوالد ظهور واضح ما بين الأعوام 1999 – 2006، بل إن أحداً لم يتنبه لتغول هذه العائلة وامتدادها في شتى مواقع الدولة ومؤسساتها المدنية والعسكرية. إلا أن صبيحة الخميس الموافق بـ 14 سبتمبر 2006م كان توقيت الكشف عن نفوذ الخوالد ومخططاتهم الشيطانية في البحرين، وذلك عقب قرار إبعاد مستشار الحكومة السابق الدكتور صلاح البندر وذلك بتهمة تورطه في محاولة انقلابية.

كان صلاح البندر قبل قرار إبعاده قد التقى بعدد من نخبة الصحافيين البحرينيين ليعرض عليهم تقريراً – عرف لاحقاً بتقرير البندر – سرياً سرعان ما تداولته الصحافة المحلية. التقرير كشف تورط شخصيات هامة من الخوالد يتقدمهم أحمد بن عطية الله وآخرون من الحكومة البحرينية، في إنشاء جهاز سري يعمل على إثارة الفوضى والنزاعات فيما بين مكونات الشعب البحريني: الشيعة والسنة. كما تورط هذا التنظيم في إنشاء جمعيات ومؤسسات أهلية تعمل على تقويض المسيرة الإصلاحية في البلد ومناهضة القوى الداعمة لعملية التحول الديمقراطي. وقد تهيأت لهذا الجهاز أموال طائلة تم صرفها على أعضائه ونشاطاته مما كان له الأثر في إحداث العديد من الأزمات الاجتماعية والسياسية التي اتسمت بطابعها الطائفي في البحرين.  

أيام بسيطة بعد مغادرة البندر وسرعان ما تكشفت خطوط  فضيحة (البندر غيت) لتكشف عن ملامح الوجوه الحقيقية التي تدير البلاد وتتحكم في مواردها وسياساتها، وسرعان أيضاً ما ظهر خالد بن أحمد آل خليفة لا كوزير للديوان الملكي، بل باعتباره الديوان الملكي والملك ذاته. كان العام 2006 تحديداً نهاية ما كان يعرف بالمشروع الإصلاحي في البحرين. وللحديث تتمة.

  • في الحلقة الثانية:
  • ماذا قال خالد بن أحمد لولي العهد في اجتماع الأسرة بعد إعلان مبادرة ولي العهد؟
  • لماذا تكره زوجة الملك الشيخة سبيكة بنت إبراهيم وزير الديوان خالد بن أحمد؟
  • كيف يستخدم خالد بن أحمد وأخوه الطفل المعجزة ناصر بن حمد، لاستفزاز ولي العهد؟
  • من أشرف على إحضار درع الجزيرة إلى البحرين بعد الاستنجاد بالسعودية؟

التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus