الخوالد: بذرة الشر (2-2)

2012-02-27 - 7:37 ص






وصلة الحلقة الأولى

مرآة البحرين (خاص): منذ بداية عهد الملك حمد بن عيسى آل خليفة حرص خالد بن أحمد آل خليفة وزير الديوان الملكي الذي انتقل من ديوان ولي العهد إلى الديوان الأميري بمعية الأمير الجديد، على مد حبال عائلته لتطويق مفاصل الدولة، وليكون لـ (الخوالد) الكلمة الأولى والأخيرة. واستطاع خالد بن أحمد في السنوات العشر الماضية أن يصل بعائلته إلى أن تكون الفرع الأكثر حضوراً وحضوة في الديوان الملكي مقارنة بباقي تفرعات الأسرة الحاكمة في البحرين.

كان الجهازين العسكري والمعلوماتي أول القطاعات استهدافاً من جانب الوزير (البدوي) المعروف بعدوانيته وطائفيته، اختار الوزير أخاه المشير خليفة بن أحمد آل خليفة ليمسك بمنصب القائد العام لقوة دفاع البحرين بعد إقناع الملك حمد بن عيسى بأن ولي عهده الأمير سلمان بن حمد آل خليفة غير قادر على التفرغ لإدارة المؤسسة العسكرية. وكان ذلك سبب استحداث المنصب الشرفي لولي العهد (نائب القائد الأعلى)، وهو منصب لا قيمة له.




صفعات الخوالد تتوالى

لم يكن استحواذ الخوالد على قوة دفاع البحرين الصفعة الوحيدة التي وجهها خالد بن أحمد لولي العهد الأمير سلمان بن حمد، بل تعمد إهانته مرة أخرى حين أقنع الملك على منح القائد العام لقوة دفاع البحرين خليفة بن أحمد رتبة (المشير) قبل أن يتحصل عليها ولي العهد. عقب ذلك اضطر الملك منح ولي العهد الرتبة العسكرية ذاتها بعد هرج ومرج كبيرين في أوساط الأسرة الحاكمة، خاصة من قبل قرينة الملك الشيخة سبيكة بنت إبراهيم التي ترى في خالد بن أحمد تهديداً لحكم ابنها.

كان الوزير، ثقة الملك، خالد بن أحمد غالباً ما يعمد إلى استخدام الأخ غير الشقيق لولي العهد ناصر بن حمد (والدته مطلقة من قبيلة العجمان) في استفزاز ولي العهد ووالدته. ويجمع بين الوزير خالد بن أحمد ونجل الملك ناصر بن حمد الكثير، ليس هوس (البداوة) والشعر الشعبي  وسباقات القدرة أولها، ولا الكراهية لولي العهد آخرها. ولا تخفي سيدة البحرين الأولى ووالدة ولي العهد الشيخة سبيكة بنت إبراهيم قلقها وكراهيتها لخالد بن أحمد وتيار الخوالد في الأسرة الحاكمة علانية، آخرها ما أسرت به لنخبة من السيدات البحرينيات في معرض الحدائق الذي يتم تحت رعايتها كل عام.


أحمد بن عطية الله آل خليفة
وبعد أن أحكم الوزير قبضته على المؤسسة العسكرية، قدم خالد بن أحمد ابن اخته أحمد بن عطية الله آل خليفة للملك حمد بن عيسى بوصفه الشخصية الشابة القادرة على تطوير القطاع المعلوماتي في البلاد، والرقي به. وبالفعل نال أحمد بن عطية الله ثقة الملك، وأمسك بالجهاز المركزي للإحصاء والمعلومات. ورغم ما ألقت به فضيحة البندر التي كانت تدار من مكاتب الوزير عطية الله في الجهاز المركزي للإحصاء والمعلومات من تأثيرات على صورة أحمد بن عطية الله في الأوساط السياسية، إلا انه استمر في السيطرة على هذا القطاع حتى بعد خروجه رسمياً منه. ولم تفلح محاولات كل من رئيس الوزراء وولي العهد في الإمساك بهذا القطاع أو التدخل فيه.

ويذكر أن الملك بعد تقرير البندر قد قام بتدويرات وزارية وإدارية بداية العام 2007، إلا أن جميع هذه التدويرات كانت تصب في تعزيز وجود الخوالد. وهو ما يشير إلى استبعاد القبول بفرضية جهل الملك بمخطط تقرير البندر وتفاصيله. وهو ما أعلنه رئيس الوزراء في أحد مجالسه الأسبوعية العام 2008 حين سأله أحد الصحفيين عن التمييز في البلاد فرد قائلاً: "في عهد والدي لم يكن هناك تمييز، وفي عهدي لم يكن هناك تمييز، الآن أنا لست مسئولاً عما يحدث، أنا لم أقم بالتجنيس، وأنتم تعرفون البندر ومن يقف وراءه!".

صراع الخوالد ورئيس الوزراء


خالد بن عبدالله بن خالد آل خليفة
بعد أن أحكم خالد بن أحمد قبضته على هذين الجهازين مدّ خالد بن أحمد والخوالد خيوطهم صوب مجلس الوزراء ووزارة المالية والعدل والدفاع، في الوزارة الأولى وزير ضعيف لديه تعليمات صارمة أن وزير الديوان هو من يملك الحل والعقد، وفي العدل والدفاع وزيران من فرع الخوالد، كما استطاع خالد بن أحمد تمرير ترشيح خالد بن عبدالله بن خالد آل خليفة لمنصب نائب رئيس الوزراء تمهيداً لاستحواذه على المنصب في حال وفاة خليفة بن سلمان في أي لحظة. رمى الخوالد بهذه الورقة مطمئنين، خاصة وأنهم يدركون أن الملك يأخذ على محمد بن مبارك تبعيته لرئيس الوزراء وضعف احتمالية أن يكون مرشحاً للمنصب بعد وفاة الشيخ خليفة بن سلمان.
ومع امتداد يد الخوالد في وزارات ومؤسسات الدولة، بدأت تدخلات خالد بن أحمد في إدارة مجلس الوزراء بشكل مباشر باسم الملك الذي سلم مقاليد السلطة فعلياً لوزيره، وهو ما تنبه له رئيس الوزراء خليفة بن سلمان وصرح برفضه له أكثر من مرة، وليس سراً الإفصاح عن عدد المرات التي قام رئيس الوزراء فيها بطرد وزير المالية أو توبيخه لرفضه اعتماد مبالغ من الميزانية العامة للدولة لتنفيذ بعض القرارات التي كانت تتخذ في جلسات مجلس الوزراء ويرفض الوزير الملك خالد بن أحمد تمرير موازناتها المالية.

وإلى ما قبل 14 فبراير 2011 كانت العلاقة بين رئيس الوزراء والخوالد متوترة وحادة، وبالغ خالد بن أحمد في استفزاز رئيس الوزراء حين نجح في تعيين وزير من الخوالد وهو أحمد بن عطية الله وزيراً لشئون مجلس الوزراء. لم يقبل رئيس الوزراء التعاون مع أحمد بن عطية الله، وجعل من مستشاريه حلقة الوصل بينه وبين وزير شئون المجلس، إذ كان يرفض الحديث مع أحمد بن عطية الله مباشرة ويستصغره، كما كان رئيس الوزراء خليفة بن سلمان  - وبعلانية يعرفها الصحافيون في البحرين  - يطلب من الصحافيين في صحيفة أخبار الخليج التركيز على فضيحة البندر وتورط أحمد بن عطية الله وخالد بن أحمد فيها.

الأصالة والمنبر في قبضة الوزير

ورقة أخرى كان وزير الديوان الملكي خالد بن أحمد يستخدمها للظهور أمام ملك البلاد بوصفه الورقة الرابحة دائماً وأبداً في إدارة الدولة، إذ عمد الوزير إلى السيطرة على مؤسسات المجتمع المدني السياسية والحقوقية والمهنية عبر الرشاوى والمخصصات المالية التي كان يغدقها عليها. وهكذا، أصبحت جمعيتا الأصالة والمنبر وبعض الجمعيات الحقوقية والمهنية في قبضته. وكذلك بالنسبة لكتلة المستقلين البرلمانية التي كان يختار ممثليها بعناية، وهو ما ألمح له عضو تجمع الوحدة الوطنية المحامي عبدالله هاشم في أكثر من موقف احتجاجي.

في المحصلة، كان الوزير خالد بن أحمد – ولا يزال - المتحكم الوحيد بمخرجات السلطة التشريعية في البلاد فضلاً على إحكامه وعائلته السيطرة على السلطة التنفيذية. وهو ما جعله بالنسبة للملك الورقة الرابحة التي يستطيع من خلالها السيطرة على مجريات الأمور في البلاد. وهكذا أصبح خالد بن أحمد وعائلته يمسكون بالخيط والمخيط في البلاد، فخلف كل قرار حكومي تقف لهم يد ويمتد تأثير.

وفيما كان ولي العهد سلمان بن حمد ورئيس الوزراء خليفة بن سلمان مشغولين بالصراع بينهما على المراكز والمساحات التي تركها الخوالد لهما. كان خالد بن أحمد يدير لهما مسرح الصراع أمام الملك، فيكتب الغلبة لهذا الطرف في ملف ويعوض الخاسر بملف آخر. مثال ذلك المراسلات التي دارت بين الملك وولي عهده بعد رفض نجل رئيس الوزراء الشيخ علي بن خليفة التعاون مع مجلس التنمية الاقتصادية. ويعلق أحد السياسيين على ذلك بالقول: "كان ولي العهد ورئيس الوزراء يتصارعان في الفراغ، فالمال والمؤسسة العسكرية والأمن الوطني والمعلومات والسلطتان القضائية والتشريعية وهي ركائز الدولة بيد خالد بن أحمد، ولم يتنبه الاثنين إلى أن خالد بن أحمد هو عدوهما المشترك!".

الملك أيضاً لم يتفطن لقوة الخوالد الصاعدة في مملكته، كانت سهراته الليلية التي تمتد لساعات الصباح الأولى تعيقه عن معرفة ومتابعة التفاصيل، وأنه  لم يعد سيد القرار. المرة الوحيدة التي اعترف فيها الملك أنه لا يعرف شيئاً مما يحدث نقلها لنا أحد العاملين في مكتب أحد الوزراء إذ أعلمه الوزير"أن الملك في أحد الاجتماعات مع الوزراء بعد إعلان تقرير بسيوني (نوفمبر 2011) أبدى امتعاضه متسائلاً عن سبب عدم اعادة المفصولين لأعمالهم كما أمر، اشتكى الملك وبصوت رفيع: أنتم لست وزراء لي، لماذا لا تنفذون أوامري!".

14 فبراير: انقلاب الخوالد


ولي العهد يطرح مبادرة الحوار
في الأحداث الأخيرة، وما بعد الرابع عشر من فبراير 2011، لم يكن خروج ولي العهد على شاشة تلفزيون البحرين وتقديمه للمبادرة في حسابات الخوالد أو رئيس الوزراء. كان خروج ولي العهد ردة فعل مفاجئة جاءت بعد محادثة ثنائية كما ينقل لنا أحد المقربين من ولي العهد. يقول: "تم اللقاء بين الملك وولي العهد، وتعهد ولي العهد بالإمساك بملف الحوار والخروج من الأزمة بسلام. وهو ما رد عليه الملك بالموافقة". ويضيف: "ولي العهد أراد من هذه المبادرة تحقيق عدة أهداف، وليس تحجيم قوة الخوالد والسيطرة على امتداداتهم ونفوذهم ببعيد عنها، فلقد اتضح لولي العهد أن من يعيق برامجه في مجلس التنمية الاقتصادية ليس رئيس الوزراء الصوري خليفة بن سلمان، بل هو خالد بن أحمد فهو من يمسك بموازنة الدولة وبتلابيب الوزارات كلها".

في أول اجتماع للأسرة الحاكمة بعد إعلان مبادرة ولي العهد حدث ما لم يكن متوقعاً، بادر رئيس الوزراء خليفة بن سلمان إلى تقديم نفسه ككبش فداء، وأعلن أمام العائلة الحاكمة أنه مستعد للتنحي عن منصبه إن كان ذلك يفيد في حل الأزمة. وهو ما رفضه الملك بوضوح بعد العديد من المداخلات التي أدارها وهندسها خالد بن أحمد لتقديم هذا المقترح بوصفه تنازلاً كبيراً من العائلة الحاكمة بسبب المبادرة التي استعجل ولي العهد في تقديمها للمعارضة.

بعدها رمى خالد بن أحمد ورقته معاتباً ولي العهد، وخاطبه بشكل مباشر ليلومه على هذا الاستعجال في طرح مبادرته، ومتهماً إياه بـ (قلة الخبرة في التعامل مع المعارضة)  في قبال ما يملكه هو نفسه والملك ورئيس الوزراء من خبرة واسعة في التعامل معها.

رفض ولي العهد كلمات وزير الديوان وأشار إلى أنه لم يقدم مبادرته بتصرف شخصي بل بعد موافقة الملك الشخصية. كان ولي العهد حاداً في رده، تبعه اعتذار من وزير الديوان خالد بن أحمد وانسحابه من الجلسة وتقديم استقالة رمزية كان يعلم أن الملك لن يهتم بها. في هذا التوقيت، تم تناسي الصراع الدائر بين الخوالد ورئيس الوزراء، أراد الخوالد أن يستخدموا رئيس الوزراء – الكرت المحروق – في تطويق الثورة والإجهاز عليها.

يقول أحد المصادر القريبة من الأسرة الحاكمة: "وجد الخوالد أنها الفرصة المناسبة للفكاك من رئيس الوزراء والمعارضة في آن معاً. وذلك عبر استخدام رئيس الوزراء كواجهة للحل الأمني وهذا سبب انتشار صورة رئيس الوزراء وعلو رمزيته مع بدء الحل الامني، ويكون الخوالد هكذا خارج الصورة".

ويضيف: "في حال الوصول لحل للأزمة السياسية، سيكون خروج رئيس الوزراء هو الحل، والبديل جاهز، وهو من الخوالد على الأغلب، ربما خالد بن عبدالله بن خالد نائب رئيس الوزراء ونجل عميد الأسرة الحاكمة عبدالله بن خالد أو غيره، أياً يكن، الخوالد هم من سيقومون بتسميته لدى الملك. النتيحة أن الخوالد من يديرون كل شيء، ومن يستفيدون من كل شيء".

اجتماع خالد بن أحمد بنايف

بعد اجتماع الأسرة الحاكمة، استأذن خالد بن أحمد الملك للذهاب إلى السعودية لاستشارتها فيما يحدث وعرض الموضوع على الملك عبدالله والأمير نايف بن عبدالعزيز، وفيما تحدثت أوساط إعلامية وسياسية عن سفر الوزير إلى لندن وطلبه اللجوء السياسي وهي تورية تنبهت لها المعارضة. كان الوزير ضيفاً على وزير الداخلية السعودي الأمير نايف بن عبدالعزيز آل سعود في العاصمة السعودية الرياض.
 
استطاع خالد بن أحمد أن يقنع الأمير نايف بخطورة الموقف في البحرين وأن مبادرة ولي العهد هي بمثابة تسليم الدولة للمعارضة الشيعية، وأن في ذلك خطراً على السعودية. وتم بالفعل الانتقال بالاجتماع للملك عبدالله بن عبدالعزيز الذي قام بالاتصال بالملك البحريني ليأمره بالاستعداد لاستقبال درع الجزيرة على الأراضي البحرينية، مؤكداً له أن السعودية لا ترحب بمبادرة ولي العهد البحريني، وأنها غير مستعدة لتكرار السيناريو المصري مجدداً.

عاد وزير الملك خالد بن أحمد للبحرين ليطمئن الملك على حكمه وبأن السعودية ودول الخليج ستقف إلى جانبه في هذه الأزمة، عاد وهو مطمئن أيضاً، بأن مبادرة ولي العهد قد أجهضت بالفعل. وعلى الفور، استدعى وزير الديوان خالد بن أحمد الشيخ عبداللطيف المحمود وبعض الشخصيات النافذة من الطائفة السنية ليطلب منها قيادة تجمع الفاتح، رسمياً أخبرهم وزير الديوان أن الإصلاح السياسي مستمر في البلاد وأن ثمة إصلاحات كبرى ستحدث. وأن الملك لا يريد للإصلاح السياسي أن يصبح رهينة بيد المعارضة التي تسيطر عليها الغالبية الشيعية، وأن في ذلك خطراً على الطائفة
السنية. أما في اللقاءات الفردية التي تمت قبل الاجتماع فقد قدم الوزير لضيوفه فرادى وعوداً بالعطايا والمميزات.

من جهة أخرى أوعز الوزير لأخيه خليفة بن أحمد القائد العام لقوة دفاع البحرين ووزير الداخلية إرسال البلطجية إلى جميع المناطق لبث الذعر، كما صدرت تعليمات لفواز بن محمد لتجنيد تلفزيون البحرين لمهمة التأجيج الطائفي في البلاد تمهيداً لإعلان حالة السلامة الوطنية عقب دخول قوات درع الجزيرة إلى البحرين مباشرة.

في هذا التوقيت غاب ولي العهد عن المشهد السياسي كاملاً، ولم تنفع محاولات الوزير مجيد العلوي ورئيس مجلس التنمية الاقتصادية الشيخ محمد بن عيسى آل خليفة في إنقاذ المبادرة أمام المهلة القصيرة التي منحت لهما قبل دخول قوات درع الجزيرة (48 ساعة). ومع دخول قوات درع الجزيرة وإعلان حالة السلامة الوطنية، كان الخوالد وأتباعهم في وزارات الدولة ومؤسساتها المدنية والعسكرية قد بدأوا في حملات الاستهداف والتعذيب والإقالات الجماعية.

كان كل شيء كان بيد الخوالد: قوة الدفاع/ الداخلية/ الإعلام/ وزارات الدولة ومؤسساتها العسكرية والمدنية. كان انقلاباً ملوناً، أبقى على حمد بن عيسى حاكماً على البحرين وأرسل لولي العهد سلمان بن حمد رسالة الخوالد الأخيرة: كرسي الحكم يُدار من بابنا نحن!





التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus